الفتنة الطائفية في مصر والألاعيب القذرة

تظاهرة الاحتجاج التي بدأت في القاهرة وسار فيها عدة آلاف من الأقباط انقلبت بسرعة إلى هجوم عنيف من جانب الجيش على المتظاهرين السلميين. أما العواقب فهي مأساوية بالنسبة لأمن البلاد ومستقبلها الديمقراطي، مثلما يرى جوزيف مايتون في التعليق الذي كتبه من القاهرة.



منذ سنوات والتوتر هو سيد العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مصر، والسبب في ذلك يرجع إلى المُحرضين المتطرفين. حتى سقوط نظام مبارك كان النظام المستبد في القاهرة يحكم السيطرة على المجموعات المختلفة. لكن المجلس العسكري الأعلى في مصر لم يلتزم بهذه السياسة، بل استخدم ألاعيب إعلامية قذرة في يوم الأحد الماضي (9/10) لنشر اتهامات كاذبة ضد المتظاهرين الأقباط.

لقد اتُهم الأقباط على سبيل المثال بأنهم هاجموا الجيش، وأنهم يتخذون من الأطفال دروعاً حامية. وعندما رأى الناس بعد مرور ساعات الجثث الملطخة بالدماء أرجع تلفزيون الدولة سبب العنف إلى مطامع طائفية، مُهيباً بالمواطنين الشرفاء الخروج إلى الشوارع وحماية القوات المسلحة. وكانت نتيجة هذا النداء هو خروج بعض المسلمين الأصوليين المتشددين مسلحين بالبنادق والهروات والأحجار إلى وسط مدينة القاهرة حيث اصطدموا مع المتظاهرين الذين لم يعودوا في المساء من الأقباط فحسب، بعد أن انضم إليهم مواطنون مسلمون. في تلك الساعات كان كافة المصريين يحتجون، مطلقين العنان لغضبهم تجاه المجلس العسكري، ومُبدين استعدادهم لاستخدام العنف.

العنف الجامح

الصورة د ب ا
المصادمات الدامية في العاصمة المصرية تهدد الوحدة الوطنية والتعايش السلمي في مصر بين المسامين والاقباط

​​

سقط عدد كبير من القتلى في هذه المواجهات كما لم يحدث منذ ثورة يناير / كانون الثاني – عندما قام بطلجية مبارك بقتل نحو ألف شخص. وبالنداء الذي وجهه المجلس العسكري إلى المصريين لكي يحملوا الأسلحة في مواجهة الأقباط يكون المجلس في الحقيقة قد حرض على نشوب حرب أهلية، أي إلى حرب لا يستطيع أحد أن يضع حداً لها سوى الجيش، وهو ما يُظهر عندئذ الضرورة الماسة لبقاء القيادة العسكرية على قمة الحكم. إن النتيجة الحتمية لذلك هي الفوضى وتصاعد حدة العنف، إلا إذا وضِع حد فوري لألاعيب الجيش الخطرة هذه.

يتحمل الجيش مسؤولية اندلاع العنف يوم الأحد الماضي والذي أودى بحياة مواطنينه، مضيّعاً بذلك - نهائياً - فرصة الوصول إلى مصالحة بين الأقلية المسيحية والأغلبية المسلمة. وبذلك يكون الجيش قد أعطى مرة أخرى إشارة واضحة بأن أمن البلاد، حتى في المستقبل، يتطلب عدم المساس بالجيش وحضوره في الحياة العامة، وعدم المساس كذلك بالقوانين العرفية الصارمة. هذه الألاعيب كان بإمكان شخص واحد أن يمارسها على نحو أكثر مهارة: هذا الشخص هو الرئيس السابق حسني مبارك الذي يُحاكم في الوقت الحالي لإصداره الأوامر بقتل المتظاهرين في يناير / كانون الأول وفبراير / شباط الماضيين.

رسالة الكراهية

الصورة د ب ا
الأحد الدامي في القاهرة ـ من المسؤول ومن المستفيد؟

​​

المصادمات التي حدثت يوم الأحد توضح أيضاً شيئاً آخر، ألا وهو ميل المسلمين السريع إلى استخدام السلاح ضد أشقائهم الأقباط. يحكي شهود العيان ومراقبون لم يشاركوا في الأحداث أنهم كانوا يسمعون طيلة المساء تعليقات مُفزعة، تصيب الإنسان بالحزن والخوف في الوقت ذاته. بعض المسلمين كانوا يدعون إلى قتل الأقباط، والبعض كانوا يسبون بابا الأقباط، الأنبا شنودة الثالث، في حين أطلق البعض الآخر جام غضبه على المسيحيين عموماً.

رغم مأساوية الأحداث المفرطة في عنفها فقد خرجت بعد انتهائها أصوات تنادي بالاعتدال والتسامح وسط أجواء الخوف والعنف السائدة. بقميص مشبع بالدماء وبرأس معصوبة برباط كان أحد المسلمين الذين شاركوا في المواجهات يهتف قائلاً: مبارك قتلنا ، والآن الجيش يقتلنا! ولكن لا تدعونا نقتل بعضنا البعض! في حين هتف آخر: من الممكن أن تكون مصر بلداً يتعايش فيه الجميع بسلام، لأن لنا جميعاً الهدف نفسه!

لقد أظهرت هذه المصادمات بكل وضوح مدى تأزم وتعقد الوضع الذي تعيش فيه كافة الطوائف الدينية، وهو ما أدى خلال السنوات الأخيرة إلى تفجر الصراعات العنيفة بين المسلمين والمسيحيين المرة تلو الأخرى، وفي طول البلاد وعرضها. يعلم الجيش هذا حق العلم، وهو يصب الزيت على نار الكراهية الكامنة، لا سيما بين المجموعات المحافظة من كلا الطائفتين. وبهذه الطريقة زادت الفجوة بينهما لتصل إلى هذا الشقاق الوخيم العواقب المستمر منذ الحادي عشر من فبراير / شباط، أي منذ اليوم الذي ظهر فيه مبارك علناً للمرة الأخيرة.

آمال قليلة، وإحباط كثير وغضب عظيم: هذه هي المشاعر السائدة في الوضع الراهن، بعد مرور 24 ساعة على أكثر الأحداث دموية في تاريخ مصر، وهذه المشاعر يجدها المرء سواء على شبكة الإنترنت أو بين الأقباط. وما سيحدث خلال الأيام والأسابيع القادمة قد يكون حاسماً بالنسبة لمستقبل المجتمع المدني في المصر وبالنسبة لمصير الثورة.

 

جوزف مايتون
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2011