هواجس 2021 في المغرب...من مقاطعة اقتصادية إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة؟

سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الجديدة في مؤتمر صحفي مع زعماء أحزاب الإئتلاف
سعد الدين العثماني رئيس الحكومة الجديدة في مؤتمر صحفي مع زعماء أحزاب الإئتلاف

جاء نجاح حملة مقاطعة شركات كبرى في المغرب، بكل ما حملته من رسائل سياسية في شعاراتها، لتزعزع كل السيناريوهات التي تخطط لها السلطة الحاكمة، فالمقاطعة التي اتخذت اليوم طابعا اقتصاديا، يمكن أن تتحول إذاً إلى فعل سياسي، يتم التعبير عنه من خلال مقاطعة الانتخابات المقبلة.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Anouzla

العام 2021 هو الذي ستنتهي فيه ولاية الحكومة المغربية الحالية، التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي. وهي حكومة تتكون من خليط هجين من الأحزاب، التي لا تجمع بينها سوى مقاعد الطاولة التي يجلسون حولها كل أسبوع في أثناء انعقاد الاجتماع الحكومي الأسبوعي، فالأغلبية الحالية تضم الإسلامي والاشتراكي والليبرالي والشيوعي سابقًا وأحزابا بدون هوية أو إيديولوجية.

إنها "كوكتيل مولوتوف" منتهي الصلاحية، وبالتالي غير قابل للانفجار، ولذلك سيستمر حتى نهاية ولاية الحكومة.

وعام 2021، هو أيضاً تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستفرز الأغلبية، ومنها ستخرج حكومة السنة الثانية من العقد الثاني في الألفية الثانية.

والانتخابات التشريعية في المغرب تعتبر أهم استحقاق سياسي يتم التخطيط له لرسم خارطة التحالفات الحزبية قبلا، تفاديا للمفاجآت التي قد تخرج من صناديق الاقتراع، فعلى الرغم من كل التدابير التي تتخذها السلطة لضبط تلك النتائج، بما يساير مزاجها السياسي، إلا أن كل المفاجآت تبقى محتملة، وأكثر من ذلك غير متوقعة، ولا يمكن التنبؤ بها أو التحكم فيها.

آلية الضبط والتحكم في المشهد السياسي

فبعد المفاجآت التي أفرزتها الانتخابات البلدية والتشريعية على التوالي عامي 2015 و2016، والتي حملت أول مرة أكبر هزيمة للنظام الانتخابي المتحكّم فيه، ومكّنت حزب العدالة والتنمية الإسلامي من هزم الآلة الانتخابية للدولة، والسلطة ترسل الإشارات المتتالية التي تؤكد على أنها لن تسمح بتكرار السيناريو نفسه في انتخابات 2021.

 

 

أولى هذه الإشارات سعي السلطة إلى إضعاف حزب العدالة والتنمية، عندما تمت إزاحة رئيسه السابق المثير للجدل، عبد الإله بنكيران، من رئاسة الحكومة، والضغط في اتجاه إزاحته حتى من رئاسة حزبه، حتى تحقق لها ما أرادته.

وفي الوقت نفسه، إسناد رئاسة الحكومة إلى قيادات من الحزب ضعيفة، وفاقدة كل مصداقية بهدف التأثير على شعبية الحزب ومصداقيته.

وقد نجحت هذه الخطة حتى الآن في زرع بلبلةٍ داخل صفوف الحزب، وفي الوقت نفسه، أثّرت على صورته لدى شرائح واسعة من الرأي العام المغربي. تجلى ذلك في النقد المتنامي للحزب ووزرائه ورئيسه الذي يرأس الحكومة في وسائط التواصل الاجتماعي. وظهر أكثر في اللقاءات الحزبية، حيث يتكرّر مشهد الكراسي الفارغة، في وقت كانت تلك اللقاءات لحظة لاستعراض قوة الحزب وجماهيريته، وجاءت مسيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني التي دعا إليها الحزب قبل ثلاثة أسابيع لتعرّي مدى تآكل شعبيته في الشارع. لذلك يتطلع المراقبون في المغرب إلى معرفة ما إذا كان لتآكل مصداقية الحزب وشعبيته تأثير على أدائه في استحقاقات 2021.

وتتجسد الإشارة الثانية التي حاولت السلطة إرسالها، للتأكيد على أنها ما زالت متحكمة في الوضع، في وجود سيناريو معد مسبقًا يرسم ملامح المرحلة المقبلة، بطله رئيس "التجمع الوطني للأحرار"، الحزب الذي خرج من رحم القصر في سبعينيات القرن الماضي، وتم وضع رجل أعمال ثري، وصديق للملك يشغل منصب وزير الفلاحة منذ عشر سنوات، على رأسه، لإعداده لانتصار انتخابي محقق، يحمله إلى رئاسة حكومة 2021.

دعوات للمقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي
حملةٌ لمقاطعة شركاتٍ كبرى في المغرب تنجح حتى الآن في خفض أسعار منتجاتها و تُجبر الحكومةَ على تقديم اعتذارٍ.

لكن أوراق هذا السيناريو بدأت بالتساقط، بعد حملة المقاطعة التي فاجأت الجميع، واستهدفت شركات مواد استهلاكية، بما فيها شركة لتوزيع المحروقات تحتكر أكثر من 40% من السوق المغربية مملوكة للوزير والملياردير الطامح إلى رئاسة الحكومة المقبلة، فهذه المقاطعة لم تكبد فقط الشركات المستهدفة خسائر مادية، وإنما ألحقت أضرارا معنويةً كبيرةً بأصحابها، خصوصا أن خيار استهداف بعض الشركات المقاطعة بضاعتها كان بهدف إيصال رسالةٍ تنتقد الجمع بين المال والسلطة بالطريقة التي تترك علامات استفهام كثيرة معلقة حول مدى تداخل مصالح رجل الأعمال وقرارات رجل السياسة في مثل هذه الحالات.

ومع الضربة التي وجهتها حملة المقاطعة لهذا السيناريو الذي لم يعد متماسكا، كان لا بد من وجود "خطة ب"، وهي الإشارة الثالثة التي عبر عنها "الاستقبال" الرسمي الذي أبدى ارتياحه لنتائج انتخابات حزبين مقرّبين من السلطة، "الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة"، عندما انتُخب على رأسيهما أمينان عامان من "التكنوقراط" الحزبي، خلفا لزعيمي الحزبين الشعبويين، ما يعني نهاية فترة الزعامة الشعبوية الحزبية التي لجأت إليها السلطة للحد من شعبية الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية وشعبويته.

فترتيب أوراق المرحلة المقبلة يحتاج إلى "جوكرات" في يد السلطة، تمنحها المرونة والقدرة على المناورة، وهو ما سيمنحه لها وجود شخصيات تكنوقراطية مرنة يسهل التحكم بها، وبلا شعبية يمكن تحريكها على الرقعة السياسية، بما يسمح للسلطة بالتحكّم في الوضع والسيطرة عليه.

ومن خلال هذه الإشارات، وغيرها كثير، لم تنفك السلطة عن إرسالها للتأكيد على مدى تحكمها بآلية الضبط والتحكم في المشهد السياسي، يتضح أن أكبر رهان يواجهها هو الحدّ من كل المفاجآت غير المتوقعة وغير القابلة للتحكم أو الضبط.

وقد جاءت حملة المقاطعة، بكل ما حملته من رسائل سياسية في شعاراتها، لتزعزع كل السيناريوهات التي يخطط لها في غرف مظلمة، فالمقاطعة التي اتخذت اليوم طابعا اقتصاديا، يمكن أن تتحول إذاً إلى فعل سياسي، يتم التعبير عنه من خلال مقاطعة الانتخابات المقبلة.

هذا أكبر هاجس يخيف السلطة وأحزابها التي تم تدجينها، حتى أصبحت سواسيةً مثل أسنان المشط، لا فرق بين أغلبيتها ومعارضتها إلا بمدى ولائها للسلطة التي ما زالت تثق في الولاءات وتهمش الكفاءات.

 

 

علي أنوزلا

حقوق النشر: علي أنوزلا 2018

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).