ضغط متزايد على الأقلية المسلمة

شهدت المناقشات حول الإسلام والمسلمين في ألمانيا خلال العام المنصرم تحولا جذريا، حسب رأي الصحفي المختص بشؤون المهاجرين إبرهارد زايدل، وبات موقف أوساط ألمانية عديدة حيال الإسلام أشبه ما تكون بحالة هستيريا.

مهاجرون في ألمانيا، الصورة: DW-TV
تجارب الماضي دلت على أن سلوك الطريق المبني على الأحكام المسبقة والتشكيك قد أفرز دوما قمعا وعنفا موجها من الأغلبية إلى الأقلية.

​​

كان بالإمكان على امتداد سنوات طويلة توجيه العديد من التهم لمواطني ألمانيا ما عدا تهمة إضمار العداء للإسلام. فأحاسيس الخوف المرضيّة (إكسينوفوبيا) في غضون الثمانينيات والتسعينيات لم تخالج مشاعرهم ضد المسلمين بل استهدفت مواطنين من أنغولا (كاثوليكيي المذهب) وجماعات الغجر والتابعين لأقليات حضارية أو الأتراك ( ذوي التوجه العلماني) بالإضافة إلى البولنديين والعرب.

فالنمط الألماني من العنصرية قام على حواجز عرقية وأخرى ثقافية شوفينية. ولم يلعب الانتماء للدين دورا في هذا السياق إلا في حالة معاداة السامية فقط.

حتى بعد وقوع الأحداث المروعة في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 انصبت الأولوية في بادىء الأمر لدى أغلبية السكان في الدعوة إلى التحلي بروح التسامح. وعلى عكس الحال في إنكلترا أو هولندا كان هناك في ألمانيا شبه انعدام لاعتداءات وقعت ضد المسلمين.

وفي حالة ظهور بوادر أجواء تضمر العداء للإسلام كانت دوائر السياسة والإعلام تعمد إلى تصحيح ذلك على نحو ثابت أكيد. كان المواطنون الألمان حينذاك يسعون لفهم الإسلام ورافق ذلك في بعض الأحيان اعتمادهم لنهج ساذج حجب عن أعينهم طيلة عقود عديدة رؤية ذلك التحدي النابع من الحركات الإسلامية المتسمة بالنزعة الاستبدادية.

جدل هستيري

أما اليوم فقد تغيرت العديد من الأمور. فمقتل المخرج الهولندي تيو فان غوخ في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2004 على يد متطرف إسلامي لم يفرز فحسب في هولندا المجاورة لألمانيا حالة من "الهستيريا الأخلاقية" على حد وصف الكاتب الهولندي غيرت ماك لاشتعال نيران الخوف المرضي حيال الإسلام على نحو بالغ السرعة.

فالاستياء من مقتل فان غوخ ولّد في ألمانيا أيضا جدلا لا حدود له ومتسما بطابع هستيري. ولم يعد جوهر الاهتمام منصبا على معرفة المزيد حول الجماعات الإسلامية الراديكالية بل اصبح الإسلام نفسه مستهدفا.

ومنذ عام 2005 بات ينظر إلى المسلمين على نحو تعميمي للغاية كما لو كانوا يشكلون خطرا على السلم الداخلي. واتضح وكأن المسلمين لم يعودوا يشكلون جزءا عضويا طبيعيا من مجتمعنا بل هم بمثابة جسم غريب وخطر يهدد الأمن.

وهنا تعددت الأصوات المتسمة بالصخب والاندفاع في إطار جدل حول الإسلام والتطرف الإسلامي وحول موضوع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والمسلمين عامة والزواج القسري والمجتمعات المتوازية واضطهاد المرأة ومعاداة السامية على نمط إسلامي وحول فشل مفهوم المجتمع المبني على التعددية الثقافية.

مفهوم الشرف

وعندما لقيت شابة مقيمة في برلين تدعى خاتون سوروجو مصرعها في فبراير/شباط 2005 على يد أحد إخوانها في الأغلب وصلت حالة الانفعال إلى درجة الغليان. ما زالت هذه المأساة التي وقعت داخل عائلة كردية تثير حتى اليوم مشاعر حادة في نفوس أفراد الرأي العام كما تم ربطها ربطا وثيقا بالإسلام بكامله.

ومع أن الأغلبية العظمى للمسلمين ومنظماتهم قد عمدت بشكل واضح إلى شجب جريمة القتل هذه فقد أخذ الكثيرون من الألمان يطرحون السؤال التالي: كيف يمكن أن تتعرض مسلمات يعشن في قلب ألمانيا إلى الاحتجاز وسوء المعاملة والزواج القسري وحتى القتل استنادا على مفهوم الشرف؟

ثم أخذت حملات عشواء تنطلق، فرئيس بلدية حي نوي كولن التابع لمدينة برلين، هاينز بوشفسكي العضو في الحزب الاشتراكي الديموقراطي على سبيل المثال يحمّل في لقاء له مع الجريدة الأسبوعية اليمينية "يونغي فرايهايت" ما يسميه "مافيا الأشخاص ذوي النوايا الطيبة" و"الغارقين في الأحلام الاجتماعية الرومانسية حول مجتمع التعددية الثقافية" مسؤولية فشل اندماج الأجانب في المجتمع الألماني.

وهناك من يقف بجانب بوشفسكي في هذا الصدد كعالمة الاجتماع نجلاء كيليك التي اتهمت "الألمان الليبراليين" بتقبل أوضاع لا يمكن تحملها داخل الجاليات التركية وامتناعهم عن انتقاد ذلك لا لسبب إلا خوفا منهم بأن يوصموا بالعنصريين.

تحليل مبسط

وقد فرض هذا النمط التبسيطي من التحليل نفسه على الخط المتبع في النقاشات التليفزيونية الدائرة وأسبغها بطابعه. هذا مع العلم أننا لو ألقينا ولو نظرة خاطفة على الجدل الذي دار في السنوات العشر الماضية حول موضوع الاندماج في المجتمع لتبين لنا بسرعة فائقة بأن مثل هذه الادعاءات تفتقد إلى العقل والمنطق.

فكثيرا ما تطرقت أجهزة الإعلام الألمانية منذ مطلع الثمانينيات إلى العوامل السلبية القائمة داخل أوساط الجالية التركية. لكن الحديث لم يدر حتى عام 2005 إلا في حالات نادرة حول اعتبار الإسلام نفسه مسؤولا في هذا السياق عن تلك العوامل.

من المستجدات الأخرى لعام 2005 كون الأكليشيهات المتسمة بطابع ثقافي شوفيني وشاحذ للخلافات والانفعالات لم يكن مصدرها كالحال في السابق سياسيين غوغائيين بل على وجه خاص ما تسمى بالنخب الإعلامية.

ولو أخذنا التقارير المنشورة في الإعلام مأخذ الجد لرسمنا الصورة القائمة في ألمانيا على النحو التالي: يعيش في البلاد أتراك وعرب يمتنعون عن تعلّم القراءة والكتابة ويرغمون بناتهم على الزواج طوع إرادتهم ويكافحون في سبيل إنشاء دولة قائمة على الدين داخل مجتمعاتهم الموازية لمجتمع الأغلبية باستخدام القتل سواء عن عمد أو عن غير عمد.

هذه القراءة تعني سياسيا أنه لا بد من السيطرة سريعا على مجريات الأمور تفاديا لاندلاع حرب أهلية مكشوفة.

لم يكن 2005 عاما طيبا بالنسبة للمسلمين في ألمانيا. فبعد وقوع كل عملية إرهابية على يد متطرفين إسلاميين ارتفعت حدة الضغط الموجه ضد الأقلية المسلمة وطلب منها على نحو متكرر معهود إظهار توجهها الديموقراطي على نحو استعراضي، وذلك بغض النظر عما إذا كان لأفراد هذه الأقلية صلة بالتيار الإسلامي المتطرف أم لا.

ومع أن كل المنظمات الإسلامية الهامة سواء "ميللي غوروش" أو المجلس الأعلى للمسلمين أو مجلس الإسلام قد شجبت في تاريخ أقصاه وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كافة أشكال العنف المستخدمة باسم الإسلام، فإن هذا لم يمنع كلاوس يانزين رئيس اتحاد مكافحي الجريمة الألمان بعد وقوع أعمال العنف في لندن من الاعتراض على عدم تصدي الجاليات المسلمة للمتطرفين في محيطها إلا بصورة ضعيفة.

كما أن جريدة "دي فيلت" نشرت تعقيبا جاء فيه "كلما ازداد عدد الاعتداءات الواقعة، كلما تطلب ذلك على نحو قسري من المسلمين المقيمين هنا الإعراب بشكل واضح عن تبنيهم للتسامح والديموقراطية ولمبادئ أنظمة القانون الغربية. لكن الكثيرين من المسلمين لم يعوا ذلك".

اختبار حسن النوايا

تلك بيانات خطيرة مسددة نحو "العدد الكبير من المسلمين" المقيمين هنا، فهي تتهمهم بمعرفة خبايا المجموعات التآمرية الإسلامية الممارسة للإرهاب وبقدرتهم على الاحتكاك بها على نحو "امتيازي" بحكم الانتماء إلى دين مشترك واحد.

هذا ليس إلا خيطا رفيعا ضئيلا يفصل بين هذه التوجهات وبين نظريات المؤامرة والأكليشيهات المبنية على التوجه الثقافي الشوفيني التي تضع المسلمين في موضع من لا مخرج له.

ومما يوضّح مدى انعكاس النظرة التي تضع أقلية دينية بكاملها موضع الاتهام على إجراءات أجهزة الدولة نفسها الاختبار النافذ المفعول ابتداء من مطلع عام 2006 في ولاية بادن- فورتمبيرغ والذي يتوجب على طالبي الحصول على الجنسية الألمانية اجتيازه بشأن الأفكار والقناعات التي يدينون بها.

هذا الاختبار تم "تفصيله" على نحو يتناسب مع الراغبين بحيازة الجنسية من شرائح المنتمين إلى "دائرة الثقافة الإسلامية"، علما بأنه قد كثر في الآونة الأخيرة استخدام هذه التسمية في حالة انحدار الأفراد من دول أغلبية مواطنيها من المسلمين.

من أمثلة الأسئلة الواردة في الاختبار "ما هو تقييمك للفرد المقيم في ألمانيا والمتزوج من امرأتين؟". سؤال آخر "كيف تتصرف إذا علمت بأن أشخاصا يسكنون بجوارك أو كنت على صداقة أو معرفة بهم قد قاموا بعمل إرهابي أو يخططون له؟".

الجدل الذي دار في العام المنصرم في هذا السياق يوحي بوجود درجة كبيرة من البلبلة والحيرة لدى المجتمع الغربي. فهناك مخاوف غريبة الأطوار أخذت تحل محل صرف الاهتمام على نحو موضوعي بالأخطار النابعة من الإرهاب من جانب وبالمشاكل الراهنة القائمة بصدد الاندماج في المجتمع من جانب آخر.

هذا الأمر حافل بالخطورة. إذ أن تجارب الماضي دلت على أن سلوك الطريق المبني على الأحكام المسبقة والتشكيك قد أفرز دوما قمعا وعنفا موجها من الأغلبية إلى الأقلية. إذا أردنا أن نتجنب ذلك فإن الأمر يتطلب أن يعود الحوار بين مجتمع الأغلبية وبين الأقلية المسلمة إلى نهج الصراحة والعقّل.

بقلم إبيرهارد زايديل
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

المطالب الموجهة إلى الجمعيات الإسلامية
لا يجري بحث مواقف المسلمين من الدولة والمجتمع في ألمانيا إلا ما ندر، وهذا ما يؤجج نظريات المؤامرة حول "المسلمين" والإرهاب في المجتمع الألماني، حسب رأي الصحفي المتخصص في شؤون الأجانب والمسلمين في ألمانيا إبرهارد زايدل.

الطائفة المسلمة": اختراع أوروبي
تعكس النظرة الأوروبية الى المهاجرين من الجزائر وتركيا والباكستان والعراق أو دول أخرى على انهم ينتمون الى "طائفة مسلمة" متجانسة رؤية جوهرية واستعمارية جديدة ل "الغير" التي تحمل عواقب سياسية سلبية، حسب رأي حازم صاغية وصالح بشير.

الإسلام في الإعلام الألماني
أصبح الإسلام منذ مقتل المخرج الهولندي فان كوخ محورا لاهتمام أجهزة الإعلام من جديد. ولكن من الملاحظ أن الكثير من التقارير عن المسلمين والإسلام تفتقد إلى الدقة في البحث وتتسم بعرض أنصاف الحقائق.