المستعمل مرغوب

تنفق الدول النامية أكثر من مائة مليار دولار سنويا لشراء الآلات المستعملة التي لم تعد مصانع الدول الغنية بحاجة إليها. هل هذه الصفقة رابحة أم أنها تعوق تطور الصناعة المحلية؟ معهد أبحاث ألماني أعد دراسة عن هذا الموضوع.

المستعمل مرغوب

ما يعد بالنسبة للبعض خردة، هو بالنسبة لآخرين صفقة مربحة، ففي الدول النامية والآخذة في النمو هناك إقبال متزايد على الآلات والأجهزة التي تم استهلاكها في الدول الصناعية. والسوق كبير جدا، حيث يتم إنفاق أكثر من مائة مليار دولار أمريكي سنويا على شراء الآلات المستعملة، لكن هل تعد هذه الآلات المستهلكة حقا صفقة رابحة أم أنها تمثل عبئا على البيئة وتعوق تطور الصناعة المحلية؟ للإجابة على هذه الأسئلة، كلف مجلس التنمية المستدامة معهدا استشاريا مستقلا وهو معهد أدلفي للأبحاث Adelphi Research، بعمل دراسة عن هذا الموضوع.

عندما يرغب عامل ألماني بمصنع الحديد والصلب المسمى فيستفالنهوته Westfalenhütte بعد عدة سنوات أن يُري أحفاده المكان الذي عمل فيه في الماضي، فسيكون عليه أن يسافر لمسافة قدرها حوالي 9000 كم! فمنذ العام الماضي تم تفكيك مصنع الحديد والصلب بكامله إلى قطع، يصل وزنها في المجمل إلى 250.000 طن من الحديد الصلب. ملايين من القطع المنفردة للمصنع ستتنقل عبر نصف الكرة الأرضية، لتتجمع ثانية في الصين. عندما تأسس المصنع عام 1960 بلغت تكلفته ما يقرب من مليارين من اليورو والآن لا تتعدى قيمة المصنع المستهلك سوى 100 مليون يورو. بالنسبة للصينيين تعد تلك صفقة مربحة. لكن فالتر كالنبورن Walter Kahlenborn المدير التنفيذي لمعهد أدلفي للأبحاث يذكرنا مع ذلك بأن تلك الصفقات المربحة من الآلات المستعملة، والتي يمكن التخلي عنها، قد تشكل عبئا كبيرا.
ويقول : "يصعب على المشترين عند تقييمهم للآلات المستعملة، التفكير في الآثار البيئية ومصادر الطاقة واستهلاك الموارد. فهم يهتمون غالبا بتكلفة الاستثمار لكنهم لا يفكرون في تكلفة التشغيل وبالتالي لا يكون لديهم تصور عن الآثار البيئية."

وبالنسبة للدول المصدرة تعد التجارة بالآلات المستعملة تجارة مربحة بأي حال من الأحوال، فلكي تصبح هذه الدول قادرة على المنافسة في الأسواق عليها أن تطور آلاتها باستمرار- وإذا حصلت بالإضافة إلى ذلك على مال مقابل هذه الآلات القديمة، بدلا من التخلص منها فذلك أفضل وأفضل! على النقيض من ذلك ليس بالضرورة أن تستفيد الدول المستوردة من هذه التجارة. صحيح أن الآلات المستعملة أرخص وتركيبها أسرع وإصلاحها يكون أحيانا أسهل من الآلات الحديثة المعقدة، لكن من ناحية أخرى يمكن أن يكون لهذه الآلات التي تم الاستغناء عنها آثار سلبية كبيرة على البيئة، كما أن تكلفة تشغيلها قد تكون مرتفعة وليست لها نفس درجة الأمان التي للآلات الحديثة. إضافة إلى ذلك قد تؤدي الأسعار الرخيصة للآلات المستعملة إلى إعاقة خلق وتطوير سوق للآلات المحلية الصنع. هل من الأفضل إذن أن يُمنع تماما تصدير هذه الآلات إلى الدول النامية؟

يرى كارستن هلباب Carsten Hellpap من المؤسسة الألمانية للتعاون التقنيGTZ إنه ليس من المفيد إغلاق السوق تماما. ويقول: "لا بد أن ننظر إلى هذا الموضوع بصورة تخصصية، حسب المجال فالوضع في صناعة النسيج يختلف تماما عن الوضع في صناعة الإسمنت، ففي صناعة النسيج مثلا يمكن أن نترك المجال مفتوحا لأن الآلات المستعملة في هذا القطاع تعمل على تطوير الصناعة، ويمكن تقييد تصدير الآلات المستعملة بصورة أقوى في مجالات أخرى، حيث أن العيوب الناتجة عن ذلك أكبر من المزايا."

ما الذي يمكن عمله إذن من أجل قصر الاستيراد فقط على الآلات التي لا تغلب عيوبها على مزاياها؟ يرى كارستن هلباب أنه على الدول المستوردة أن تتبادل الخبرات في مجال استيراد الآلات المستعملة، وعلى حكومات هذه البلاد أن تنظم عملية الاستيراد. ويقول: "من ناحية يجب أن تضع الدول قواعد يمكن من خلالها أن يقوم المختصون بمعاينة الآلات المستوردة، وأن يكون لهذه الآلات مواصفات معينة وألا تتعدى نسب معينة للطاقة وللانبعاث الحراري."
لكن المسئولية عن البيئة لا تقع فقط على عاتق الدول المستوردة. يقترح فالتر كالنبورن من معهد أدلفي للأبحاث أن تقوم بنوك التنمية أو المؤسسات المانحة لقروض التصدير مثلا بمساعدة الدول النامية في هذا المجال. ويقول : "وبالطبع فإن الدعم الأهم يتمثل ببساطة في دعم المشترين في الدول النامية ماليا بحيث يتمكنوا من شراء أجهزة حديثة، خاصة في البلدان التي تستورد آلات مستهلكة تماما ومضرة بالبيئة."

إيناس فريدة، دويتشه فيلله، يونيو/حزيران 2003
الترجمة: أحمد فاروق