مدينة كانو النيجيرية- مقاومة الكراهية بالحوار

يسود الهدوء الحذر هذه الأيام مدينة كانو النيجيرية بعد الهجمات الإرهابية الدامية التي تعرَّضت لها البلاد مؤخرا. ويحاول المسيحيون والمسلمون في هذه المدينة إجراء حوار من أجل الحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث في مدينتهم. توماس موش يسلِّط الضوء على التطوّرات من مدينة كانو.



تعتبر كانو مدينة مسلمة قديمة، ولكنها اجتذبت أيضًا منذ عهد الاستعمار مئات الآلاف من المهاجرين المسيحيين من منطقة جنوب نيجيريا ذات الأغلبية المسيحية. ويعيش الكثيرون من المسيحيين في حي "سابون غاري" في "المدينة الجديدة". وفي أثناء النهار تعود الحياة إلى حالتها الطبيعية، حيث لا يوجد هناك سوى القليل من نقاط التفتيش، وكذلك عادت المحلات التجارية والأسواق تفتح أبوابها. ولكن في الليل تفرغ الشوارع بسرعة ويقوم رجال الجيش والشرطة بنشر حواجز تفتيش في كلِّ مكان. ويعيش في منطقة سابون غاري بالإضافة إلى أبناء قبيلة الإيبو الذين يعدّ معظمهم من المسيحيين الكثير من أبناء قبيلة اليوروبا الذين تعود أصولهم إلى جنوب غرب نيجيريا وكثيرًا ما يعتبرون أنفسهم من المسلمين.

ويخبرنا طالب منهم اسمه صادق أنَّه الآن باعتباره مسلمًا ينظر له أبناء جيرانه المسيحيين بسخرية واستهزاء، ويضيف مشتكيًا: "المسيحيون اليوم ينظرون إلى كلِّ شيء من زاوية دينية. ويقول الكثيرون منهم إنَّ المسلمين هم المسؤولون عن هذه الأوضاع. فهم لا يفهمون أنَّ هؤلاء إرهابيون يريدون تدمير الدين".

حالة من الخوف والريبة

الصورة كاترين غينسلر
إرهاب إسلاموي حاضر في كلِّ زمان ومكان - قتلت جماعة بوكو حرام الإرهابية منذ عام 2010 أكثر من 1400 شخص. وهذه الجماعة مسؤولة عن القيام بعدة هجمات استهدفت بعض الكنائس والدوائر الحكومية.

​​وتُعرِّف شابة بنفسها على أنَّها مسيحية ومن قبيلة الإيبو، وتقول إنَّها تدرس في العاصمة أبوجا ولم تعد تأتي إلى زيارة أسرتها في كانو إلاَّ على مضض، وذلك لأنَّ الكثير من الناس قد تركوا هذه المدينة، ثم تضيف: "إنَّ الوضع سيء؛ أنا آتي إلى هنا من جديد ولا ألتقي مرة أخرى بالأصدقاء والمعارف، بالناس الذين كنت ألتقي بهم - فهم يذهبون". وعلى الرغم من تناقص التوتّرات إلاَّ أنَّ الكثيرين من الناس في كانو لم يعودوا يشعرون بالراحة والاطمنان. وتقول إنَّ والديها يعملون في التجارة كما أنَّ العمل الآن سيء للغاية ولم يعودا قادرين على مساعدتها مثلما كانا يفعلان في السابق. وتضيف أنَّها قطعت الآن اتصالاتها بأصدقائها المسلمين: "كان لدي أصدقاء مسلمون ولكني الآن أخاف منهم".

التجَّار في مواجهة صعوبات

وباسكال نوسو رئيس قبيلة الإيبو في كانو يعرف هذه المخاوف معرفة جيِّدة. ويقول إنَّ الكثيرين قد غادروا المدينة بعد الهجمات، وصحيح أنَّ بعضهم عاد إلى هنا من جديد، ولكن لقد تقلَّص وبشكل كبير عدد أبناء قبيلة الإيبو التي تمثِّل على أية حال أكبر مجموعة عرقية من السكَّان غير الأصليين في مدينة كانوا. وباسكال نوسو الذي يعمل في تجارة القطن والبذور الزيتية، يرى أن هناك فسادًا اقتصاديًا واضحًا ويقول: "فقدت شركتي أيضًا بعض العاملين. وبطبيعة الحال لا يمكن إجبارهم على البقاء. لكن إذا حدث شيء ما فعندها سيحمِّلونني الذنب لأنَّني أجبرتهم على البقاء". ويضف أنَّه من الصعب إيجاد بديل في ظلِّ هذه الظروف، زد على ذلك أنَّ العديد من تجَّار الجملة نقلوا مستودعاتهم إلى مدن أخرى ولم يعودوا يجلبون إلى مدينة كانو سوى كميَّات صغيرة.

احتمال نشوب صراعات اجتماعية وسياسية

وباسكال نوسو بالذات لا يرى أي سبب للمغادرة ويقول إنَّ المسلملين لا يواجهون جميعهم المسيحيين في شمال البلاد. وعلى حدّ قوله فإنَّ المهاجمين لا يشكِّلون إلاَّ مجموعة صغيرة تريد إدخال البلاد في حالة من الفوضى، كما أنَّ أسباب هذا الصراع ليست أسبابًا دينية بل اجتماعية وسياسية. وكذلك يشاطره الرأي الأسقف رانسوم بيلو من جمعية الفرسان الإنجيلية؛ يتولى هذا الأسقف رئاسة رابطة المسيحيين في نيجيريا (CAN) في مدينة كانو ويدعو أخوته في الدين بشكل واضح إلى البقاء: "نحن نعتقد أنَّ هناك تهديدات في كلِّ مكان. ولا أحد يستطيع قتلي إذا لم يحن موعد موتي".

وعلى الرغم من محاولته التأثير على أفراد كنيسته، بيد أنَّه يعرف مثلما يقول: "نحن لا نستطيع فعل الكثير عندما يكون الناس مصرِّين على مغادرة كانو وأنا أفهم ذلك". وعند مدخل كنيسته ثمَّة حاجز جديد يُظهر لنا أنَّ الخطر موجود هنا باستمرار. ويقول بيلو باحباط: "نحن لم نحتاج شيئًا كهذا في السابق. وأمَّا اليوم فنحن نقوم بتفتيش كلِّ شخص يريد دخول الكنيسة". ويضيف الأسقف أنَّ الكثير من مئات الكراسي البلاستيكية البيضاء تبقى فارغة أثناء الصلاة. وذلك لأنَّ الناس قد ذهبوا تمامًا أو أنَّهم يخافون الذهاب إلى الكنيسة.

الحوار بين المسيحيين والمسلمين

الصورة توماس موش
يقول الأسقف رانسوم بيلو رئيس رابطة المسيحيين في نيجيريا: "نحن لا نستطيع فعل الكثير عندما يكون الناس مصرِّين على مغادرة كانو".

​​ويؤكِّد بيلو قائلاً إنَّ العلاقات مع المسلمين تحسَّنت في الأعوام الأخيرة على نحو واضح جدًا. ولم تشهد مدينة كانو منذ فترة طويلة أعمال عنف كبيرة بين المسلمين والمسيحيين بعكس ما كانت عليه الحال في السابق. وحتى أنَّ الحوار بين المسلمين والمسيحيين ازداد أكثر نظرًا إلى التهديدات الراهنة. وهذا ما يؤكِّده أيضًا شريكة في الحوار السيِّد محمد أمينو داوراوة الذي يعدّ من رجال الدين المسلمين والقائد العام للشرطة الدينية الحسبة. ويؤكِّد داوراوة أنَّ الحوار مع الأقلية المسيحية أصبح الآن ثابتًا: "لم يكن هذا موجودًا في السابق، أمَّا الآن يوجد لكلِّ مجموعة ممثِّلها الدائم. كما يوجد الآن لدى المحافظ مستشار للجماعات العرقية ومستشار للشؤون الدينية".

ومن خلال مكاتب هؤلاء المستشارين يتم الآن تنظيم الحوار بين المجموعات العرقية والدينية. ويقول إنَّ خير مثال على روح التعاون الجديدة هي الاحتجاجات على رفع أسعار البنزين التي خرجت في بداية هذا العام. وعلى حدّ قوله عمل المسلمون ومن بينهم أيضًا أفراد شرطته على حراسة الكنائس في أيَّام الأحد أثناء صلاة المسيحيين واهتموا بتوفير الأمن للمسيحيين أثناء صلاتهم.

المزيد من ضبط النفس

لا يخشى الأسقف بيلو على الإطلاق من التهديدات وقيام المسيحيين بالثأر من المسلمين بسبب الهجمات التي تعرَّضت لها الكنائس: "السؤال هو ضد مَنْ سنقتال يا ترى؟ وهل يتعيَّن علينا مهاجمة أصدقائنا المسلمين الذين تبرَّعوا لنا بالأز في عيد الفصح؟" ويتمنى الأسقف بيلو أن يمارس زملاؤه في جنوب نيجيريا المزيد من ضبط النفس عندما يتحدَّثون عن الأوضاع في الشمال. ويقول مشتكيًا عندما يدور الحديث عن الأوضاع لدينا ترد بسرعة كلمة الانتقام من دون معرفة المتحدِّث كيف تبدو الحال في واقع الأمر لدينا في الشمال.

ولكن على الرغم من ذلك تزداد الريبة في البلاد وذلك لأنَّ جماعة بوكو حرام قد نشرت بعد الهجمات التي تعرَّضت لها الكنائس في ولاية كادونا المجاورة في منتصف شهر تموز/يونيو بيانًا حذَّرت من خلاله أيضًا سكَّان كانو من هجمات أخرى إذا استمروا في التعاون مع السلطات الأمنية ضدّ الإرهابيين.

 

توماس موش
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيلة 2012