الانتخابات الألمانية والمهاجرون

ما هي الأحزاب الألمانية التي تتمتع لدى الناخبين المتجنسين بمصداقية متميزة؟ وما هي القضايا التي تهم الناخب الألماني ذا الأصل العربي أو التركي؟ تحليل الباحث المختص بقضايا المهاجرين اندرياس فوست.

ملصقات النتخابية، الصورة: أ ب
أغلبية المهاجرين المتجنسين يميليون إلى انتخاب الأحزاب اليسارية.

​​

طبقا للعديد من الدراسات العلمية في السنوات الأخيرة فإن حوالي خمسة بالمائة من الناخبين في ألمانيا ليسوا ألمانيّ المولد، ولكنهم اكتسبوا الجنسية الألمانية مع مرور الوقت.

ويعد نصف هؤلاء "المواطنين الجدد" نازحين ذات أصول ألمانية، عادوا إلى ألمانيا من دول الاتحاد السوفيتي سابقا وبولندا أو من رومانيا، والنصف الآخر يتألف من الأجيال الأولى للعمالة الأجنبية ومن نسلهم، وهم في الغالب من أصول تركية.

ومن بين هؤلاء الألمان تركيّ الأصل يوجد كثير من المسلمين، أما من بين الناخبين الذين اكتسبوا الجنسية الألمانية وما زالوا يقيمون في ألمانيا (حوالي ثلاثة ملايين) فيوجد قرابة 400.000 مسلم.

ومن هنا يعتبر المتجنسين بالألمانية قوة انتخابية تستحق التقدير، لأن نسبة خمسة بالمائة من الناخبين قد تؤثر على نتيجة الإنتخابات. وهذا ما لا يمكن إطلاقه على المسلمين لقلة أعدادهم الواضحة (حوالي 0،7 بالمائة من الناخبين).

وإذا ما نظرنا إلى هؤلاء المواطنين الجدد، فسنجد أن هذه المجموعة غير المتجانسة إلى حد كبير، تنتخب مثلها مثل بقية الألمان على حد التقريب. وهم أقل ذهابا إلى صناديق الإقتراع ويفضلون الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني والاتحاد الإجتماعي المسيحي، ويفضلون أيضا الحزب الإشتراكي الديمقراطي، كما أنهم ينتخبون حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر.

وقبل أن يقوم حزب الديمقراطية الإشتراكية الألماني بتغيير تسميته إلى الحزب اليساري كان هذا الحزب ينال أيضا عددا لا بأس به من أصوات هؤلاء المواطنين الجدد. وإذا تأمل المرء عن قرب كل مجموعة على حدا، فستظهر له صورة مخالفة تماما.

ميل الناخبون الاتراك إلى الأحزاب اليسارية

فالنازحون ذات الأصول الألمانية ينتخبون في الغالب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني والاتحاد الإجتماعي المسيحي. أما الأجانب الذين اكتسبوا الجنسية الألمانية فهم يفضلون الحزب الإشتراكي الديمقراطي. ونسبة كبيرة من الأتراك الذين اكتسبوا الجنسية الألمانية يفضلون الحزب الإشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.

وطبقا للدراسات التي تمت عام 1999 و2001 و2002 فإن 80 % منهم كانوا يفضلون الحكومة الائتلافية المكونة من هذين الحزبين. والمسلمون الأتراك الذين اكتسبوا الجنسية يفضلون أيضا الحزب الإشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.

وقبل الانتخابات البرلمانية عام 2002 صرح 60 % من المسلمين بأنهم سوف يصوتون لصالح الحزب الإشتراكي الديمقراطي و19 % لصالح حزب الخضر و14 % لصالح الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني والاتحاد الإجتماعي المسيحي.

ولا تختلف القضايا التي تهم كل من الأتراك والمسلمين المتجنسين عن تلك التي تهم المواطنين ألماني المولد اختلافا كبيرا، فالبطالة تعتبر هي أكثر القضايا التي تحظى باهتمام هذه المجموعة، ثم تليها القضايا الإجتماعية والإقتصادية.

قلق من التطرف اليميني

وتجدر الإشارة إلى أن الأتراك والمسلمين المتجنسين قد بدأوا في الأعوام الماضية يولُون قضايا "قانون اكتساب الجنسية" و"التطرف اليميني" اهتماما أكثر من المواطنين ألمانيّ المولد.

ومن الطبيعي أن تشغلا هاتان القضيتان هذه المجموعة، لأن اكتساب الجنسية من القضايا التي شغلت هؤلاء الألمان الجدد من ناحية، ولم تشغل الألمان بالمولد بشيء.

ومن ناحية أخرى لأن الأجانب المتجنسين يقلقهم التطرف اليميني والمتطرفين الذين لا يقبلون الأجانب كمواطنين متكافئين، ويجعلون منهم كبش فداءٍ لشتى المشاكل، وأيضا للتهديد باستعمال العنف – أو حتى استعماله بالفعل - لتنفيذ أهدافهم الرجعية.

ومع أن الأحزاب الديمقراطية تتنصل من الشعارات المعادية للأجانب، إلا أن هناك تباين كبير بينها فيما يتعلق بسياسة الهجرة والإندماج، وهذا ما يلمسه المتجنسون من خلال برامج وتصريحات وسلوك ممثلي الأحزاب.

وفيما يتعلق بقضية إندماج الأجانب فإننا نجد الأحزاب اليسارية أكثر صراحة وتسامحا. ومن ناحية أخرى فقد تبين أن الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني والاتحاد الإجتماعي المسيحي على صلة وثيقة بالنازحين ذات الأصول الألمانية ومن جاء من بعدهم إلى ألمانيا في السنوات الماضية.

وتنعكس بعض هذه الصلات الوثيقة بين الأحزاب ومجموعات المتجنسين على المنظمات القريبة من الأحزاب، مثل النقابات أو الكنائس. ومما يفسر شدة ميول الألمان من أصول تركية للحزب الإشتراكي الديمقراطي هو انتمائهم للطبقة العاملة ولنقابة العمال.

مصداقية الأحزاب الألمانية

ومن جانب آخر فالمسلمون ليسوا من أتباع الكنيسة، وبالتالي فلا تكاد تكون لهم صلة بالاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني والاتحاد الإجتماعي المسيحي. ومن الممكن أن يهتم المسلمون المتجنسون بهذا الحزب المسيحي لتقاربهم في الأفكار المحافظة، أو إذا تحقق النجاح الإقتصادي والإجتماعي، مثل الأعمال الحرة على سبيل المثال، بيد أن الدراسات التي أجريت حتى الآن أثبتت أن هذا قلما يحدث.

وحتى لو بدت الميول السياسية الحزبية للأجانب المتجنسين مترابطة، فسوف تستطيع الأحزاب بلا شك أن تكسب تلك المجموعات معا أو فرقا على حده كناخبين. وبجانب طرح الموضوعات السياسية فإن الإهتمام بالمجموعات المتعددة الأعراق والإندماج في المجتمع والأحزاب شيء من الأهمية بمكان، وعلى ذلك فكل حزب يقبل الأجانب المتجنسين كأعضاء أو كمرشحين أو يسعى لانضمامهم إليه، سيصدق عليه - لفترة طويلة المدى – القول بأنه حزب ينادي للإندماج.

وبالمقارنة على المستوى العالمي فإن الأحزاب اليسارية أكثر نشاطا وأكثر نجاحا في هذا المجال. كما أنه ليس بالكافي أن يتم وضع الأجانب المتجنسين بشكل رمزي أو إدراجهم في أواخر القوائم، بل على الحزب كله أن يعمل من أجل المواطنين الجدد.

والاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد الإجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر لديهم عجز في هذا أكثر من الحزبين الإشتراكي الديمقراطي والخضر. ومن الممكن أن يتخذ الحزب الديمقراطي الحر مواقف ليبرالية تجاه سياسية الإندماج، ولكنه لم يفعل ذلك بالقدر الكافي ولم يدرج هذا الموضوع أعلى قائمة برنامجه كما فعل حزب الخضر على سبيل المثال.

على الأحزاب أن تجتهد في كسب الأجانب المتجنسين – وكثير منهم تركيّ الأصل - والمسلمين الألمان ليصبحوا ناخبين لهم، ومن ثم يرتبطون بهم على المدى الطويل. وبناء على تراجع نسبة المواليد بين المواطنين ألمانيّ المولد، فسوف تزداد أهمية هذه المجموعة من المواطنين الجدد بالنسبة للأحزاب.

ومن الناحية الأخرى فسيصبح من الصعب أن نفرق بين هؤلاء المواطنين الجدد وعلى الأخص نسلهم وبين المجتمع متعدد الطبقات، ومن ثم فسيكون من السهل على جميع الأحزاب أن ترتبط سياسيا – على المدى الطويل - بالمجموعات التي تتمتع بخلفية عن الإندماج.

إن من الخطأ الفادح ألا نسعى إلى الاندماج الإجتماعي والسياسي لهؤلاء المواطنين الجدد، فالذاكرة السياسية للناس أفضل مما يتصوره بعض رجال السياسية، كما أن هؤلاء سوف يعطون خبراتهم مع الأحزاب والسياسة وتصرفات الحكومة إلى الأجيال من بعدهم.

سوف تكوّن الأجيال الجديدة خبراتها السياسية الخاصة، وستتخذ قرارات سياسية وستحاول أن تتحرر من جيل الآباء، ولكن ستظل خبرات الآباء والأمهات تلعب دورا ما في سياق القرارات السياسية لأشخاص ينحدرون من مهاجرين أجانب.

بقلم أندرياس فوست
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005

الدكتور أندرياس فوست باحث في المركز الأوربي للبحوث الاجتماعية في جامعة مانهايم الألمانية ومختص بقضايا المهاجرين والانتخابات في ألمانيا.

قنطرة

حديث صحفي مع جم اوزديمير
بعد هجمات لندن نادى جم اوزديمير، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الألماني، لمساندة المسلمين المعتدلين في ألمانيا للوقوف أمام التهديدات الإرهابية وتقويض المتطرفين. سونيا فالنيكر سألته عن وضع المسلمين وظاهرة التطرف.

إمرأة مسلمة في حزب مسيحي
انتخبت أمينة ديميربوكن-فيغنر- بنسبة 8ر66 بالمائة من الأصوات عضواً في الهيئـة الرئاسية لحـزب الاتحــاد الديمقراطي المسيحي. وبهذا أصبحت أول امرأة ذات أصـول تركيـة تتقلد هذا المنصب. في المقابلة التالية تتحدث السياسية عن عملها الحزبي وعن "الثقافة الألمانية الرائدة" وعن الاندماج.