نساء اليمن…… مقاومة سلمية من وراء الحجاب

منذ اندلاع الثورة في اليمن وأصوات اليمنيات تعلو في شوارع صنعاء وتعز وعدن وغيرها من المدن مطالبة بالحرية والعدالة،وتدعمهن في ذلك عائلاتهن بشكل لم يعهده المجتمع اليمني من قبل، وتـُراعى خلال ذلك التقاليد الاجتماعية اليمنية. مارتين دورم والمزيد من التفاصيل.



قبيل إصابة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بجروح خطيرة وذهابه لتلقي العلاج الطبي في المملكة العربية السعودية شَابَ الاحتجاجات السلمية في اليمن اشتباكات عنيفة بين الجيش والمقاتلين القبليين الداعمين للثورة. ولكن أصوات نساء الثورة السلمية ترتفع بشكل غير مسبوق من وراء نقابهن وحجابهن، ويطالبن بإنهاء العنف والفوضى في اليمن: البلد الذي تحتل فيه التقاليد والدين أهمية خاصة.


لا تترك الفتيات اليمنيات مهمة الهتافات العالية للشبان فقط، الذين لا يملـُّون من التلويح بقبضاتهم ومن ترديد الشعارات القوية المنادية بتغيير النظام، بل إن أصواتهن تختلط في أحيان كثيرة بأصواتهم. ولا يكون بوسع الشباب إلا الإصغاء لهتافاتهن والترديد معهن. وتتظاهر النساء في اليمن بشكل منفصل عن الرجال. ويقضي كل جانب أيام المقاومة السلمية في خيمته الخاصة دون اختلاط. وترتدي كل امرأة حجابها أو نقابها الأسود الذي لا تستطيع أن ترى العالم الخارجي إلا من خلال شق صغير فيه. ورغم ذلك، لا يمنع التزام اليمنيات بارتداء هذا الزي التقليدي، خلال الأيام العصيبة للثورة، من النظر إلى آفاق المستقبل. وتقول توكل كرمان إحدى قيادات الثورة الشعبية الداعمة لإقامة ديمقراطية حقيقية في البلاد:" سوف نحقق جميع أهداف ثورتنا. وفي نهاية المطاف سيصبح اليمن بلداً حراً. لسنا خائفين، بل إننا على ثقة كبيرة بالنفس ولن نستسلم أبداً".


النساء في مقدمة ثورة الشباب السلمية

الصورة دويتشه فيله
الرجال والنساء يتظاهرون بشكل منفصل بحسب التقاليد اليمنية

​​


اليمنية توكل كرمان تستقبل ضيوفها في خيمتها المبنية من الخشب الرقيق والأغطية البلاستيكية. وهي واحدة من أبرز ممثلي الثورة الشعبية ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي أصيب وتوجه إلى المملكة العربية السعودية للعلاج. أمّا عن إصراره على العودة إلى اليمن فتقول توكل كرمان إن الرئيس صالح لا بد من أن يعترف بتحمُّل مسئولية ما حدث، وتتابع كلامها قائلة:"سوف يُحاكم هو ورجاله في المحكمة. وسوف نقاضيهم بتهمة الفساد وبتهمة قتل الكثير من الشباب المتظاهرين سلميا. وتتحمس قائلة: "علي عبد الله صالح لن يعود الى السلطة مرة أخرى".

وتقف في الشارع امرأة يمنية شابة أخرى وفي يدها صورة لأخيها الذي كان يعتصم سلمياً في العاصمة صنعاء، وتقول:"هذه صورة أخي. أنا أخت الشهيد صالح الحقادمي، كان أخي معتصماً هنا في ساحة الجامعة وكان يعمل لصالح اللجنة الأمنية التي شكـّلها المتظاهرون السلميون لحفظ الأمن في ساحة الاعتصام. وحينما انتقل هو وزملاؤه إلى حي النهضة تم قصفهم بصاروخ، وفقد حياته وكل مَن كانوا معه، ولم يتبقَّ منهم إلا الأشلاء. لقد بدأنا الثورة سلميا وسنكملها بشكل سلمي. لكن حقنا في الدفاع عن النفس موجود. لقد قصفونا بالصواريخ والقنابل والمدفعيات". وتتابع: "حتى الحيوانات لا يمكن التعامل معها بهذه الطريقة".


صوت اليمنيات يعلو في سماء الثورة

الصورة دويتشه فيله
توكل كرمان في مقدمة شباب الثورة اليمنية

​​وتقول توكل كرمان إن الثورة يجب أن تبقى سلمية. وهي تعتبر الصراع على السلطة والعنف الذي حدث من حين إلى آخر بين القوات الحكومية والقبائل المناصرة الثورة، التي لم تجد أي خيار إلا الدفاع عن نفسها في مواجهة قصف القوات الحكومية، هو أكبر تهديد للانتقال الديمقراطي الحقيقي في البلاد. وتؤكد ذلك قائلة: "كل البنادق في بيوتنا وكل الأسلحة التي يمتلكها رجالنا لن تقودنا إلى تحقيق هدفنا. نحن نعتقد اعتقادا راسخا أن الفوز في هذه المعركة لن يتحقق إلا بالطرق السلمية".
ويجلس إلى جانب توكل كرمان والدها الكبير في السن صامتاً وتاركاً ابنته تتحدث في السياسة، بل وتقود جموع الشباب الثــّوار. إنه أمر لم يكن معهوداً في المجتمع اليمني المعاصر: أن يصمت الرجال وأن يتركوا الكلمة للنساء في الأماكن العامة. لكن والدها يبتسم ويقول: "يكفي أن تتكلم ابنتي. ولها الحق في القيام بذلك. إنها تتحدث عن مستقبلها وعن مسقبل بلدها. أما نحن الرجال الكبار في السن فقد أصبحنا من الماضي".


مارتين دورم
ترجمة: علي المخلافي
مراجعة:هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011