ما سر دعم المالكي للنظام السوري؟

 يستعرض الكاتب الكردي السوري هوشنك أوسي في هذه المقالة أسباب دعم الحكومة العراقية للنظام السوري على الرغم من قمع المتظاهرين والخلافات والاختلافات الجوهرية بين دمشق وبغداد حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية.



ظلت العلاقات السوريّة-العراقيّة مشوبة بالقلق والاضطراب والخصومة، وحتى العداوة، منذ منتصف الخمسينات، إبان دخول بغداد حلف السنتو، مروراً بحقبة الجمهوريّة وحكم عبد الكريم قاسم، صولاً لحقبة استلام البعث السلطة في العراق قبل سورية في 8/2/1963، ثم ما تلا ذلك من انشقاق جناحي البعث في دمشق وبغداد في 1966. وقد وصلت هذه العلاقات الى اعلى درجات التوتّر والعداوة في فترة حكم صدام حسين وحافظ الأسد، حيث دعم كل واحد معارضي الآخر، فدعم الاسد الأب الأحزابَ الشيعية والكردية، ودعم صدّام حسين جماعة ا"لإخوان المسلمين" وبعضَ البعثيين السنّة المنشقّين (أمين الحافظ، أحمد أبو صالح...). وفي مطلع التسعينات، دخل الأسد في حرب تحرير الكويت الى جانب أميركا والتحالف الدولي ضدّ صدّام حسين.


وبوفاة حافظ الأسد، واستلام نجله بشار الأسد الحكم بالتوريث (الديموقراطي)، بدأت العلاقات العراقيّة-السوريّة تدخل رويداً طور الفتور الإيجابي، إن جاز التعبير، ومن ثمّ بدأت تتشكل بعض قنوات الارتباط بين الطرفين، في مسعى طيّ صفحة الماضي، مع محاولة رموز النظام السوري الاستفادة، إلى الحدود القصوى، من تهريب البترول العراقي بأثمان بخسة لسورية ثم تصديره بأسعار مرتفعة للأسواق العالمية. وما إن بدأت نُذُر قرب حرب الاطاحة بنظام صدّام حسين تلوح في الافق، حتى تحسنت العلاقات بين بغداد ودمشق، لكون نظام بشّار الأسد كان يستشعر بأنه ما أن يسقط النظام العراقي ويظهر نظام ديموقراطي بديل، حتى يُحكم على النظام السوري بالإعدام، مع وقف التنفيذ. وبدأت علاقات النظام السوري مع أصدقائه السابقين (المعارضة العراقية) تسوء على حساب تحسّن علاقاته مع أعدائه السابقين (نظام بعث العراق).

علاقات دمشق وبغداد بعد سقوط صدام

المالكي
هل ستبقي الحكومة العراقية على موقفها مما يجري في سوريا؟

​​وبسقوط نظام صدّام حسين في 9/4/2003، دخلت العلاقة بين سورية والعراق منعرجاً دمويّاً غاية في القسوة والحدّة، ذلك أن دمشق صارت تدعم فلول النظام العراقي البائد، وتأوي رموزه، وتدعم حركات التمرّد المسلحة في العراق، وغدت سورية موئل ومصنع المفخخات والانتحاريين، الذين قتلوا من العراقيين ما قتله الاحتلال الاميركي، وربما اكثر. وكثيراً ما كانت تتهم الحكومات العراقية المتعاقبة (علاوي، الجعفري، المالكي) دمشق بدعم وتمويل العنف والإرهاب الذي كان يعصف بالعراق، وكانت تلك الاتهامات مقرونة بالأدلّة والبراهين الدامغة.


وحتى قبل اندلاع الانتفاضة السورية في منتصف آذار الماضي، كانت العلاقات السورية-العراقيّة، متوترة، وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كثيراً ما يتهم نظام الاسد بالوقوف وراء العنف والارهاب في العراق، وكانت الجماعات السنيّة (جبهة التوافق، والقائمة العراقية) مع النظام السوري ضدّ مواقف المالكي وتصريحاته! ذلك ان المكوّن السنّي في العراق كان مدعوماً من دمشق ضدّ المالكي، في حين أن الأحزاب الشيعيّة (حزب الدعوى، التيّار الصدري، المجلس الاسلامي الأعلى، حزب الفضيلة...)، تتبنّى الآن وجهة النظر الرسميّة من الانتفاضة السورية، وتعتبرها "مؤامرة"، على نظام الأسد.


ويؤيّد ذلك تصريح القــيادي فــي الائتلاف الوطني محمد البياتي، لإذاعة "العراق الحرّ"، حيث أشار إلى "ازدواجية في الموقف الأميركي والأوروبي إزاء الثورات العربية، خاصة في البحرين"، مشيراً إلى أن صمت العراق ينبع من إيمان الشعب العراقي ومجلس النــواب الــعراقي، بأن ســورية تتـــعرض إلـــى ما وصفه بـ "مؤامرة" من دول غربية وأوروبية وحتــى من إسرائيل. هذا الموقف ينسجم تماماً مع الموقف الايراني وموقف "حزب الله" اللبناني، لجهة الدفاع عن التظاهرات الاحتجاجية في دولة البحرين، لكونها شيعية الصبغة والطباع والميل، مع انتقاد التظاهرات التي تشهدها سورية، واعتبارها فعلاً "مدسوسا" من أميركا واسرائيل.

مساندة بغداد للنظام السوري

الصورة د ب ا
"موقف الحكومة العراقية المساند للنظام السوري، عززته تقارير إعلامية تفيد بتورّط حكومة المالكي في تزويد نظام الأسد بالنفط، رضوخاً لضغوط ايرانية مباشرة"

​​موقف الحكومة العراقية المساند للنظام السوري، عززته تقارير إعلامية تفيد بتورّط حكومة المالكي في تزويد نظام الأسد بالنفط، رضوخاً لضغوط ايرانية مباشرة، من دون أن ننسى أن الجانب الكردي العراقي أبدى أيضاً، بشكل أو بآخر، تضامنه مع النظام السوري، وأن النظام "سيجتاز المؤامرة التي تستهدفه". وهذا في حين كان النظام السوري، ولا يزال، من أشدّ المعارضين والمعرقلين للفيدرالية العراقية، وللدور الكردي الوازن في المعادلة السياسية العراقية. في الطرف الآخر، تحولت الجماعات والاحزاب السنّية من صديقة للنظام السوري الى منتقدة له، تحت تأثير عاملين: الأول، استهداف المناطق السنية السورية من قوّات الأمن والشبّيحة والجيش السوري. والثاني، تماشياً مع الموقف التركي والأميركي والأوروبي، الهادف إلى خلع نظام بشار الأسد، الذي يُعتبر الخندق الإيراني المتقدّم في الشرق الاوسط.


على ضوء ما سلف، لن تستمر طويلاً تقلّبات المواقف العراقية مما يجري في سوريا، خاصة مع اشتداد الضغوط الداخلية والإقليمية والعربية والدولية على دمشق، واستمرار الانتفاضة السورية، رغم كل هذا الكمّ من الغدر والوحشية التي يمارسها النظام السوري بحقّ المتظاهرين. لكن، لا يزال باكراً الجزم بأن كل أوراق النظام السوري في العراق قد احترقت، وأن نيران الاحتراب الطائفي التي ينفخ النظام السوري في كيرها لن تطال العراق أو تركيا، نتيجة التشابه الكبير والعميق للنسيج الاجتماعي والقومي والديني والعرقي في هذه البلدان الثلاثة.

 

هوشنك أوسي

حقوق النشر: صحيفة الحياة اللندنية 2011