الانتخابات النيابية اللبنانية 2018
نسمع جعجعةً ولا نرى طحيناً...لبنان قبل الانتخابات النيابية

الباحث والمحلل السياسي جوزيف باحوط : يُرجَّح أن تكون الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان والمقرّر إجراؤها في السادس من أيار/مايو المقبل الأكثر بهتاناً ورتابة منذ نهاية الحرب اللبنانية في العام 1990.

يستعدّ لبنان للانتخابات النيابية المقرّر إجراؤها في السادس من أيار/مايو المقبل، وهكذا يكون قد انقضى نحو عقد من الزمن على آخر انتخابات أُجريَت في العام 2009، وهي مرحلةٌ تخلّلتها تحوّلات كبرى في البلاد.

خلال العقد المنصرم، انحسر الانقسام الذي كان سائداً بين الفريقَين السياسيين المتخاصمين في لبنان – 8 آذار و14 آذار، بيد أن الوعود بإرساء حوكمة أكثر فاعلية لم تتحقق أبداً، فيما راح اللبنانيون يتخبّطون في مستنقع مشاكل داخلية أساسية، مثل الانقطاع المتواصل في التيار الكهربائي، وأزمة نفايات كبرى، وأوضاع اقتصادية تزداد تردّياً على نحو مُقلق.

سوف تستند الانتخابات في حد ذاتها إلى شكل غريب من أشكال التمثيل النسبي، من شأنه أن يُحدث تغييراً في النمط التاريخي للسلوك الانتخابي. لهذا السبب، كان يجب أن تشكّل الانتخابات، أقلّه نظرياً، محطّة لافتة لتجديد الحياة السياسية والنخب، مع خلق فرصة في الوقت نفسه لمعالجة التحديات التي تواجهها البلاد. وكان يمكن استخدام الانتخابات أيضاً للنظر في تأثير القانون الجديد على آفاق الاستمرارية والتغيير في المشهد السياسي اللبناني.

لا مفاجآت في الأفق

بدلاً من ذلك، تُظهر المؤشرات كافة أن لبنان يتّجه نحو واحدة من الجولات الانتخابية الأكثر بهتاناً ورتابة منذ نهاية الحرب في العام 1990، إذ لا تلوح، على ما يبدو، أي مفاجآت مهمة في الأفق، وما من رهانات سياسية كبرى، أو برامج، تثير اهتمام الناخبين. وقد تراجعت الانقسامات السياسية التي كانت سائدة في الماضي، لتحلّ مكانها شبكة، سريالية أحياناً، من التحالفات الانتهازية، في حين يبدو، في مرحلة ما قبل الانتخابات، أن القوى السياسية البديلة الأحدث عهداً المنتمية إلى المجتمع المدني في لبنان، فشلت في أن تكون على قدر التوقعات التي بُنيت استناداً إلى أدائها السابق.

يقسم القانون الانتخابي لبنان إلى 15 دائرة غير متساوية لا في الحجم، ولا في عدد المقاعد، ولا في أعداد الناخبين. يضم بعض هذه الدوائر الانتخابية العديد من الأقضية، في حين يـتألف بعضها من قضاء واحد، وهناك بعض الدوائر المؤلّفة من محافظة واحدة. هذا التلاعب بالدوائر الانتخابية هو من تداعيات المصالح الانتخابية الضيّقة لأولئك الذين وضعوا هذا القانون.

الرئيس اللبناني المنتخب ميشال عون خلال زيارة إلى السعودية. في الصورة مع العاخل السعودي سلمان
أثبت فريق 8 آذار أنه أكثر مهارة بأشواط من فريق 14 آذار في تجنّب الانقسامات في صفوفه، غير أن ذلك لا ينفي وجود مشاكل محتملة. وفي هذا الإطار، يجب إيلاء أهمية خاصة لما سيحلّ بالحزبَين الشيعيين الأساسيين، حزب الله وحركة أمل، إذ توحي مؤشرات كثيرة بأنهما خسرا جاذبيتهما لدى قواعدهما الناخبة

بعيداً من تفاصيل القانون وتعقيداته، يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات العامة. ما عدا التحالف الشيعي بين حزب الله وحركة أمل، فشلت القوى السياسية الكبرى الأخرى في لبنان في تشكيل لوائح انتخابية مشتركة على المستوى الوطني. فبعضها متحالفٌ في عدد من الدوائر، ومتنافس في دوائر أخرى. وفي العديد من الدوائر الانتخابية، ستتنافس قوى سياسية متطابقة تقريباً في طبيعتها واصطفافاتها، وذلك فقط بسبب خصومات شخصية. ونتيجةً لذلك، لم تَظهر أي برامج سياسية متماسكة، ما يشوّش الناخبين.

ما هي بعض الأمور التي يجب رصدها في يوم الانتخابات، والتي يمكن أن تكشف لنا شيئاً ما عن الوضع السياسي اللبناني في شكل عام؟ أحد هذه الأمور مرتبطٌ من دون شك برئيس الوزراء سعد الحريري، ويرتدي أهمية خاصة بعد ما جرى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما أُرغِم هذا الأخير على الاستقالة أثناء وجوده في السعودية، قبل أن يتراجع عن استقالته.

لاحقاً، احتضنه السعوديون مجدّداً، وإن لم يدفعه ذلك إلى إعطاء الأولوية للتحالفات السياسية مع الأطراف التي كانت جزءاً من فريق 14 آذار، وهو ما كان يفضّله السعوديون. بل إن قرار الحريري التحالف في الانتخابات مع التيار الوطني الحر التابع للرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، أثبت أنه قرار قادر على الصمود، وأضفى الحريري شرعية عليه من خلال اعتباره وسيلة لإبعاد عون وباسيل عن تحالفهما مع حزب الله.

في ناحية من النواحي، يرى الحريري في علاقته مع عون وسيلة لضمان عودته إلى رئاسة الوزراء بعد الانتخابات. لقد سطّرت استقالة الحريري من الرياض، وما أعقبها من تطورات، نهاية التقارب المسيحي-المسيحي بين عون والقوات اللبنانية، وهي الحزب السياسي المسيحي الأساسي الثاني في البلاد.

والسبب هو أن القوات اللبنانية ظهرت، في معرض هذه القضية، كمُعارِض للتقارب السياسي بين الحريري وعون، الأمر الذي ساهم في وصولهما إلى السلطة. من هنا، ستفرز العلاقة بين الحزبَين المسيحيين تداعيات طويلة الأمد خلال المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد خمس سنوات، ذلك أن كلَيهما يتنافسان على الاضطلاع بدور الممثِّل الأساسي للمسيحيين في لبنان.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة