سباق الرئاسة المصرية- استبعاد الكبار ولعبة خلط الأوراق

تستمر في مصر لعبة شدّ الحبل السياسية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية وذلك بعد أن تم استبعاد المرشَّحين الأكثر حظًا المحسوبين على الإسلاميين وعلى النظام السابق . كريم الجوهري ومزيد من التفاصيل في تقريره التالي من القاهرة.



يختلط حاليًا الحابل بالنابل في حملة الانتخابات الرئاسية المصرية. وحتى الآن كان يعتقد الناس أنَّ المرشَّحين الأوفر حظًا هم خيرت الشاطر مرشَّح جماعة الإخوان المسلمين والسلفي حازم أبو إسماعيل بالإضافة إلى عمر سليمان رئيس المخابرات السابق في عهد حسني مبارك. أجل لقد كان يعتقد حتى الآن أنَّ هؤلاء المرشَّحين الثلاثة الذين يعتبرون من كبار السياسيين هم المرشَّحون الأوفر حظًا وذلك بعد أن استبعدتهم الآن وبجرة قلم اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المصرية؛ إذ إنَّهم لم يستوفوا شروط الترشّح مثلما تقول اللجنة العليا للانتخابات المصرية. فقد تم استبعاد مرشَّح الإخوان المسلمين المليونير ورجل الأعمال خيرت الشاطر بسبب الحكم عليه بالسجن سبعة أعوام في عهد مبارك بتهمة غسل أموال. غير أنَّ خيرت الشاطر حصل مباشرة بعد إسقاط نظام حسني مبارك على عفو من المجلس العسكري بعد أن قضى أربعة أعوام في السجن.

وكذلك تم استبعاد المرشَّح السلفي المحافظ المتشدِّد والملتحي حازم أبو إسماعيل الذي يحظى بتأييد واسع خاصة في الأحياء الفقيرة والأرياف، وذلك لأنَّ والدته المتوفاة كانت تحمل الجنسية الأمريكية على حدّ قول لجنة الانتخابات.

ومن جانبه نفى أبو إسماعيل ذلك بشدة، ولكن لقد ذكرت وزارة الداخلية المصرية أنَّ والدته دخلت مصر بجواز سفر أميركي، وكذلك أكَّدت اللجنة الانتخابية أنَّ السالطات في المملكة العربية السعودية أعلنت أنَّها قد دخلت المملكة في موسم الحج بجواز سفر أمريكي، وعلاوة على ذلك ذكرت دوائر أمريكية أنَّ والدته تملك جواز سفر أمريكي. وفي الأسبوع الماضي طلبت المحكمة الإدارية العليا في القاهرة من وزارة الداخلية حلّ هذه القضية وألزمتها بإصدار وثيقة تفيد بعدم ازدواجية جنسية والدة أبو إسماعيل.

استبعاد ثلاثة من كبار السياسيين

د ب ا
مؤامرة من المجلس العسكري الحاكم؟ عللت لجنة الانتخابات رفض ترشيح عمر سليمان الذي كان من المقرَّبين لحسني مبارك بعدم حصوله على توقيعات كافية في بمحافظات مصر السبع وعشرين

​​تتمتَّع اللجنة العليا للانتخابات التي أسَّسها المجلس العسكري والتي تتألف من كثير من القضاة المعروفين بحصانة من الناحية القانونية ضدّ تأثير المحاكم أو السلطة التنفيذية. وهي تعتمد على قانون الانتخابات المصري الذي يستبعد من الترشيح للانتخابات المجرمين المدانين وكذلك من يحملون الجنسية المزدوجة وحتى من يحمل آباؤهم أو أمهاتهم جنسية أخرى. وكذلك استبعدت اللجنة من سباق الرئاسة عمر سليمان المقرَّب من مبارك ورئيس المخابرات السابق الذي قدَّم طلب ترشيحه في اللحظة الأخيرة قبل إغلاق باب الترشيح الأسبوع الماضي.

وطبقًا لقانون الانتخابات المصري يجب على كلِّ مرشَّح إحضار ما لا يقلّ عن ثلاثين ألف توقيع معتمدة تؤيِّد ترشيحه. وكذلك يجب أن يكون من بين هذة التوقيعات ما لا يقل عن ألف توقيع من كلِّ محافظة من المحافظات المصرية البالغ عددها سبع وعشرين محافظة.

وجاء في استبعاد ترشيح سليمان أنَّه قدَّم عن محافظة أسيوط أقل من ألف توقيع. زد على ذلك أنَّ ترشيحه ألغي بفعل قانون أصدره مؤخرًا مجلس الشعب المصري ويمنع ترشيح كبار المسؤولين الذين عملوا في الأعوام العشرة الماضية في نظام مبارك. ولكن ما يزال يجب التصديق على هذا القانون من قبل المجلس العسكري ليصبح نافذ المفعول. وكذلك تم تعيين عمر سليمان قبل فترة قصيرة من إسقاط الرئيس حسني مبارك نائبًا له. وبالإضافة إلى استبعاد هؤلاء الثلاثة المعروفين والذين يعدّون من كبار السياسيين، تم أيضًا استبعاد سبعة مرشَّحين آخرين يملكون حظوظا أقل في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

"عربدة واختراق وإهدار للمنظومة الدستورية"

ما يزال لدى المرشَّحين المستبعدين الوقت حتى الثلاثاء السابع عشر من شهر نيسان/أبريل للطعن في قرار لجنة الانتخابات. فقد أعلن كلّ من خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل بالإضافة إلى عمر سليمان عن اعتراضهم على قرار الاستبعاد. كما أنَّ المرشَّحين المستبعدين وعلى رأسهم أبو إسماعيل يهدِّدون بحشد أنصارهم وإخراجهم إلى الميادين. وحتى الآن قام في يوم الجمعة الماضية أنصار أبو إسماعيل بمحاصرة مقر لجنة الانتخابات في القاهرة وكان لا بدّ من إجلاء العاملين فيها. وقال المحامي نزار غراب محامي أبو إسماعيل بعد صدور قرار اللجنة مهدِّدًا: "أتوقَّع أزمة كبرى قد تحدث في الساعات القليلة المقبلة".

وأوضح أبو إسماعيل على قناة الحكمة التلفزيونية: "القرار الرسمي إذا كان فيه هذه العربدة والاختراق والإهدار للمنظومة الدستورية والقانونية فعليه هو شخصيًا (المستشار حاتم بجاتو، أمين عام لجنة الانتخابات الرئاسية) أن يتحمّل النتيجة هو ومن معه... ولن أدع ذلك يمر". وفي المقابل أوقف عمر سليمان في هذه الأثناء حملته الانتخابية حتى الإعلان عن القرار النهائي كما أنَّه يبدو واثقًا من قبول اعتراضه. بينما ما يزال مرشَّح جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر يواصل حملته الانتخابية بحزم وإصرار.

ثلاثة مرشَّحين محتملين في سباق الرئاسة

د ب ا
يحاول الإخوان المسلمون حشد تأييد أعضائهم لمرشَّحهم البديل محمد مرسي الذي يمتلك جاذبية أقل بكثير من جاذبية المرشَّح المستبعد خيرت الشاطر والذي لا يتمتَّع بشعبية واسعة خاصة في بين شباب الإخوان

​​وإذا بقي قرار اللجنة على ما هو عليه فسيتم خلط الأوراق من جديد في معركة الانتخابات الرئاسية. وبينما كان يبدو حتى الآن أنَّ من سيخوض سباق الرئاسة إمَّا من الإسلاميون أو ممثِّل عن النظام السابق، لم يعد يوجد الآن سوى ثلاثة مرشَّحين محتملين للفوز بمنصب الرئاسة، هم عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وكذلك مرسي محمد - وهو مرشَّح آخر اختارته جماعة الإخوان المسلمين من باب الحيطة نظرًا إلى خطر ترشيح خيرت الشاطر، بالإضافة إلى عبد المنعم أبو الفتوح الذي ترك جماعة الإخوان المسلمين ولكنه يجد الدعم أيضًا في الأوساط الليبرالية ولدى "شباب التحرير".

من الجدير بالاهتمام أنَّ السلفيين وكذلك أيضًا الإخوان المسلمين قد جهَّزوا أنفسهم لفشل ترشيح حازم أبو إسماعيل وبهجت الشاطر. والآن يحاول الإخوان المسلمون حشد تأييد أعضائهم لمرشَّحهم البديل محمد مرسي الذي يمتلك جاذبية أقل بكثير من جاذبية المرشَّح المستبعد خيرت الشاطر والذي لا يتمتَّع بشعبية واسعة خاصة في بين شباب الإخوان المسلمين. وحتى أنَّ هيثم أبو خليل العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين دعا إلى سحب ترشيح مرسي، وذلك لأنَّه على حدّ قول أبو خليل لا يتمتَّع بفرصة للفوز في الانتخابات.

وفي هذه الأثناء صار يتم تقسيم كعكة المرشَّح المستبعد السلفي المحافظ المتشدِّد حازم أبو إسماعيل "الذي ستذهب أصواته إلى مرشَّح الإخوان المسلمين الباقي محمد مرسي"، مثلما يأمل أحمد عبد الرحمن عضو مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين. وحتى الآن لم يقدِّم حزب النور السلفي أي مرشَّح جديد بعد استبعاد مرشَّحه.

وضمن هذا السياق قال طلعت مرزوق، النائب عن حزب النور إنَّ حزبه على اتِّصال بكلِّ القوى الإسلامية. وأوضح أحمد خليل المتحدِّث باسم الكتلة البرلمانية لحزب النور أنَّ "السلفيين يمتلكون شعبية ضخمة في الشارع وقادرون على ترجيح كفة أي مرشَّح في السباق". وأكَّد أنَّ "المرشَّحين يسعون لكسب أصواتنا وفي النهاية لن ندعم إلاَّ من يؤمن بمشروعنا الإسلامي". والغريب أنَّ أوساط حزب النور تقول إنَّهم يميلون إلى دعم المرشَّح الليبرالي الذي ترك جماعة الإخوان المسلمين عبد المنعم أبو الفتوح.

اختلافات في الرأي

د ب ا
المرشَّح السلفي المحافظ المتشدِّد حازم أبو إسماعيل الذي تم استبعاده من المعركة الانتخابية بدعوى أنَّ والدته تحمل الجنسية الأمريكية

​​تختلف بطبيعة الحال الآراء فيما يتعلَّق بتقييم كبار المرشَّحين المستبعدين؛ إذ يشعر الليبراليون ولكن أيضًا الكثير من الأقباط المسيحيين بالراحة إزاء إيقاف ترشيح المرشَّح المحافظ المتشدِّد أبو إسماعيل وإضعاف الإخوان المسلمين.

كما أنَّ "شباب التحرير" سعداء بسبب إقصاء عمر سليمان رجل النظام السابق عن الحكم. ولكن في المقابل يرى آخرون في ذلك مؤامرة يقودها المجلس العسكري الحاكم من أجل استعادة السيطرة على العملية الانتخابية. وكذلك تنتشر على نطاق واسع نظرية تفيد بأنَّ ترشيح عمر سليمان في اللحظة الأخيرة واستبعاده في وقت لاحق كان مجرَّد لعبة مدبَّرة في الخفاء من قبل المجلس العسكري. ويقال إنَّ المجلس العسكري قد نجح في إبعاد الإسلاميين بطريقة هادئة. ومع استبعاد رجل النظام السابق تم أيضًا وفي الوقت نفسه كبح جماح الغضب السياسي.

وفي هذه الأثناء يطرح سؤالان مختلفان للغالية حول استبعاد المرشَّحين الذين يتمتَّعون بثقل سياسي، والسؤال: إذا كانت توجد معايير وشروط واضحة للترشّح لأعلى منصب سياسي في مصر فأي شرعية ستكون للرئيس فيما بعد عندما يُقال عنه في الأوساط السياسية بعد الانتخابات إنَّه لم يحقِّق المعايير المطلوبة؟ وكيف سيردّ الشارع عندما يُستبعد من هذه الانتخابات الرئاسية جزء كبير من الطيف السياسي؟ وهنا تكمن التناقضات في تحويل مصر من دولة دكتاتورية إلى دولة ديمقراطية.


كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012