القمع الصيني لأقلية الويغور

أثار تعامل الصين مع سكان إقليم التيبت غضب الغرب، بيد أن معاناة الويغور تكاد لا تذكر سواء على المستوى الإعلامي أم السياسي. بكين تسوغ اضطهادها لهذه الأقلية المسلمة على أنه من قبيل مكافحة الإرهاب. أندرياس لايكسنرنغ يلقي الضوء على هذه الأقلية ومعاناتها.

مسلمون ويغوريون أثناء توجههم للًصلاة في أحد المساجد في بكين، الصورة: أ.ب
المسلمون الويغوريون ضحايا الحرب على الإرهاب والقمع الديني

​​تعتبر الأوضاع محتقنة في مملكة الوسط. وقبيل الألعاب الأولمبية يسعى الويغور - إلى جانب التيبت – للقيام بثورة في إقليم سينكيانج الواقع في شمال غرب الصين. ففي الثالث والعشرين من مارس / آذار تظاهر مئات الناس في شوارع مدينة هيتان، حسب تقارير محطة الإذاعة الأمريكية "راديو آسيا الحرة"، التي لم تذع الخبر إلا في الوقت الحالي. وكان الباعث وراء هذه المظاهرات هو موت أحد تجار الويغور، الذي توفي في سجن صيني إثر نوبة قلبية، على حد قول المصادر الرسمية.

ويقول شهود العيان إنه أُلقي القبض على مئات المتظاهرين، إلا أن إدارة المدينة صرحت بأنه تم التغلب بسرعة على "المتآمرين"، الذين وصفتهم بـ"مجموعة صغيرة من مثيري الشغب". وفي بداية مارس / آذار اعتقل البوليس الصيني سبعين شخصا، بحسب تقارير الويغور في المنفى. كما تظاهرت مجموعة من مسلمي الويغور في الرابع من أبريل / نيسان 2008 أثناء مرور شعلة الأولمبياد في اسطنبول ضد القمع الديني والسياسي الذي تمارسه بكين ضدهم.

تركستان الشرقية أصبحت تُسمى سينكيانج

من خلال مثل هذه العمليات أصبح كثير من الأوروبيين يسمعون لأول مرة عن الصراع الصيني الداخلي. إلا أن مسلمي الويغور من الشعوب التركية يعانون منذ تسعينيات القرن العشرين من اضطهاد منظم ضدهم. ففي عام 1949 ضمّ ماو تركستان الشرقية – التي كانت مستقلة فيما قبل- إلى حكمه، مثلما فعل مع إقليم التيبت. ومنذ 1955 أصبح الإقليم – الذي يعادل أوروبا الغربية في مساحته – يعرف باسم سينكيانج. هذا الإقليم يتمتع – مثله مثل التيبت – بالاستقلالية، إلا أن ذلك ليس إلا حبرا على ورق، وواقع الويغور المقيمين هناك والبالغ عددهم ثمانية ملايين يختلف عن ذلك.

قمع سياسي واقتصادي وديني

أحد أفراد الأقلية الويغورية في مدينة كورلا، الصورة: د.ب.ا
الويغوريون بين تهمة الإرهاب والرغبة في الاستقلال

​​ يقول السيد/ أولرش دليوس، أحد أعضاء "الجمعية العالمية للدفاع عن الشعوب المهددة" بمدينة جوتنجن: "لا توجد في جمهورية الصين الشعبية مجموعة عرقية مضطهدة ومحرومة لهذا الحد مثل الويغور". فحسب الأعداد التي ذكرها المتحدث باسم الجمعية المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان عن قارة آسيا نفذّت الحكومة فقط في عام 1997 ما يزيد على 500 حكم إعدام في المنطقة. ومن دون الحاجة إلى تلطيف الموقف فقد أُعدم في منطقة التيبت شخصان في نفس الفترة.
يتم توطين الصينيون من قومية الهان في منطقة سينكيانج بطريقة منظمة، حيث يُقال إن ألفا منهم يصلون يوميا إلى هناك. وبينما كان الويغور يمثلون في السابق 93 في المائة من تعداد السكان أصبحوا اليوم 47 في المائة فقط. وبحسب جمعية "اتحاد تركستان الشرقية في أوروبا" تجرى عمليات قسرية لمنع النساء الويغوريات من الحمل. ومنظمة العفو الدولية تقول إن المساجد تُغلق بطريقة تعسفية ويُمنع الاحتفال بالأعياد الدينية وممارسة اللغة المحلية في المدارس.

الخوف من الانفصال

الويغوريون يطالبون من اسطنبول بمقاطعة الألعاب الأولمبية، الصورة: د.ب.ا
أسباب اقتصادية أيضا تقف وراء اضطهاد بكين لأقلية الويغور

​​ يرى أولرش دليوس، الخبير في الشئون الآسيوية أن استعباد الويغور لهذا الحد يرجع لأسباب اقتصادية في المقام الأول، حيث أن "إقليم سينكيانج أصبح في السنوات الأخيرة من أهم مصادر البترول والغاز الطبيعي في جمهورية الصين الشعبية". علاوة على ذلك فإن المنطقة تعتبر ذات أهمية استراتيجية، حيث يجاور إقليم سينكيانج الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي ونالت استقلالها الآن، مثل قيرغيزستان وتركمانستان أو كازاخستان، التي يعيش فيها أيضا شعوب تركية مثل الويغور. كما "تخشى الصين جدا أن تتعرض المنطقة للانقسام ويطالب الويغور بالاستقلال أيضا".

بين تهمة الإرهاب والرغبة في الاستقلال

ولكون الويغور مسلمين فإن الصين تسوغ سياستها العنيفة ضد هذه الأقلية – على أبعد حد منذ الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 - بمكافحة الإرهاب. ولهذا الخصوص تحصل البلد على مساعدات دفاعية من الخارج. ففي نفس العام الذي حدثت فيه هجمات نيويورك وضعت الأمم المتحدة "حركة تركستان الشرقية" على قائمة المنظمات الإرهابية. هذا على الرغم من أن أعضاء المجموعة لا يزيد عددهم على خمسمائة عضو، علاوة على أن وجودها ليس مؤكدا. في تسعينيات القرن العشرين زار بعض الويغور معسكرات الإرهاب الأفغانية، وانتهى المطاف باثنين وعشرين منهم إلى معتقل غوانتاناموا الأمريكي، إلا أن بعضهم تم الإفراج عليه مع الوقت، لأنهم على ما يبدو كانوا في المكان الخطأ في الوقت غير المناسب.

يرد السيد/ اركان ذو النون، أحد أعضاء جمعية "إتحاد تركستان الشرقية في أوروبا" تهمة الإرهاب الموجهة إليهم. ويرى أن إحباط محاولة تفجير إحدى الطائرات التي كانت في طريقها من أرومكي إلى بكين ليست إلا حيلة صينية. ويؤكد ذو النون، الذي يشغل منصب السكرتير العام للجمعية القائمة بمدينة ميونخ، "أننا لسنا مسلمين راديكاليين"، ويستطرد ضاحكا "يجب الانتباه إلى أن ثمانين بالمائة من رجال الويغور يشربون الكحوليات". ويقول أولرش دليوس، المهتم بحقوق الإنسان، أن غالبية الويغور يقاومون بطريقة سلمية.

هل ستكون شعلة الأولمبياد فألاً حسنا للويغور؟

بعد أحداث الشغب في التيبت زادت بكين ضغطها مرة أخرى قبل الألعاب الأولمبية بشهور قليلة. يقول اركان ذو النون: "حكى لي أصدقائي أن البوليس يُفرّق الناس إذا تجمع أكثر من ثلاثة أشخاص". ويسود حاليا حظر التجول بعد العاشرة مساء. كما يرى أن الويغور في إقليمهم عليهم أن يؤجلوا احتجاجاتهم مرة أخرى حتى تنتهي الألعاب الأولمبية، لأن ذلك يعتبر من المستحيل في الوقت الحالي.

أندرياس لايكسنرنغ
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
قنطرة 2008

قنطرة

النزاع في إقليم التبت:
المسلمون طرف ثالث في الصراع
تمنع الصين حاليًا الصحفيين الأجانب من دخول المنطقة المضطربة في إقليم التبت والمناطق المتاخمة له. لكن على الرغم من ذلك تمكَّنت صحفية أجنبية مستقلة من السفر كسائحة إلى منطقة النزاع هذه. وبحسب مشاهداتها فإنَّ الاحتجاجات الدائرة هناك لا تعتبر نتيجة لتراكم الكثير من أعمال العنف التي يقترفها التبتيون بحق صينيي الـ"هان" وحدهم، بل كذلك بحق المسلمين. تعليق من نينا ريتر.

المسلمون في الصين:
برميل بارود مهدد بالانفجار
يعيش أقلية ال"الهوي" المسلمة وصينيو الـ"هان" منذ القرن السابع الميلادي سوية، أي عندما دخل الإسلام إلى الصين أول مرة. سبب حوادث الشغب الأخيرة بين المجموعتين غير واضح. لكن النزاع يغلي منذ زمن طويل. تقرير كرستين فينتَر

آسيا الوسطى
زعماء آخرون لكل التركمان
إن الموت المفاجئ لأي دكتاتور يكاد يؤدي دوماً إلى إحداث حالة من عدم الاستقرار السياسي. إلا أن خطورة الموقف تتضاعف حين يفرض ذلك تهديداً بزعزعة الاستقرار في إقليم كامل وإحداث حالة من الصراع على النفوذ بين القوى العسكرية العالمية العظمى ـ الولايات المتحدة، وروسيا، والصين. تقرير ف. ستيفن لارابي