
''الربيع العربي'' للطاهر بن جلون:انتهازية أدبية على إيقاعات الثورة العربية
هناك تعبير بالفرنسية يقول les résistants de la dernière heure أي "المقاومون في الساعة الأخيرة"، والمقصود هم أولئك الذين ينضمون إلى شيء في آخر لحظة حتى يكونوا على الجانب الصحيح في الوقت المناسب. الطاهر بن جلون هو مثل هذا الناشط الذي يتحرك في الدقيقة الأخيرة. ولكن حتى هذا الدور لا يؤديه إلى نهايته، على الأقل فيما يتعلق ببلده الأصلي المغرب.
نشر بن جلون كتاباً عن أحداث الساعة بعنوان "الربيع العربي – عن استعادة الكرامة العربية". هذا الكتاب طُرح بالفعل في الأسواق الألمانية، أما في فرنسا فسيُنشر خلال شهر مايو / أيار. ويجمع الكتاب بين المقالات التأملية والمقالات الصحفية وبين التصوير الأدبي. في الجزء المخصص للمقالات يقدم بن جلون "محاولة تفسيرية للأحداث في المجتمعات العربية". أما قصة "الشرارة" فتحكي عن محمد البوعزيزي – ذلك الشاب التونسي بائع الخضروات الذي فجّر انتحارُه الثورات الشعبية – ويصور بن جلون كيف دُفع الشاب إلى حرق نفسه دفعاً. وفي نهاية الكتاب يطالع القارئ مقالتين صحافيتين نُشرتا عام 2003، تهدفان إلى البرهنة على أن الكاتب الملتزم مهتم بهذه القضايا منذ سنوات. غير أن النقد المُصاغ هناك لا يتسم بجرأة خاصة، بل يبقى – إذا استثنينا بعض الحالات الصارخة مثل حالة القذافي – مبهماً وضبابياً.
" على الغرب ألا يرى في الثورات العربية حركة إسلاموية"
المغرب...الفصل المفجع
أما الفصل المخصص للمغرب فهو فصل مُفجِع: في هذا الفصل يتلو بن جلون قصيدة في مديح الطريق المغربي الخاص وفي الاحتفاء بالعاهل المغربي محمد السادس. ربما تكون الأوضاع في المملكة المغربية مختلفة عن الدول المجاورة، وربما يكون محمد السادس ملكاً متنوراً. رغم ذلك فإن الوضع هناك متدهور على صعد كثيرة، كما أن بعض المغاربة حاول حرق نفسه أيضاً. والأهم من ذلك هو أن التقدم النسبي ليس سبباً للخنوع والمداهنة: "الملك يعمل ويبذل قصارى جهده. إنه محبوب، وعلى أحزاب سياسية كثيرة أن تأخذه نموذجاً ومثالاً."
بحماسة يبرهن بن جلون على تحليه بأخلاق الحاشية: "منذ توليه السلطة في يوليو / تموز عام 1999 أجرى الملك محمد السادس تغييرات كثيرة في المغرب. هذا ما يقوله ويعترف به الجميع. من ناحية أخرى فمن المفهوم أن يشعر بعض المغاربة بخيبة الأمل. ولكن الملك لا يملك عصا سحرية." إذاً، أيها الأطفال، أصبروا، بابا ليس ساحراً. ولا يتعجب القارئ عندما يصف الكاتب أحد خطابات الملك بـ"الثوري" – إذاً فالشعب ليس بحاجة إلى القيام بثورة تساهم في نشوء وعي المواطنة لدى الناس.
نظرة موضوعية
بالإضافة إلى ذلك فقد واجه بن جلون اتهامات بأنه استغل معاناة المساجين في كتابة روايته، وهو ما ينطبق أيضاً على قصة "الشرارة" في كتابه الأخير: الكاتب هنا يتقمص مرة أخرى شخصية إحدى الضحايا، ناسباً إلى نفسه ما ضحى من أجله الآخرون. وهذه وقاحة من الكاتب، بالنظر إلى الموقف الدبلوماسي الذي يتخذه تجاه ذوي السلطة، لا سيما وأن انتهازية المثقف بن جلون هي عكس ما يتبلور الآن في البلدان العربية، أي نشوء حركة ديمقراطية مدنية تتميز بالشجاعة الأدبية، حركة ترفض كل الحلول الوسط ومسكنات الفترة الانتقالية. الطاهر بن جلون يجسد على العكس من ذلك نظام الحماية القديم وفساد المثقفين. إننا نتمنى أن يركب العالم العربي "قطار الحداثة" – ويحسن بهذا العالم أن يستغني عن الركاب المتسلقين من أمثال الطاهر بن جلون.
نيكلاس بندر
ترجمة: سمير جريس
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: "فرانكفورتر ألغماينه" / قنطرة 2011
صدر كتاب الطاهر بن جلون "الربيع العربي" لدى "دار برلين" للنشر، برلين 2011، وترجمته عن الفرنسية كريستيانه كايزر.