من الحروب العثمانية إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول

"الإرشادات الروحية" هي التي دفعت بالإرهابيين لتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول، ورسمت لهم الطريق مفصلا. هذا ما يحلل له كتاب ظهر في الآونة الأخيرة بعنوان "الإرهاب في سبيل الله، الإرشادات الروحية لمنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول". رولاند دوكر يعرض لهذا الكتاب.

محمد عطا، واحد من منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول
محمد عطا، واحد من منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول

​​"الإرشادات الروحية" هي التي دفعت بالإرهابيين لتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر / ايلول، ورسمت لهم الطريق مفصلا. هذا ما يحلل له بإسهاب كتاب ظهر في الآونة الأخيرة بعنوان "الإرهاب في سبيل الله، الإرشادات الروحية لمنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول" تأليف هانز غ كيبنبرغ وتيلمان زايدن شتيكر. رولاند دوكر يعرض لهذا الكتاب.

قد يبدو الآن – وبعد ثلاث سنوات ونصف – أنه تم الإفصاح عن أهم شيئ يتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001. وقد ظلت البواعث للهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون حتى الآن دون تقصٍ لأسبابها ولم يتخذ فيها رأي نهائي، ومع ذلك كان هناك اتفاق بين الإعلام الغربي على صيغة تتناسب مع مجريات الأحداث. وكلما ظهرت آراء أو تفسيرات جديدة مخالفة، كلما لاحت نظريات المؤامرة في الأفق.

سيناريو الأحداث

ونحن اليوم بصدد شرح لتفاصيل الحادث بطريقة دقيقة، حيث تتم محاولة إعادة سيناريو أحداث العملية - التي يحكم فيها القضاء حاليا في هامبورغ– على متن الطائرة المختطفة، حيث ترغب المحكمة في إثبات صلة مباشرة بين الطيار وبين خلايا إرهابية أخرى. وما كانت مهمة التحريات الإجرامية إلا الاجتهاد للوصول لفهم أعمق للدوافع التي وراء هؤلاء الرجال. لقد تم إرشادهم وتلقينهم بانتظام كي يخلطوا بين الجهاد الاسلامي وبين عمليات القتل الجماعي المعد له مسبقا.

ثلاث نسخ للكتاب

من العجيب أن تظل الوثيقة التي تساعد على فهم تلك الخلفيات عديمة الأهمية، رغم أنها لم تعد بعد سرا من الأسرار، خاصة بعد أن وزع كل من وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي أي) روبرت مولر نسخة منها على الصحافيين في 28 سبتمبر / أيلول 2001، وبعد ذلك بيومين نشرت صحيفة "ابزرفر" البريطانية ترجمة للنص باللغة الإنجليزية.

وأما ما يسمى بـ"الإرشادات الروحية", فما هي إلا وثيقة من أربع صفحات مكتوبة بخط اليد باللغة العربية، وقد وجدت مع وصية باللغة الإنجليزية في حقيبة محمد عطا، التي لم تشحن من مطار بوسطن، الذي كان محطة ترانزيت في رحلة الموت. كما وجدت إحدى صور من هذه "الإرشادات" في سيارة المشتبه فيه نواف الحازمي، وصورة أخرى بين أنقاض الطائرة المختطفة التي وقعت في نفس اليوم في بنسلفانيا.

آلة توجيه لمرتكبي الجريمة

وعلى الرغم من العلم بالوثيقة ونشرها بسرعة، إلا أن مناقشة محتواها بقي أمنية من الأماني. وقد طبعت مجلة "دير شبيغل" الألمانية نص الوثيقة عام 2001، ويوجد النص أيضا في كتاب كورد شنبنز Cordt Schnibbens وشتيفان أوست Stefan Aust عن الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، الذي ظهر في الأسواق في العام التالي.

وعدم الاهتمام بالنص بصفة خاصة يدل دلالة واضحة على أن صفحاته لم تكن مرتبة ترتيبا صحيحا، كما أن دار النشر د ت فاو (DTV) فاتها أن تصحح الترتيب في الطبعة الجديدة.
ويرجع الفضل إلى المجلد الذي كتبه كل من هانز غ كيبنبرغ Hans G Kippenberg وتيلمان زايدن شتيكر Tilman Seidensticker، حيث تناولا فيه تحليلا تفصيليا دقيقا لـ"الإرشادات الروحية". وهذان العالمان في شؤون السياسة وعلوم الإسلام والعلوم الدينية أوردا علاقات تاريخية وفلسفية عديدة، تسهل فهم النص، وتثبت أن تلك الإرشادات كانت بمثابة آلة دقيقة لتوجيه مرتكبي الحادث. ويعطي الكتاب أيضا توضيحا مفصلا عن مجرى الأحداث بدءاً من الليلة التي سبقتها إلى ركوب التاكسي والوصول إلى المطار والتصرفات داخل الطائرة، مستندا على أسباب أيدلوجية ودينية.

إرشادات روحية شاملة

لم تكن "الإرشادات الروحية" سوى مخطط تفصيلي وإرشادي لتنفيذ العملية، وكان على الإرهابيين أن يعتبروا كل خطوة صغيرة كجزء من عمل مقدس، وأنه تنفيذ لإرشادات روحية شاملة. وهذه الإرشادات الروحية الشاملة تستمد روحها من معارك صدر الإسلام ومن أفعال النبي محمد. وهكذا يصبح المجرمون مطمئنين نفسيا في لحظة القتل ولا ينتابهم الخوف ويكونون في منتهى الطاعة.

ويرسم نص "الإرشادات الروحية" خطوات الجريمة مسبقا ويكرر عبارات مقتبسة من آيات القرآن الكريم. وقد سبقت مثل هذا النص نصوص كثيرة مكتوبة بخط اليد باللغتين العربية والتركية أيام الحروب العثمانية، حيث كانت مليئة بالأدعية الدينية التي تهدف إلى رعاية الجنود الأتراك رعاية دينية.

خطوات الجريمة بالتفصيل

إن مؤلف "الإرشادات الروحية" كان يعي صعوبة التغلب على النفس والضغط النفسي الذي يسيطر على المجرمين، ولذا قرر توزيع "المهمة" إلى عدد كبير من الخطوات الفردية. فلم ينظر إلى الجريمة نظرة كلية، وبذلك ترك الكلام عن النهاية المحتومة تماما.

وأكثر من ذلك أن مجرى الأحداث كان مقسما إلى سلسلة من الخطوات التي لا تستغرق أكثر من بضعة دقائق. وكانت كل خطوة مبنية على معنى ديني يؤمن به كل مجرم.

وتبدأ "الإرشادات الروحية" بقسم يؤدونه على الأخوة ليكون قاعدة لتكوين منظمة من الرجال تسمى "فتوة". وهذا هو النهج الذي اتحدت عليه جماعات إسلامية أخرى على مر التاريخ مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

ويقرر النص عليهم حلف "يمين الولاء فيما بينهم على الموت"، ويجب أن تتجدد هذه "النية" دائما. و"النية" باب من أبواب الفقه الإسلامي عند الأصوليين، والمقصود بها –كما جاء في النص– الثقة الداخلية بأن "كل ما يفعله المرء خالصا لوجه الله".

إحياء النماذج القديمة

ويوضح هانز غ كيبنبرغ Hans G Kippenberg باقتناع أن هذا الإعداد الديني يفهم على أنه من الشعائر الخاصة المؤقتة، وأنه جاء أيضا من حضارات أخرى غير إسلامية، وتحول من مصطلح "الشعائر المؤقتة" إلى تعبير حضاري أنثروبولوجي.

ويقول كيبنبرغ Kippenberg عن "الإرشادات الروحية" أنها "ترشد إلى تغيير هذا النوع، حيث يصير الشباب المسلم منعزلا عن العالم في حياته اليومية ولا يراعي القوانين العامة، ثم يتحول لأحد الجنود في جيش النبي. كما أن أحداث العنف في الحادي عشر من سبتمبر / أيلول ما هي إلا إعادة سيناريو لنموذج قديم وُضع لفرض الإسلام بالقوة".

وتوحي "الإرشادات الروحية" أنها تستند في تفاصيلها على القرآن، وهي بذلك تعطي الإرهابي الشعور بأنه خليفة للرسول الأعظم في أفعاله. ولأنه قد ورد عن النبي محمد أنه كان يسلب القتلى من أعدائه، نجد النص يحث مختطفي الطائرة على سلب شيء رمزي من مقدمة الطائرة ولو حتى كوب من الماء.

ويلتمس النص لهم العذر، إذا تعذر عليهم تطبيق تلك الخطوات. و"الإرشادات الروحية" قد كتبت بطريقة براغماتية لتتناسب مع كل الظروف، ويدل على ذلك وجود جمل مثل: "الواجب الحتمي فوق التقاليد".

الانتحار خطيئة

وإذا كانت "الإرشادات الروحية" تحث الإرهابيين على الدعاء أن "يرزقهم الله الشهادة"، فقد راعت أن الإسلام لا يقبل الانتحار على وجه العموم، حتى ولو كان في الجهاد. وكان هناك تردد وتفكير عميق قبل عمليات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، لأن الانتحار ذنب كبير، والمسلم الحق يعلم تماما أنه بذلك لا يعرض نفسه فقط للحرمان من الحور العين في الجنة، بل يعرض نفسه أيضا لدخول جهنم.

وطبقا لردود الفعل التي نتجت عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول, فإن الإرهابيين أمثال محمد عطا ليسوا بأية حال من الأحوال شهداء، حتى في نظر الإسلاميين المتعصبين.

وبينما كان صغار رجال الدين على استعداد للموافقة على هذا التفسير، جاء الزعيم الديني الشيعي آية الله فضل الله باستنتاج آخر، فقد عبر عن ذلك في حديث صحافي مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية بـ "أنهم لم يسقطوا قتلى أثناء الجهاد، وإنما هم منتحرون بكل بساطة". وكان فضل الله هو الذي سن لمجاهدي حزب الله عام 1983 الجهاد في سبيل الله الذي يؤدي إلى دخول الجنة.

ظواهر عصرية

إن الجدل حول الحيثيات الدينية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول سوف يؤدي– حسبما صرح كيبنبرغ Kippenberg – إلى متاهة. فالإرهابيون قد اعتبروا فعلتهم دينية بلا شك، حتى وإن كانوا قد لاقوا معارضة من معظم المسلمين ومن رجال الدين المسلمين.
ويرجع نجاح الإرهابيين في إقناع أنصارهم - بتفسيرهم الخاص للقرآن ومجموعة تفاسير السنة وأعمال العبادة - إلى أن تعليم الدين في الإسلام لا يخضع لنظام قيادي كما في الكنائس المسيحية.

والمهارة الكاملة في الإسلام ليست في التفسير ولكن في السنة. ومؤلف "الإرشادات الروحية" لا يدع لنا شكا في أنه متدين غير محترف، حين يقول: "إعلموا أن أفضل تلاوة هي تلاوة القرآن الكريم، وعلى ما أعلم أن هناك إجماعا من العلماء على ذلك".

استنتاج عام

ماذا يستطيع المرء أن يستنتج من ذلك؟ على أية حال أن الإسلام في حد ذاته ليس من الخطورة بمكان ولا هو دين حرب, بل الخطر يكمن في موجة التشدد الجديدة عند الجماعات الإسلامية، كجماعة القاعدة وحزب الله وحماس والإخوان المسلمين.

وهؤلاء على حد قول كيبنبرغ Kippenberg بمثابة ظاهرة تمدن ترتبط بالعولمة "التي تعطي قوانين السوق أولوية على المجتمع السياسي", وبهذا تنتقل المسؤولية الاجتماعية من صعيد الدولة إلى صعيد الجماعة الدينية.

عرض للكتاب رولاند دوكر

ترجمة عبد اللطيف شعيب

حقوق الطبع رولاند دوكر

هانس غ كيبنبرغ، وتيلمان زايدنشتيكر: الإرهاب في سبيل الله - الإرشادات الروحية للحادي عشر من سبتمبر / أيلول

Hans G. Kippenberg, Tilman Seidensticker (Hg.): Terror im Dienste Gottes. Die "Geistliche Anleitung" der Attentäter des 11. September. Campus-Verlag 2004