خطابات حماسية ووعود سخية

لا يتمتع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بشعبية واسعة بين البسطاء من شعبه فقط بل بين العرب أيضا، لا سيما بعد أن أصبح الهجوم على الولايات المتحدة وإسرائيل جزءا لا يتجزأ من خطاباته. بيتر فيليب يلقي نظرة على إنجازات الرئيس.

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الصورة: أ ب
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، المهندس، الذي كان في السايق عمدة مدينة طهران.

​​

" إذا خلت خزينتا يوماُ من المال، فإن أحمدي نجاد وحكومته مستعدون للقدوم هنا للعمل كفلاحين بالمعول لبناء لورستان، إني أؤكد لكم أننا سوف نكون فخورين بذلك، والله على ما أقوله شهيد."

هكذا خاطب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الحشود المجتمعة في إقليم لورستان في شهر مارس/آذار. يتميز أحمدي نجاد ذو الأربعين عاماً بقدرته الفائقة على محاكات الناس البسطاء وتأجيج مشاعرهم. فهو يلعب دور رجل من عامة الشعب بمصداقية تجعل الجميع يقتنع بذلك. وهو بالفعل ينحدر من أسرة بسيطة ويبتعد عن الترف ويعرف عنه نزاهته، على عكس معظم الساسة الكبار في إيران.

وكان لهذه الخصائل الفضل في فوز أحمدي نجاد بانتخابات الرئاسة الإيرانية في 25 من يونيو/حزيران عام 2005 . فقد حصل على نسبة 61 % من الأصوات متقدماٌ على منافسه علي أكبر رفسنجاني، الذي كان مرشحاُ للفوز بهذه الإنتخابات.

ومنذ تسلمه منصب رئاسة الجمهورية الإسلامية في 3 من أغسطس / آب عام 2005، وهو يجعل إيران والعالم يحبسان أنفاسهما تخوفاً. فتصريحاته النارية وخطابه السياسي المناهض للولايات المتحدة وإسرائيل، بالإضافة إلى موقفه الإستفزازي في النزاع النووي، كل ذلك كان كفيلاًً بجلب الكثير من المعضلات السياسية للجمهورية الإسلامية، التي لم تشهد منذ قيامها هذا الحجم من الضغط السياسي. وتصب تصريحات أحمدي نجاد التالية في نفس الخانة المذكورة:

"أنهم يدّعون بأن شعبنا ينتهك حقوق الإنسان وحرياته. إننا سوف نجعلهم إن شاء الله يمتثلون أمام محاكم الشعب. إن الشهادة والتضحية تعتبران جزءاً من قيمنا. أن شعبنا شعب حضارة وثقافة ، وهو شعب حر و ثوري."

ورغم ما يتكرر من اتهامات بحدوث تزوير في الإنتخابات لصالح أحمدي نجاد، فإن فوزه فيها حسب ما يرى المراقبون أتى نتيجة لحالة عدم الرضى عن الوضع السياسي بين الإيرانيين، ونتيجة لخيبة أمل الطبقات الدنيا من الوعود الكاذبة التي لم تتحقق حتى في عهد الجمهورية الإسلامية. و جاء المهندس أحمدي نجاد الذي كان يشغل منصب عمدة طهران للسنتين السابقتين بوعود لتحسين مستوى المعيشة في البلاد . وبالفعل بدأ الرئيس الجديد بتقديم قروض رخيصة للناس البسطاء وعمل على تسهيل الحصول على مساكن وعلى تقديم التامين الصحي بأسعار منخفضة.

وعلى الصعيد الداخلي عمل الرئيس الإيراني منذ البداية، على منح المناصب الوزارية إلى رفاقه القدامى الذين عمل معهم في صفوف الحرس الثوري آنذاك. إلا ان البعض منهم أجبر على التنحي عن منصبه نظراً لانعدام الكفاءة، مما جعل الرئيس يتوجه إلى السياسة الخارجية باحثاً عن الإنجازات.
ويقول أحمدي نجاد في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة:

"يجب أن يكون شعار هذه المنظمة هو العدل. وينبغي أن يعامل جميع الأعضاء بسواسية كما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة. فالحقوق يجب أن تكون متساوية بغض النظر عن الغنى والسلطة."

وبدأ أحمدي نجاد بتصعيد النزاع النووي بعد أن أخذ يعتبر كل تنازل يطلب منه في هذا الشأن، استسلاماً لا يمكن القبول به. كما ذهب الرئيس الإيراني إلى أبعد من ذلك، بتنظيمه احتفالاً لعملية تخصيب اليورانيوم الأولى في بلاده.

وأخذ الهجوم الكلامي على إسرائيل يزداد حدة. فعبارات من قبيل: "يجب مسح الدولة العبرية من على الخارطة"، "لو حدثت المحرقة بالفعل، فيجب عندها معاقبة المسؤولين عن ذلك من دون أن يتحمل الفلسطينيون عبء ما حدث." كلها عبارات أدت إلى موجة من التنديد والاستهجان في الغرب.

لكن أحمدي نجاد ظل يواصل هجومه الكلامي على الولايات المتحدة وحلفائها، تارة بالمقارنة بين أميريكا وجينكيزخان وتارة بوصف إسرائيل بهيتلر، وهو ما جعل شعبيته تزداد في العالم العربي، الذي رأى فيه رجلاً صريحاً لا يخشى المواجهة مع الولايات المتحدة و إسرائيل.

لكن تصريحات الرئيس الإيراني أدت من جهة أخرى إلى تشدد في موقف الغرب من المسألة النووية، على الرغم من أن النزاع هذا بدأ قبل تسلم أحمدي نجاد للسلطة وبغض النظر عن اتباع الرؤوساء الإيرانيين السابقين لنفس السياسة المعادية لإسرائيل و الولايات المتحدة.

بعد مرور عام على حكم أحمدي نجاد، يمكن القول بأنه استطاع أن يبعث الحماس في صفوف الشعب الإيراني، إلا أنه و ضع بلاده في مأزق سياسي حرج. و ليس هناك سوى تفسير منطقي واحد لذلك، وهو أن الزعيم الإيراني يسعى إلى بعث عهد الثورة الإيرانية الفتية من جديد، لأن حكم رجال الدين في إيران لا يمكن أن يستمر إلا إذا وضعت البلاد نفسها في عزلة، فأي انفتاح سياسي على العالم، سوف يكون كفيلا باسقاط الجمهورية الإسلامية.

بقلم بيتر فيليب
ترجمة أسلان حسن
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2006

قنطرة

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد:
نقص في التجربة السياسية
محمود أحمدي نجاد: أنكر المحرقة وطالب دولا أوربية بتقديم اليهود جزءا من أراضيهم يتمنى الرئيس الإيراني على ما يبدو أن تعود عجلات التاريخ إلى الوراء وتحديدا إلى الأيام التي تلت انطلاق الثورة الإسلامية في إيران، هكذا يمكن تفسير تصريحات ومواقف أحمدي نجاد الأخيرة تجاه المجتمع الدولي. تعليق بيتر فيليب

إيران: خطب رنانة وقلق في الأوساط السياسية
مفاوضات الملف النووي أمام طريق مسدود
منذ اندلاع الثورة الإسلامية 1979 أصبحت التهجمات الكلاميةعلى الولايات المتحدة وعلى إسرائيل وعلى الغرب بشكل عام جزءا من الأعراف السياسية. الاحتجاجات الدولية جعلت الرئيس أحمدي نجاد محط الأنظار وبدأ ينظر إليه في صفوف مؤيديه على الأقل على أنه "بطل" يجرؤ على التصدي للولايات المتحدة الأمريكية ولإسرائيل وعلى التضامن مع الفلسطينيين ورفع علم الإسلام عاليا. تحليل بهمان نيرومند

حصيلة مائة يوم من رئاسة أحمدي نجاد:
الرئيس الإيراني الجديد بين الوعود الانتخابية والواقع السياسي
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يواجه تحديات عديدة ويتساءل المراقبون السياسيون عن مدى إمكانية تحقيق وعوده الطموحة في الواقع. يتوقع الملايين في إيران أن يوفي أحمدي نجاد بوعوده التي أعطاها قبل الانتخابات، وهي مكافحة الفقر والفساد والبطالة والمساواة في توزيع إيرادات البترول. الكاتب والصحفي الإيراني فرج سركوهي يشك في مدى إمكانية تحقيق ذلك.