الشاعر ميسرة صلاح الدين: "أكتب بلغة حية"

اختار الشاعر الإسكندري ميسرة صلاح الدين أن يكتب بالعامية المصرية لأنها "لغة حية"، على حد قوله، فهو يعتبرها لغة قائمة بذاتها بسبب تفرد قواعدها النحوية، ويرى دلائل حياتها وحيويتها في تطورها الدائم.

الكاتبة ، الكاتب: Mohamed El-Baaly

عندما وضع الشاب ميسرة صلاح الدين قدمه لأول مرة على أرض القصيدة مع غروب القرن العشرين كان متحيرا قليلا بين الكتابة بالعربية الفصحى أو العامية المصرية، ولذلك كتب قصائد قليلة بالفصحى قبل أن يستقر تماما على الكتابة بالعامية حتى بلغت حصيلته بها ثلاثة دواوين ومسرحيتين شعريتين.

"لغة" منبثقة عن العربية الفصحى

ويعتقد الشاعر الإسكندري ميسرة صلاح الدين أن العامية المصرية لغة قائمة بذاتها لها قواعدها النحوية ومفرداتها المتفردة، وأنها تتميز بكونها لغة "حية" ودائمة التطور. ويعترف أنها "لغة" منبثقة عن العربية الفصحى، ولكنها تختلف عنها حسب تقديره، ولها لهجاتها مثل لهجات القاهرة والإسكندرية وأسوان وقنا، التي تختلف قليلا بعضها عن بعض ولكن يظل لدى مستخدميها القدرة على التواصل بسهولة.

ويرى ميسرة صلاح الدين أن أهم مميزات العامية بالنسبة له أنه يعايشها خلال تطورها، فهي تنتج كل يوم تركيبات ومفردات جديدة، وبالتالي يستطيع أن يتابع حياتها ويلمس حيويتها.

"أتعامل مع الناس بالعامية فأكتب لهم بالعامية"

ويقول إنه يعايش هذه اللغة يوميا في تعامله مع الناس في البيت والشارع والعمل، وفي تعاطيه مع الإعلام المسموع والمرئي، إنها لغة "الحياة" على حد تعبيره. ويضيف "أنا لا أتعامل مع الناس بالفصحى كما لا أتعامل بالإنجليزية، أنا أتعامل بالعامية، فلماذا أستخدم لغة أخرى عند الكتابة لهم".

استخدام "عامية المثقفين" والابتعاد عن الألفاظ الغريبة

ورغم أن ميسرة عاش معظم حياته في الإسكندرية، ويقيم فيها حالياً، إلا أنه يحاول بقدر المستطاع استخدام المعين المشترك للعامية المستخدمة فى كل محافظات مصر ويبتعد عن الألفاظ الغريبة والإقليمية.

اضطرابات في محمد محمود عام 2011.  Foto: dpa/picture alliance
Mit spitzer Feder für die Revolution: Beim Versuch, ein Gedicht über die schweren Zusammenstöße in der Mohamed-Mahmoud-Straße im November 2011 zu schreiben, merkte Maysara Salah El-Din, dass alles, was er zu Papier brachte, wie skandierte Sprechchöre klingen würde.

ويقول إنه يكتب بما أسماه "عامية المثقفين" التي طورها الشعراء المصريين عبر عقود منذ ستينات القرن الماضي، ولكنه يشير بشكل خاص إلى دور الشاعر فؤاد قاعود (١٩٦٣-٢٠٠٦) في ذلك.

ويكتب ميسرة الشعر منذ أكثر من عشر سنوات، حيث نشر ديوانه الأول "أنا قلبي مش فارس" (مطبوعات هيئة العلوم والفنون والآداب بالإسكندرية) عام ٢٠٠٢. وفاز ديوانه الثالث "أرقام سرية" (صفصافة ٢٠١٠) بجائزة من الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر.

"القصيدة التقليدية لم تعد كافية لتعبير مشاعري"

وشارك ميسرة صلاح الدين في الثورة المصرية عام ٢٠١١ بحماس، وانتشى بانتصاراتها وأصيب بإحباطات جراء تراجعاتها، ويقول إنها أثرت بشدة على أعماله. ويقول ميسرة إنه اختبر مشاعر جديدة تجاه الشعب وتجاه الوطن مع الثورة، وإن المشهد السياسي عندما بدأ يتضح بتعقيداته بعد الثورة شعر بأن القصيدة بشكلها التقليدي لم تعد كافية للتعبير عنه.

ويضيف أن محاولة التعبير عن مواجهات محمد محمود (اشتباكات عنيفة اندلعت عام ٢٠١١ بين الشرطة والمتظاهرين واستمرت أياماً وسقط فيها عشرات القتلى) في قصيدة كان سينتج ما يشبه "الهتافات" المنظومة وليس شعرا، لذك لم يشأ أن يكتب عن الأحداث مجرد قصيدة. ويقول إنه أحس وقت أحداث محمد محمود بشكل خاص أن القصيدة في حاجة لأن توضع في قالب يحتمل كل هذه التفاعلات والصراعات، لذلك اختار "المسرحية الشعرية".

مشروع شعري من أصداء الثورة

ونشر ميسرة صلاح الدين المسرحية الشعرية المكتوبة بالعامية "الورد البلدي" (الهيئة العامة لقصور الثقافة) عام ٢٠١٢ ثم نشر عام ٢٠١٣مسرحيته الثانية "الشرخ" في مجلة المسرح (الحكومية المصرية).

ولم يقتصر تأثر ميسرة بالثورة المصرية على كتابة المسرحيات الشعرية بل إنه قام بتطوير مشروع شعري آخر بالعامية يعتبره صدىً من أصداء الثورة. ولجأ ميسرة في مشروعه "زجلوتير" إلى واحد من أكثر أنواع شعر العامية بساطة وتمتعا بإيقاع مميز وهو "الزجل".

إعادة بناء الثقة في الشعب من خلال الأزجال

ويقوم المشروع على تأليف قطعة شعرية قصيرة ذات وزن وقافية، بحيث تحكي عن شخصية أضافت لجانب من تاريخ مصر إضافة مميزة، ثم يتم دمجها مع عمل فني مرسوم لوجه الشخصية نفسها. ويقول ميسرة إنه فكر في هذا المشروع بعد ما حصلت حالة من تراجع الآمال في تحقيق الثورة لأهدافها ما نتج عنه فقدان الناس للثقة أنفسهم وفي الشعب المصري، فكان هذا المشروع الذي يهدف لاستعادة الثقة عبر تسليط الضوء على رموز مصرية هامة.

Ein Gedicht aus Zaglutter, © Maysara Salah El-Din
Kunstprojekt „Zaglutter“: Hierbei ließ sich Maysara Salah El-Din von den einfach strukturierten und rhythmisch eingängigen ägyptischen Zagal-Gedichten inspirieren. Ein Gedicht aus „Zaglutter“ © Maysara Salah el-Din

ويضيف أنه بحث كثيرا عن أفضل شكل شعري يقدم عبره هذه الشخصيات حتى استقر على الزجل كونه يصل بالمعنى لأبسط متلقي، وبالتالي يمكن أن يصل بمضمون المشروع إلى أكبر عدد ممكن. وقال إنه كتب أزجالا عن نحو ٢٠ شخصية فقط حتى الآن على مدى نحو عام.

وأوضح أن ذلك سببه أنه يحدد المجال الذي ينوي الكتابة عنه أولا (الفن أو العلم أو الرياضة مثلا) ثم يبحث عن الشخصيات المهمة في هذا المجال عبر تاريخ مصر الحديث ليختار شخصية أو شخصيتين على أقصى تقدير، ثم يبحث عميقا في تفاصيل حياة وإنجازات هذه الشخصية حتى يختار محطات معينة فيرسم من خلالها صورة شعرية لهذه الشخصية في مقطوعة زجلية.

ويقول ميسرة إن مشروعاته في المسرح و"زجلوتير" لا يبعداه عن مجال إبداعه الرئيسي، وهو القصائد الشعرية، ويضيف أنه يتمنى أن يكون مالم يكتبه منها حتى الآن أفضل مما كتبه بالفعل.

 

محمد البعلي - مدير دار صفصافة للنشر بالقاهرة

حقوق النشر: معهد غوته 2014

 

ميسرة صلاح الدين شاعر عامية وكاتب مسرحى من مواليد الإسكندرية ١٩٧٩ صدر له ثلاثة دواوين شعرية "أنا قلبى مش فارس" (مطبوعات هيئة العلوم والفنون والآداب بالإسكندرية) ٢٠٠٢، "شباك خجل" (اتحاد الكتاب) ٢٠٠٥، "أرقام سرية" (صفصافة للنشر) ٢٠١٠ ، ومسرحية شعرية بعنوان" الورد البلدى" (الهيئة العامة لقصور الثقافة) ٢٠١٢. كما كتب العديد من الاغانى للفرق المستقلة وللمسرح.

يعمل حاليا فى مشروع فنى وثقافى بعنوان "زجلو تير" بالتعاون مع الفنان التشكيلى مصطفى سليم يقوم على اختيار شخصيات مهمة من تاريخ مصر الحديث وكتابة مقطوعات زجلية عنها ورسمها فى صورة كاركتير.