حصاد الربيع العربي ...وَهْم الطُّموح ومَرارَة الواقع

الحرب في سوريا تُواصِل اندلاعها؛ وفي مصر وتونس يحكُم الإسلاميون؛ وتركيا تقع في وسط الجبهات المتصارعة؛ وعملية السلام عالقة دون حراك. فإلى أين يتجه الشرق الأوسط بعد مرور عامين من بداية الربيع العربي؟ بتينا ماركس جمعت لنا بعض آراء الخبراء السياسيين في هذا الشأن.

الكاتبة ، الكاتب: Bettina Marx

لم يعد الهدوء إلى الشرق الأوسط في عام 2012 أيضاً. وانطفأت النشوة والفرح بسقوط الأنظمة الدكتاتورية في تونس ومصر وليبيا. وتثير الحرب الأهلية في سوريا قلق الرأي العام وحيرة السياسيين. ولا يلعب القمع الشامل للمعارضة البحرينية بعد دورا يُذكر في عناوين الأخبار في وسائل الإعلام.

رغم ذلك، يشعر مفوض الاتحاد الأوربي لعملية السلام في الشرق الأوسط أندرياس راينيكيه بالتفاؤل قائلاً: "أنا مقتنع بأن العالم العربي سيتطور نحو المزيد من الانفتاح والحرية"، كما قال في المؤتمر السنوي للسياسة الخارجية الذي تقيمه في برلين مؤسسة هاينريش بول، المقربة من حزب الخضر الألماني. لكنه يرى أن من الضروري التفكير بواقعية، فهذه العملية ستتم على فترات متباعدة وستستغرق وقتاً ليس بالقصير، ويضيف: "أعتقد أن الأمر سيستغرق عُقوداً وليس مجرَّد سنين فقط، وعلى الأوربيين أن يتحلوا بالصبر وأن يرافقوا علمية التحوُّل هذه بإيجابية".

أدت الظروف الجديدة السائدة في المنطقة إلى تغيير نظام السلطة فيها؛ ففي حين فقدت سوريا دورها القيادي، استعادت مصر دورها القديم كقوة عربية قيادية.

نهاية نظام ما بعد حكم العثمانيين

مظاهرة لأكراد في مدينة القامشلي الكردية، أ ف ب
انتفاضة القومية الكردية: الربيع العربي شجَّعَ النشاط السياسي للأكراد، ليس فقط في سوريا بل وفي تركيا أيضاً.

​​

تعني التغيرات في الشرق الأوسط، في رأي خبير الاقتصاد والسياسة التركي سولي أوزيل من إسطنبول، نهاية نظام ما بعد حكم العثمانيين. وهو النظام الذي أنشأته بريطانيا وفرنسا. "لا يشعر المرء بالبهجة أبداً حين يشهد انهيار إمبراطورية"، كما يقول أوزيل. ويعتمد نظام ما بعد حكم العثمانيين على الهيمنة العربية السنية. إلا أن حرب الخليج وإعلان منطقة الحماية في شمال العراق هزا هذه الهيمنة.

ازدادت في هذه الأثناء أهمية القومية الكردية وحل صعود الإسلام الشيعي محل الهيمنة السنية. وعلاوة على ذلك توجد في كل مكان أقليات قومية ودينية منفصلة. وأصبح هذا واضحا بشكل خاص في سوريا، حيث تحول تمرد معارضة سلمية على النظام الدكتاتوري إلى حرب أهلية بين أقوام وطوائف مختلفة. ولا توجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأسرها إلا أربع دول مستقرة فعلا. وهي إيران وتركيا وإسرائيل ومصر. وإحدى هذه الدول فقط تحمل طابعا عربياً سُنيا، وهي مصر. إلا أن هذه الدول الأربع أيضا تعاني من نزاعات داخلية وخارجية.

تركيا كنموذج؟

في ظل هذه التغيرات الجذرية تزداد أهمية تركيا. "كل مرة يجد الغرب فيها صعوبات، يتوجه إلى تركيا"، كما يقول أوزيل؛ فالغرب يريد أن تصبح تركيا، العلمانية والمنتمية إلى حلف شمال الأطلسي، نموذجاً للحكومات الإسلامية الجديدة في الدول العربية بعد قيام الثورات فيها.

محمد مرسي ورجب طيب إردوغان، رويترز
هل تشكّل تركيا نموذجاً تحتذي به دول الربيع العربي؟ فرغم أن تركيا من الدول المستقرة القليلة في الشرق الأوسط إلا أنّ بيناز توبراك، النائبة عن حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، تحذّر من اعتبار نموذج بلادها مناسباً لمصر وبقية بلدان الربيع العربي.

​​

"أحد الأسباب التي أدت إلى عدم انتقال أية دولة في العالم العربي الإسلامي في السنوات الثلاثين الأخيرة إلى نظام ديمقراطي، هو توفر نموذج واحد لذلك فقط، وهو النموذج الإيراني"، كما يقول التونسي رضوان مصمودي، رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. إلا أن هذا النموذج فشل، بينما يبدو الآن النموذج التركي مناسباً. ورغم أنه ليس متكاملا، لكن يمكنه تأمين الانسجام بين الإسلام والديمقراطية وحتى بين الإسلام والنظام العلماني.

لكن بيناز توبراك، النائبة عن حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، تحذّر من اعتبار نموذج بلادها مناسباً، مشيرة إلى أن تركيا ليست دولة ديمقراطية ليبرالية بالمعنى الغربي؛ وترى أنه في ظل حكم رئيس الوزراء إردوغان، وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يترأسه، تطورت تركيا نحو دولة يحكمها حزب واحد فقط. و تعاني الأقلية العلوية في البلاد من القمع، ولا تتاح فرص عمل إلا لأعضاء حزب إردوغان.

وعلاوة على ذلك، فهي ترى أنه قد تم تخفيض الحقوق الديمقراطية، وإجبار وسائل الإعلام على السكوت، وتقويض النظام القانوني. ولذلك تحذر النائبة من اعتبار تركيا نموذجاً. وفي رأيها أن حصول الأحزاب الإسلامية التركية على السلطة، في انتخابات ديمقراطية، أظهر أنها تستخدم سلطتها بعد ذلك لتدمير الديمقراطية.

دور الاتحاد الأوربي

لا تخلِّف التطورات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط آثارها على تركيا فقط، وإنما على الاتحاد الأوربي أيضاً. "فالشرق الأوسط ليس بعيداً عن أوروبا"، كمايقول الخبير السياسي أوزيل.

إلا أن أنيغريت بينديك من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين قلَّلت من شأن الآمال المُعَلَّقة على الاتحاد الأوربي في هذا الشأن، ووصفتها بأنها مبالغ فيها، مشيرة إلى أن برنامج الجيران الأوروبي موجَّه إلى 16 دولة مجاورة لدول الاتحاد الأوروبي، ابتداء من روسيا البيضاء ودول القوقاز وصولاً إلى دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ومن الضروري أن يتمثل هدف البرنامج في إنشاء إقليم يتميز بالاستقرار والأمن والرفاهية.

ولا يمكن مثلا تنفيذ مطالبة الكثيرين بوضع برنامج مساعدة لصالح الشرق الأوسط بدون دعم الدول الملكية العربية الغنية، فهكذا فقط يمكن تنفيذ برنامج لإعادة بناء الاقتصاد بنجاح. وقد انتقدت الناشطة المصرية هبة مريف، من منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان في القاهرة، سياسة الاتحاد الأوربي بشدة. وأدانت تعاون الاتحاد لمدة سنوات عديدة مع حُكَّام مصر وليبيا وتونس قبل إسقاطهم. كما أنه "لا تتوفر لدى الاتحاد الأوربي أي سياسة لدعم حقوق الإنسان"، على حد تعبيرها.

بتينا ماركس
ترجمة: أخيم زيغلو
تحرير: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012