اتفاق تاريخي وفرحة ناقصة

شهدت العاصمة الكينية حدثاً تاريخيا. فبحضور رؤساء أفارقة سابقين، وقع نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، على اتفاق السلام النهائي الذي أنهى أطول حرب أهلية شهدتها القارة السمراء. تعليق أحمد حسو

نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، الصورة: أ ب
نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان

​​شهدت العاصمة الكينية نيروبي حدثاً تاريخيا. فبحضور رؤساء أفارقة سابقين، يتقدمهم نيلسون مانديلا، ووزير الخارجية الأمريكي، وقع نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، على اتفاق السلام النهائي الذي أنهى أطول حرب أهلية شهدتها القارة السمراء. فهل تجلب هذه الاتفاقية السلام إلى السودان أم تلقى مصير سابقاتها وتبقى حبراً على ورق؟ تعليق أحمد حسو

الفرحة كبيرة، لكنها ناقصة. الفرحة كبيرة لأنّ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في نيروبي أنهى واحدة من أطول الحروب الأهلية في إفريقيا وحصدت أرواح مليوني شخص. وهي ناقصة، لأنّ الحرب الأهلية مازالت تنخر في مناطق اخرى من السودان. فلو تم التوقيع على مثل هذا الاتفاق في غير هذه الأوان لكانت الفرحة جامعة، ولقيل إنّ السودان قد ترك وراءه ثقافة العنف وانتقل إلى ثقافة السلام.

السودان تغير كثيراً منذ انقلاب الإسلاميين بزعامة الترابي والبشير عام 1989 على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً برئاسة الصادق المهدي. إذ لم يعد غرنق المتمرد الوحيد على الحكم في الخرطوم ولم يعد الصراع بين شمال مسلم وجنوب مسيحي ووثني. فمنطقة دارفور المسلمة، الواقعة في غرب السودان، تشهد منذ اثنين وعشرين شهراً تمرداً مسلحاً أودى بحياة سبعين ألف شخص حتى الآن وتشريد أكثر من مليون ونصف مليون إنسان. ليس هذا فحسب، بل انتقلت العدوى إلى شرق السودان وإلى كردفان ايضاً.

كيف سيكون التطبيق؟

اتفاق السلام الذي وقع عليه في نيروبي يشكل نجاحاً لمنطق الحوار ولضغط المجتمع الدولي ولدول الإيغاد التي رعت بصبر المفاوضات الماراتونية التي انتجته. لكن التحدي الأكبر هو في نقل بنوده على الأرض. غرنق كان واضحاً بعد لقائه بوزير الخارجية الأمريكي، عشية التوقيع على الاتفاق، حين حذر من تفكك السودان إذا لم يتم احترام ما تم التوصل إليه. وهنا المشكلة، فاحترام الاتفاق يعني تخلي كل طرف عن جلده وهو ما يصعب تخيله مع الحكومة الإسلامية.

نقطة الضعف الأخرى في هذا الاتفاق هي ثنائيته وتجاهله لأطراف المعارضة الأخرى، وانضمام حركة غرنق لحكومة البشير قبل التوصل إلى حلول لمناطق التوتر الأخرى. فقبل يوم واحد من مراسيم التوقيع رسم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان صورة قاتمة جداً عن الوضع في دارفور، وحذر من تدهوره، لأنّ "كميات كبيرة من الأسلحة نقلت إلى الإقليم".

فكيف سيتجاوب نائب الرئيس جون غرنق مع حركتي التمرد في دارفور اللتين كانتا إلى حين حليفين له. وماذا سيكون موقفه من حسن الترابي وحزبه الذي يعود له الفضل بشكل أو بآخر لقبول الإسلاميين بمطالب الجنوبيين حين عقد صفقة مع غرنق في جنيف عام 2001 واعتقل بسببها.

يبدو الرئيس السوداني اليوم في وضع أفضل، ويتوقع مكافأة من المجتمع الدولي في ملف دارفور كي لا يتعرض التنفيذ السلس للاتفاق النهائي مع غرنق للخطر. ورغم أنّ البشير وعد بنقل نموذج تعامله مع الجنوب إلى باقي مناطق التوتر في السودان، فإنّ الشواهد تدل على عكس ذلك. فالرجل لم يف بوعوده حتى في حل ميليشيا الجنجويد ومازال يناور في الاستحقاقات الأخرى.

بقلم أحمد حسو
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005