هل ينجح الأسد في استدراج تركيا إلى مستنقع مشابه لفيتنام؟

رغم تعرض بلدة "آقجة قلعة" الحدودية لإطلاق النار ما تزال أنقرة غير ميّالة إلى تدخل عسكري في سوريا دون دعم غربي وعربي. وبدلاً من ذلك، تراهن حكومة إردوغان على إقامة منطقة عازلة ضمن الأراضي السورية لمعارضي نظام الأسد في محاولة لزعزعة النظام في دمشق، حسب ما يكتب توماس زايبرت من إسطنبول.

الكاتبة ، الكاتب: Thomas Seibert



ليس للدول أصدقاء، بل مصالح فقط، كما يقال في أوساط السياسة الدولية. وتحوّل الأصدقاء إلى أعداء لدودين في وقت قصير يمكن رؤيته في العلاقة بين تركيا وجارتها سوريا منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد في مارس من العام الماضي.

فصديقة سوريا السابقة تركيا تسعى اليوم رسمياً إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتستخدم حتى وسائل عسكرية من أجل الدفع بنظام الأسد إلى الزاوية. هذه لعبة خطرة، وحرب تسعى أنقرة إلى تجنبها، إلا أنها لا تستبعد أي شيء حتى الآن. ولعدة شهور أثناء العام الماضي، حاولت تركيا حث الأسد على إجراء إصلاحات سياسية من أجل التوصل إلى تسوية مع المعارضة السورية.

لكن الأسد تجاهل الأتراك. ويقول وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الذي تحدث مع الرئيس السوري مراراً ولفترات طويلة، إن الأسد رهين "أوهام الطغاة"، وفي هذه الفانتازيا يعتقد أصحاب السلطة أنهم يلعبون على الوقت، وأن القيام بتغييرات تجميلية لإنقاذ النظام أمر كاف.

من صديق إلى عدو

اوغلو د ب ا
"أوهام الطغاة": قبل بداية الانتفاضة في سوريا، حاول وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بدون جدوى حثّ الرئيس السوري بشار الأسد على القيام بإصلاحات سياسية في بلاده.

​​هذه مغالطة، حسب ما يقول داود أوغلو، فحكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان مقتنعة حالياً بأن السلام والهدوء لن يعودا إلى سوريا إلا عندما يتنحى الأسد عن السلطة. تركيا معنية بذلك ليس فقط لأنها تجاور سوريا وتؤوي نحو 100 ألف لاجئ سوري فروا من الصراع، بل ولأنها أيضاً أكبر الدول المصدرة في المنطقة ويهمها استقرار المنطقة على المدى الطويل، وهذا الاستقرار لن يتحقق إلا بغياب الأسد، حسب ما ترى أنقرة.

وبعد فشل محاولات الوساطة التي قام بها داود أوغلو في دمشق، تحولت تركيا من صديق إلى عدو للأسد، وسمحت لمعارضيه السياسيين والعسكريين بتنظيم أنفسهم على أراضيها وتنسيق نشاطاتهم داخل سوريا من تركيا. وبحسب تقارير غير مؤكدة، فإن تركيا أيضاً تغض الطرف عن توريد الأسلحة إلى الثوار داخل سوريا عبر أراضيها.

أما الرد السوري فلم يشمل فقط اتهام تركيا بدعم "الإرهابيين"، بل والقيام، كما ترى السلطات التركية وناشطو المعارضة السوريون، بدعم متمردي حزب العمال الكردستاني المعارضين لتركيا، والسماح لهم ببناء قواعد جديدة لهم على أراضيها قرب الحدود مع تركيا، لاستخدامها في أعمال عنف تساهم في زعزعة الاستقرار داخل تركيا. وفي الوقت الراهن تحاول دمشق، من وجهة نظر بعض المراقبين الأتراك، استفزاز حرب معلنة مع الجار التركي، ومن ضمن هذه الاستفزازات إطلاق النار على بلدة "آقجة قلعة" التركية الحدودية خلال الأسبوع المنصرم، كما يعتقد المعلق السياسي أورهان ميروغلو في مقال بصحيفة "تودايز زمان" القريبة من الحكومة.

"مستنقع مشابه لفيتنام"

البرلمان التركي د  ب ا
ضوء أخضر لتدخل عسكري في سوريا المجاورة: بعد يوم واحد من القصف المدفعي على بلدة أكتشاكاله التركية الحدودية، وافق البرلمان التركي على مشروع قانون يسمح للقوات المسلحة بالتدخل عسكرياً في سوريا.

​​إذا ما تمكن الأسد من جر تركيا إلى الصراع في سوريا، فإن كفاح شعب بأكمله على مدى 40 عاماً ضد نظام دكتاتوري سيتحول فجأة إلى حرب معلنة بين العرب والأتراك. ويكتب ميروغلو أن الأسد يحاول استدراج تركيا إلى "مستنقع مشابه لفيتنام".

لهذا تعتبر أنقرة نيران المدفعية السورية في "آقجة قلعة" استفزازاً متعمداً، ولهذا تؤكد حكومة إردوغان على أنها لا تسعى إلى الحرب، وأن أي رد تركي بقصف بعض المواقع السورية سيكون هدفه هو إرسال رسالة مفادها أن أنقرة لن ترضى بأي محاولة للمساس بالسيادة التركية. كما أن إردوغان، وفي أول ردود رسمية له على مقتل امرأتين وثلاثة أطفال في القصف على "آقجة قلعة"، قال إن تركيا معنية بضمان الأمن على حدودها.

هذه هي السياسة الرسمية في أنقرة، إلا أن إردوغان لا يحظى بدعم الرأي العام أو غالبية المشهد السياسي في أنقرة في هذا الشأن، رغم أن تصويتاً في البرلمان على السماح بنشر الجيش التركي خارج البلاد كشف عن 129 صوتاً معارضاً فقط. كما أن آلاف المتظاهرين نزلوا إلى الشوارع في عدد من المدن التركية للاحتجاج على السياسة التي تتبعها حكومة إردوغان.

إلى ذلك، يعرب بعض المراقبين عن قلقهم من أن إردوغان لا يروي الحقيقة بأكملها عندما يتحدث عن الدفاع عن الأمن القومي للبلاد، ويعتقدون أن الحكومة، من خلال قصف مدفعي مطوّل على مواقع سورية بالقرب من الحدود، تسعى لتحقيق أهداف أخرى تتعدى أهدافها المعلنة. فأنقرة تريد من خلال قصف الأراضي السورية أن تغير توازن القوى على الجانب السوري لصالح المعارضة السورية، وذلك حسب ما يكتب المعلق السياسي عصمت بيركان في صحيفة "حوريّت".

منذ عدة أسابيع، يتبادل الثوار السوريون والقوات الحكومية إطلاق النار على الجانب السوري من الحدود قرب بلدة "آقجة قلعة"، وبحسب التقارير الإعلامية، فإن قطعات المدفعية التابعة للرئيس بشار الأسد انسحبت بين 15 و20 كيلومتراً داخل الأراضي السورية بعد قصفها لبلدة "آقجة قلعة"، ما سيعطي الثوار السوريين، حسب رأي بيركان، فرصة السيطرة على المنطقة الحدودية وتنظيم خطوط الإمدادات من تركيا بشكل أفضل.

تفويض عسكري

الناتو د ب ا
تضامن مع عضو الناتو تركيا: حلف شمال الأطلسي (ناتو) وصف الهجوم السوري في جلسة خاصة طارئة لسفراء الناتو بأنه خرق واضح للقانون الدولي وتهديد لأمن الحليفة تركيا.

​​ومنذ أن وافق البرلمان على منح الجيش التركي صلاحيات التدخل خارج البلاد، فإن على الجنود السوريين أن يتوقعوا أن يطالهم القصف على طول الحدود بين البلدين، التي تمتد لمسافة 900 كيلومتر، إذا ما اقتربوا منها. وإذا ما نفذت أنقرة تهديداتها وقامت بضربة انتقامية، فإن ذلك قد يعني أن القوات الحكومية السورية ستنسحب من المزيد من المناطق في الأسابيع القادمة.

وبهذه الطريقة، حسب ما يرى بيركان ومراقبون آخرون، يمكن أن تنشأ منطقة عازلة في سوريا كانت تركيا تطالب بها لفترة طويلة، ولم تلق حتى الآن سوى دعماً دولياً ضئيلاً. وفي هذه المنطقة العازلة غير الرسمية يمكن للثوار السوريين أن يتجمعوا ويمكن للاجئين أن يفرزا إليها دون خوف من قصف القوات السورية.

القرار البرلماني يمنح إردوغان إمكانية استخدام القوات الجوية في سوريا، وهذا قد يعني نظرياً انهيار التفوق الجوي المهم للقوات الحكومية السورية في الحرب الأهلية. ولا يشك أحد في أن جيش إردوغان سيتحرك إذا ما شعر مرة أخرى بالتهديد من قبل القوات السورية، فرئيس الوزراء التركي تحدث عن سقوط قذيفة مدفعية سورية في محافظة هاتاي في القطاع الغربي من المنطقة الحدودية.

كما يربط إردوغان مطالبته بإقامة منطقة عازلة بأن هذه المنطقة ستعجّل من سقوط نظام الأسد. والمعارضة السورية، التي تطالب بإقامة هذه المنطقة منذ شهور، ترى أن إقامة منطقة آمنة يمكن الرجوع إليها ستزيد من حالات الانشقاق في صفوف الجيش السوري وبالتالي ستساهم في زعزعة نظام الأسد. إن أنقرة تحاول تجنب أي تدخل عسكري في سوريا دون دعم غربي وعربي، إلا أن إقامة منطقة عازلة بشكل غير مباشر هو في مصلحة صانعي القرار في تركيا، ويثبت أن في لعبة الشطرنج الخطرة في الشرق الأوسط هناك بدائل كثيرة ممكنة.

 

توماس زايبرت
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012