حقد وكراهية متبادلة، وأحلام طفولية تفتقد للبراءة

تشكل الكتب المدرسية وسيلة هامة لقياس مدى التفاهم ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فقد تعاهدا في اتفاقية أوسلو على تجنب التحريض المتبادل بينهما، لكن الرقابة على التقيد بهذا الاتفاق كاد يقتصر على الجانب الفلسطيني فقط. تقرير يوسف كرواتورو

تلاميذ، الصورة: دويتشه فيله
تلاميذ

​​

أما صورة الإنسان العربي في الكتب المدرسية الإسرائيلية التي تهيمن عليها الأفكار التقليدية والأحكام المسبقة فلم يعرها أحد أي انتباه يذكر. بيد أن معهد جورج إيكرت الألماني لأبحاث الكتب المدرسية العالمية يقوم على وجه الخصوص بأداء عمل هام في هذا السياق بعيدا عن كل محاولات التسييس، وذلك بتشجيعه لتقييم المناهج الدراسية تقييما علميا على كلا الجانبين.

مواد تعليمية رجعية

جاءت خلاصة البحث الأخير فيما يتعلق بالمواد التعليمية في المدارس الإسرائيلية الذي أجرته أستاذة التربية الإسرائيلية روت فيرر بتكليف من المعهد سابق الذكر مثيرة للقلق. فطبقا للمعلومات التي أفادتنا بها فيرر، فإن النهج التربوي الذي نجده في المدارس الإسرائيلية حاليا أكثر ما يكون رجعية. فهو يولى القيم مثل حب الوطن مثلا اهتماما أكبر بكثير من التربية التي تقوم على السلام، ولا نجد في المدارس الإسرائيلية محاولة ما لتفهم نظرة الفلسطينيين إلى الأمور إلا نادرا جدا.

ومن هذا الاتجاه المتبع تشتكي الآن أيضا أستاذة التربية نوريت بيليد-الحنان من القدس. إذ أنها عثرت في بعض كتب الجغرافيا والتاريخ التي تدرس في هذه الآونة في المدارس الإسرائيلية ما يثير الفزع: فإن الخط الحدودي الأخضر مع الضفة الغربية قد اختفى من كتب عديدة تم إجراء الأبحاث عليها.

تقدم الكتل الاستيطانية الإسرائيلية التي تقع وسط الأراضي الفلسطينية على أنها أراض إسرائيلية، وليس من النادر أن تستبدل التسمية الصحيحة لهذه الأراضي "أراضي السلطة الفلسطينية" بالمصطلحين "يهودا والسامرة" المذكورين في التوراة ـ ظاهرة تعتبرها بيليد-الحنان إشارة واضحة إلى كون الضم المتسلل لأجزاء من الأراضي الفلسطينية قد بات راسخا متغلغلا في صميم الفكر الإسرائيلي.

سيادة النماذج السلبية

حتى الدراسات حول الوضع النفسي لتلاميذ المدارس الإسرائيلية تكاد تكون منعدمة في السنوات الأخيرة. ما يثير الانتباه في هذه الآونة في إسرائيل هي دراسة يجريها أساف شارابي المختص في علم النفس الاجتماعي، الذي يحضر رسالة الدكتوراة حول صورة الإنسان العربي لدى التلاميذ الإسرائيليين في كلية لندن للاقتصاد "London School of Economics".

كان شارابي قد طلب عام 2003 من ما يزيد عن مائة تلميذ إسرائيلي في الصف السادس من مدارس مختلفة أن يضعوا أنفسهم في موقف الأطفال الفلسطينيين وأن يقوموا بعدها بتشخيص تصوراتهم كتابيا وصوريا.

وكانت نتيجة البحث أن النماذج السلبية التي تسود في الأوساط اليهودية الإسرائيلية بشأن الإنسان العربي قد تغلغلت بشكل قوي في صدور الأطفال الإسرائيليين. في حين يهيمن مزيج من الكراهية والخوف والتنافر والحيرة على طابع العلاقات مع الفلسطينيين ـ غير أنه يجدر الأخذ بعين الاعتبار أن إجراء هذه الدراسة قد تزامن مع كون العمليات الانتحارية أمر يومي مروع داخل الأراضي الإسرائيلية في ذلك الحين.

يتصور طفل إسرائيلي في الثانية عشرة من العمر ما يدور في ذهن طفل فلسطيني في سنه على هذه النحو المفزع:

"أود حين أكبر أن أقتل اليهود بالمتفجرات. هتلر قدوتي. اليهود جنس بشري قذر. تعلمت في المدرسة كيفية تعطيل فاعلية القنابل. رسمت في حصة الرسم يهوديا مشنوقا. وفي حصة الرياضة تعلمنا طريقة العبور من حقل ألغام. الصراع مع الإسرائيليين جيد بالنسبة لنا، لأنه لا ضير علينا من أن يموت فلسطيني ما، فهو إن مات فسوف يلقى خمسة أو ستة من اليهود حتفهم في ذات الوقت. حتى في البيت أوصيت بقتل اليهود. إلى اللقاء في القبر!"

أحلام طفولية بعيدة عن الطفولة

وما لا يقل عن ذلك هولا كان تصور تلميذ آخر يصف لنا حلم طفل فلسطيني: "أدخل في حلمي إلى إسرائيل وأقتل يهودا. وهذا جيد، لأن الضحايا عندنا تكاد تكون منعدمة، بغض النظر عن هؤلاء الذين يقومون بالعمليات الاستشهادية والذين أكن لهم فائق الاحترام، في حين يتكبد اليهود خسائر بشرية كبيرة من القتلى والجرحى."

في شخصية القائم بعملية انتحارية يتبلور، وهذا ما أتت به الدراسة، نموذج تقليدي يورد الأطفال الإسرائيليون لدوافعه نماذجا تعليلية بسيطة، كما يفعل البالغون بالمناسبة أيضا.

"أنا أريد أن أكون شهيدا"، كما كتب أحد الأطفال، "لأنني سأحصل في الجنة على اثنتي وسبعين حورية وسأحظى كل يوم بسعادة كبرى."

إن التفكير التقليدي للأطفال الإسرائيليين لم يفاجئ أساف شارابي. وهو يولي أهمية أكبر بكثير لحقيقة أخرى تمكن من العثور عليها في دراسته، ألا وهي أن الأطفال الإسرائيليين يبدون أيضا تفهما للظروف الحياتية لدى الفلسطينيين.

بحيث أن لديهم شعور بالذنب بسبب سلوك أبناء بلدهم في الأراضي الفلسطينية، ولكنهم أيضا ينظرون في الوقت ذاته إلى العمليات الانتقامية على أنها ضرورة لا بد منها. ومن جهة أخرى يتوقون إلى الهدوء والسلام، ولكنهم يشكون فيما إذا كان تحقيقهما أمرا واقعيا فعلا. ويضفون صفة العنف على الفلسطينيين، غير أنهم يشعرون بالشفقة تجاههم في ذات الوقت لتعرضهم لاضطهاد الإسرائيليين.

وما يبعث الأمل على كل حال هو اعتبار الأطفال الإسرائيليين لانتهاك حقوق الفلسطينيين الأساسية الدافع الرئيسي للجوء الفلسطينيين إلى القيام بأعمال عنف. هذا وقد لاقت دراسة شارابي في الآونة الأخيرة اهتماما بالغا لدى وسائل الإعلام الفلسطينية.

يوسف كرواتورو، حقوق الطبع قنطرة 2005
ترجمة مصطفى السليمان

مقال عن معهد جورج إيكرت هنا
موقع معهد جورج إيكرت هنا