الاستفادة من ثقافة الغرباء

يعيش في ألمانيا أكثر من 7 مليون شخص ليسوا من أصل ألماني. وحاول المؤتمر الثقافي الاتحادي الثاني في برلين توجيه الأنظار إلى الفرص والإمكانيات التي تنطوي عليها هذه الظاهرة.

الاستفادة من ثقافة الغرباء
المؤتمر الثقافي الاتحادي الثاني يبحث الفرص الكامنة في ثقافة المهاجرين

تستقطب ألمانيا منذ وقت طويل مئات الآلاف المهاجرين. بيد أن مفهوم سياسة الاندماج لم يُنظر إليه حتى الآن إلا كونه توجيه وتنظيم الهجرة إلى ألمانيا من حيث شئون العمل والنواحي الاجتماعية في المقام الأول. ولم تتطور في المقابل مفاهيم ثقافية إلا نادراً. وهو خطأ على حد وصف منظمي المؤتمر الثقافي الاتحادي الثاني في برلين. وهما المركز الاتحادي للتثقيف السياسي، وجماعة الشئون الثقافية. تابعت المؤتمر "سيلكه بارتليك.

تهرّب المرء في ألمانيا من تناول هذا الموضوع لمدة طويلة. المهاجرون، ما هم إلا عمال أجانب يبقون بضع سنوات ثم يرحلون. أناس تقتصر صلاتهم على مكاتب العمل والشئون الاجتماعية، أما عدا ذلك فليس لهم اختلاط إلا بأبناء وطنهم – في مناطق لها طابع عرقي مماثل لأصلهم داخل المدن الكبيرة. أما الواقع الفعلي فهو حقاً مختلف تماماً. يبقى المهاجرون وتزداد معدلات الهجرة عالمياً.

يعيش في ألمانيا وحدها في الوقت الحاضر أكثر من 7 مليون شخص ليسوا من أصل ألماني. ويحاول المؤتمر الثقافي الاتحادي الثاني في برلين توضيح ضرورة عدم اعتبار هذا مجرد مشكلة، وإنما النظر أيضاً إلى الفرص والإمكانيات الكامنة التي تنطوي عليها هذه الظاهرة. ولا يتجاهل المنّظمان أن سياسة الاندماج هي تحد كبير للمجتمع كله. ويقول توماس كروغر، رئيس المركز الاتحادي للتثقيف السياسي:
"يمكن ملاحظة حركات التجوال في كل مكان في العالم، وتكمن التحديات التي تواجه مجتمع الغالبية، بخصوص المجموعات التي هاجرت إليه، في أن لها دائماً طابع مختلف. ولكن لها كلها مشكلة عامة تتمثل تحديداً في مشكلة التفاهم. يمكن أن يتحقق التفاهم عن طريق اكتساب معرفة أكثر، وكما نقول، عن طريق تقنيات ووسائل ثقافية تستهدف كيفية تعامل المرء مع غيره بعدل وإنصاف، واحترام الآخر. كما يمكن أن يتحقق التفاهم في نفس الوقت أيضاً عن طريق التعليم، في الواقع عن طريق اكتساب الكفاءة والقدرة على أداء ذلك، وليس على هيئة مشابهة لتعدد حضاري مستحب."

الحياة والعمل

ويرى أوليفر شايت، رئيس جمعية الشئون الثقافية بأنه يجب أن تبدأ التربية القائمة على التعدد الثقافي في دور الحضانة، وأن تستمر في المدرسة. ولا يكاد يوجد في الواقع تشجيع منظم للمبادرات الأولية المتوفرة في ميدان العمل الثقافي فيما بين الثقافات المختلفة في أحياء المدن، والتجمعات الكنسية، أو مراكز الشباب، كما لا تحظى باهتمام كاف، حيث تكاد تختفي المخصصات المحددة للعمل الثقافي من الموازنات العامة للبلديات والولايات بالكامل ويضيف قائلا: "إننا نشعر في الواقع أن الصراعات العالمية –وقد أصبح كل منا على وعي بها وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول- ليست مجرد صراعات اقتصادية، وإنما يتعلق قدر كبير منها بأمور ثقافية، ودينية، وقناعات مختلفة. ومن هذا المنطلق فإن المواجهات الدائرة هناك تنعكس على الوضع هنا. ومن أجل إيضاح وتفسير وفهم أسباب وجود تلك الصراعات العالمية فلا بد للمرء أيضاً من تناول قضايا أخلاقية. الحضارة هي الكيفية التي يحيا بها الإنسان ويعمل. ولهذا السبب فإن سياسيي الثقافة هم أساساً أولئك الذين يتناولون ويعالجون هذه القضايا. كيف يحيا ويعمل الإنسان؟ وكيف يحيا ويعمل البشر سوياً؟ هذا هو السؤال."

كسر قيود الأحياء المنغلقة

لا يزال الناس من جنسيات مختلفة يعيشون حياتهم ويعملون إلى جوار بعضهم البعض. وظهرت في المدن الكبرى بشكل خاص أحياء سكنية ذات سمات عرقية، وهي تماثل ملاذاً يجتمع فيه المقتلعون من جذورهم. ويرى أوليفر شايت وجوب استخدام هذه الطاقات الاجتماعية والحضارية المجتمعة هنا: "يجب علينا كسر قيود هذه الأحياء المنغلقة على ذاتها، كما يلزم أن نفحص برنامج كل من المنشآت الثقافية على حدة، إن كان ممكناً أن يستوعب هذا الموضوع. ويتمثل أحد الأمثلة البسيطة في وجوب أن تكون لدائرة الشئون الثقافية صندوق تمويل تشجيعي يخصص للعمل الثقافي ولمجموعات الأجانب. كما يجب أن تحتوي المكتبة العامة أيضاً على كتب لطوائف الأجانب المختلفة، أي بلغتها الأم! هذا علاوة على عدم اقتصار مدرسة الموسيقى على تعليم الموسيقى الكلاسيكية الألمانية، وإنما موسيقى البوب أيضاً التي لها دور في الموسيقى العالمية. كما يجب تقديم أنواع أخرى من الموسيقى، كالتركية وغيرها. ويمكن بهذه الطريقة تزويد كافة المنشآت الثقافية دائماً بواجبات، تضاف إلى برامجها ويلزم تنفيذها."

التعلم من الآخرين

ولا شك أنه يمكننا في هذا الصدد أن نتعلم من الدول المجاورة لنا، مثل هولندا، والسويد أو بريطانيا، التي لجأت قبلنا بوقت طويل، نظراً لأسباب اقتصادية، إلى اتخاذ إجراءات اندماجية. ويمكن للمرء كذلك أن يتعلم من هؤلاء الشباب، الذين يتغلبون على الحدود بالموسيقى، كما يقول أوليفر شايت: "إننا نشهد اختلاط الحضارات في الموسيقى العالمية وفي الرقص أيضاً. وتنشأ عن خليط الحضارات عندئذ أشياء رائعة. أنواع موسيقية جديدة، وأنواع رقص جديدة، تتحول حتى إلى منتجات يتم تصديرها. أي أن هذه الأشكال تحفل بأكثر من مجرد بعد اجتماعي أو فني، بل أنها تضم بعداً اقتصادياً ثقافياً، إذا قام به المرء بطريقة سليمة."

إن هذا المؤتمر الثقافي الاتحادي الثاني يطرح الكثير من المحفزات، التي لا يلزم سوى استيعابها وتطبيقها. وتأمل الجهات المنظمة، على أية حال، في تزايد أعداد الناس والمنشآت التي تقبل على تناول موضوع العلاقات بين الثقافات، وأن لا يتردوا، بسبب المشاكل المالية، في الخمول والسبات.

زيلكه بارتليك، دويتشه فيلله، يونيو/حزيران 2003
ترجمة حسن الشريف