كيف نجت تونس بربيعها؟!

من شأن تجربة تونس الفذة إخراج العرب من فضحيتهم التاريخية الاستبدادية. نجت تونس بربيعها من براثن الفوضى الدامية ومن حكم العسكر، لكن هذا لا يعني أنها معفية من الأزمات. تحليل فرج العشة لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: فرج العشة

بينما فشلت "ثورة 25 يناير" المصرية في استحقاق الحكم الديمقراطي المدني وآلت إلى الحكم العسكري الاستبدادي وسقطت ليبيا في العنف والفوضى وغرقت سوريا في حرب الجميع ضد الجميع وتضخمت تعاسة اليمن بالحرب في الداخل ومن الخارج بفائض الدماء والجوع والكوليرا، وحدها تونس على ما يبدو نجت بربيعها...كيف ذلك؟!

على إيقاع حراك سياسي ومجتمعي مدني حيوي متفاعل في أجواء من الفرح بالحرية نال التوانسة استحقاق فريضتهم الغائبة (الديمقراطية)، ومفتتحها انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي أسفرت عن فوز حركة النهضة (الإسلامية) بالأغلبية غير المطلقة من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي. لكنها تمكنت من الحكم شراكةً في إطار تحالف ثلاثي (ترويكا) غير مسبوق عربياً يجمع بين إسلاميين وعلمانيين (معتدلين). 

ترأس الحكومة حمادي الجبالي عن حركة النهضة وانتخب مصطفى بن جعفر عن (التكتل الديمقراطي) رئيساً للمجلس الوطني التأسيسي والمنصف المرزوقي عن (المؤتمر من أجل الجمهورية) رئيسا (فخرياً) للجمهورية. وفي مواجهة حكم الترويكا  ظهرت معارضة برلمانية قوية من تكتل القوى اليسارية والقومية، علاوة حركة "نداء تونس" التي بدت غطاءً لعودة حزب التجمع الدستوري الحاكم سابقًا والمُنحل بموجب قانوني. 

وبالطبع لم تكن الانتخابات معياراً حاسماً للدلالة على نجاعة "الربيع التونسي". لأن الانتخابات ليست جوهر الديمقراطية إنما مظهر من مظاهرها، بينما جوهرها يتمثل في إقامة مؤسسات دائمة تجسد القيم الديمقراطية المبنية على منظومة قوانين دستورية مستمدة من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتفصيلها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وغيرها من مواثيق الحقوق الإنسانية الكونية ذات الصلة. 

تخبط طبيعي في أزمات سياسية متصاعدة

كان من الطبيعي لتونس، الطالعة لتوها من عقود الاستبداد السياسي على قاعدة اقتصاد راكد ينخره الفساد وأوضاع معيشية متردية، أن تتخبط في أزمات سياسية متصاعدة عبر عدة حكومات قصيرة الأجل في خضم تضارب الرؤى الإيديولوجية المتصارعة، وفي جوهرها التنازع الإيديولوجي العدائي بين الإسلاميين والمعارضة العلمانية. 

التنازع الذي انتقل من مجال السجال السياسي تحت قبة البرلمان وفضاء الرأي العام إلى التحشيد والتحشيد المضاد للأنصار في الشارع، وحيث الأوضاع الأمنية والاقتصادية تزداد سوءاً بتواتر الهجمات الإرهابية، ثم الاغتيالات السياسية على جاري اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في فبراير 2013 وفيما بعد اغتيال النائب محمد البراهمي في يوليو 2013. الأمر الذي أجج احتجاجات شعبية واسعة، عمادها مناصرو أحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدني.

منتخِبة عند صندوق الاقتراع في تونس.
الانتخابات ليست جوهر الديمقراطية بل مظهراً من مظاهرها: لم تكن الانتخابات معياراً حاسماً للدلالة على نجاعة "الربيع التونسي". لأن الانتخابات ليست جوهر الديمقراطية إنما مظهر من مظاهرها، بينما جوهرها يتمثل في إقامة مؤسسات دائمة تجسد القيم الديمقراطية المبنية على منظومة قوانين دستورية مستمدة من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتفصيلها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وغيرها من مواثيق الحقوق الإنسانية الكونية ذات الصلة.

{الانتخابات ليست جوهر الديمقراطية إنما مظهر من مظاهرها، بينما جوهرها يتمثل في إقامة مؤسسات دائمة تجسد القيم الديمقراطية المبنية على منظومة قوانين دستورية مستمدة من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيرها من مواثيق الحقوق الإنسانية.}

حمّل قادة المعارضة العلمانية حكومة حركة النهضة المسؤولية السياسية عن عمليات الاغتيال وهناك من أتهمها بالتورّط فيها. حجوزات السياحة وانسحاب الاستثمارات. سقطت حكومة حمادي الجبالي وجاءت حكومة علي العريّض (النهضة) التي سرعان ما واجهت أزمة سياسية حادة على إثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي عندما قاطع نواب المعارضة أعمال المجلس الوطني التأسيسي فتعرقلت عملية صياغة الدستور الجديد، وارتفع منسوب غليان الشارع المعارِض بالسخط والغضب في مظاهرات واعتصامات متواصلة تطالب بإسقاط الحكومة المحسوبة على حركة النهضة، بل أن شعار الثورة الرئيس عاد هتافه يتردد:"الشعب يريد إسقاط النظام".

لم تتدخل القوة الصلبة (الجيش) بل القوة الناعمة (المجتمع المدني)

كانت الأجواء تنذر بانجراف الوضع إلى العنف والفوضى. ولم يعد من الممكن إنتاج حلّ بواسطة فرقاء الأزمة السياسية وقد دخلت في طور الاستعصاء. لم يتدخل الجيش (القوة الصلبة) ولكن تدخلت القوة الناعمة للمجتمع المدني من خلال "اللجنة الرباعية للحوار الوطني" المُشكّلة من أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل (500000) عضو، ورئيسة "الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية"، وعميد "الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين"، ورئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان". 

فرضت اللجنة الرباعية بثقلها النقابي الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي على قادة القوى السياسية (موالاة ومعارضة) القبول برعايتها لحوار وطني، لأجل اجتراح حل واضح وحاسم يجنب البلاد الانجراف إلى العنف والاحتراب الداخلي، ويقودها عبر خارطة طريق متفق عليها في إجراءات محددة إلى التوافق على الدستور الجديد وتشكيل حكومة حيادية مؤقتة تُشرف على إقامة انتخابات عامة تشريعية ورئاسية. وهو ما تحقق. 

فازت حركة "نداء تونس" بالمرتبة الأولى بواقع 85 مقعدًا من أصل 217، فبدا كأن التصويت لصالحها عقابا من الناخبين لحركة النهضة التي حظيَتْ بـ 69 مقعداً. وقد فاز برئاسة الجمهورية التونسية البورقيبي المخضرَّم باجي قائد السبسي زعيم "حركة نداء تونس" الموصفة لدى القوى الثورية كحركة للثورة المضادة. 

لكن الخصمين اللدودين (ممثليّ الثورة والثورة المضادة) فاجآ الجميع عندما توافقا (تنافعاً) على تشكيل حكومة مشتركة. أما اللجنة الرباعية فسوف تستحق عن جدارة جائزة نوبل للسلام لأنها قدمتْ "مساهمة مصيرية في بناء ديمقراطية تعددية عندما كانت العملية الديمقراطية تواجه خطر الانهيار نتيجة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاغتيالات" وفقاً لتعبير كاسي كولمان فايف رئيسة لجنة نوبل. 

اللجنة الرباعية (المجتمع المدني) في تونس استحقت عن جدارة جائزة نوبل للسلام.
تدخل قوة المجتمع المدني الناعمة في تونس: بُعَيْد ثورة الياسمين كانت الأجواء في تونس تنذر بانجراف الوضع إلى العنف والفوضى. ولم يعد من الممكن إنتاج حلّ بواسطة فرقاء الأزمة السياسية وقد دخلت في طور الاستعصاء. لم يتدخل الجيش (القوة الصلبة) ولكن تدخلت القوة الناعمة للمجتمع المدني فارضةً بثقلها النقابي الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي على قادة القوى السياسية (موالاة ومعارضة) القبول برعايتها لحوار وطني، لأجل اجتراح حل واضح وحاسم يجنب البلاد الانجراف إلى العنف والاحتراب الداخلي. اللجنة الرباعية (المجتمع المدني) قد استحقت عن جدارة جائزة نوبل للسلام لأنها فرضت على قادة القوى السياسية القبول برعايتها لحوار وطني، وقدمتْ "مساهمة مصيرية في بناء ديمقراطية تعددية عندما كانت العملية الديمقراطية تواجه خطر الانهيار نتيجة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاغتيالات" وفقاً لتعبير كاسي كولمان فايف رئيسة لجنة نوبل.

{تدخلت قوة المجتمع المدني الناعمة لمنع انجراف الوضع إلى العنف والفوضى فارضةً بثقلها النقابي الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي على قادة القوى السياسية (موالاة ومعارضة) القبول برعايتها لحوار وطني.}



وهكذا  يجوز الحديث عن "ربيع تونسي" استثنائي، حيث فشل "الربيع المصري" في استحقاق الحكم الديمقراطي المدني وآل إلى حكم عسكري استبدادي وسقطت ليبيا في العنف والفوضى وغرقت سوريا في حرب الجميع ضد الجميع وتضخمت تعاسة اليمن بالحرب في الداخل ومن الخارج بفائض الدماء والجوع والكوليرا.

وحدها تونس على ما يبدو نجت بربيعها

وحدها تونس على ما يبدو نجت بربيعها، إذ نجحت الطبقة السياسية في تجاوز الاضطرابات السياسية بالتسويات التوافقية للحفاظ على وتيرة مسار التحول الديمقراطي سلمياً. ويرجع ذلك، في تصوري، إلى معطيات خصوصية الحالة التونسية (دولة ومجتمعاً). 

أولاً، تركيبة الجيش التونسي بعقيدته العسكرية مخالفة لدور المؤسسة العسكرية المصرية والليبية واليمنية والسورية. فالجيش التونسي تشكّلت عقيدته الاحترافية مع دولة الاستقلال تحت سلطة مدنية، ولم يُحسب له أي تدخل أو نفوذ في الحياة السياسية. 

لذلك رفض قائد الجيش الجنرال بن عمار أوامر الرئيس بن علي القاضية بإشراك الجيش إلى جانب قوات الأمن في قمع الاحتجاجات، كما رفض فكرة الاستيلاء العسكري على مقاليد الدولة، قائلاً: "قيل لي إذا لم تتسلم أنت السلطة فحزب النهضة سيتسلمها، فقلت لهم أحب أن يكون بلدي ديمقراطيا وفيها الحريات...لنجري الانتخابات وتأتي النهضة أو غيرها".

 

وثانياً، بينما نجد شرعية الحكم المصري المستمد من انقلاب البكباشي عبد الناصر باسم "ثورة 23 يوليو"، وشريعة حكم العقيد القذافي المستمد من انقلابه العسكري في الفاتح من سبتمبر 1969، وشرعية حكم الفريق حافظ الأسد الانقلابي المورَّث عائليا وطائفياً لابنه بشار طبيب العيون، فإن الحبيب بورقيبة جاء للحكم مؤسساً تونس الحديثة من النضال السياسي المدني، زمن تصفية الاستعمار في منتصف القرن العشرين. 

 

كان بورقيبة محامياً. درس في فرنسا وتزوج أثناء دراسته بفرنسا من فرنسية أرملة كولونيل في الجيش الفرنسي. وهو لم يكن ديمقراطياً بطبيعة الحال. كان ديكتاتوراً علمانياً (حداثياً) مولعاً بأتاتورك الذي فرض على الأتراك حداثة فوقية بإيديولوجية علمانية متطرفة لا تفصل الدين عن الدولة فحسب، إنما تتعمد اجتثاثه من المجتمع. بينما كانت رؤية بورقيبة العلمانية إصلاحية تقر دستورياً بالإسلام ديناً للدولة.

البرلمان التونسي.
توافق خصمين إيديولوجيين لدودين برعاية المجتمع المدني: الخصمان اللدودان حركة النهضة الإسلامية وحركة نداء تونس العلمانية (ممثلتا الثورة والثورة المضادة) فاجأتا الجميع عندما توافقتا (تنافعاً) على تشكيل حكومة مشتركة.

{تجربة تونس الديمقراطية الفذة من شأنها إخراج العرب من فضحيتهم التاريخية الاستبدادية. نجت تونس بربيعها من براثن الفوضى الدامية كما في ليبيا وسوريا واليمن، ومن حكم العسكر كما في مصر، لكن هذا لا يعني أن تونس معفية من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصاية.} 

وهو وإن أمر بإغلاق الجامعة الزيتونية وأبطل التعليم فيها أحدث باسمها جامعة عصرية تقوم على التعليم المجاني والإلزامي الموحد بمناهجه الحديثة النوعية باللغتين العربية والفرنسية حيث خصصت الدولة نسبة ثلاثين بالمائة من الميزانية للتعليم مقابل تدني ميزانية الدفاع والأمن.

وهكذا لعقود تشكّل المجتمع التونسي من منظور رؤية بورقيبة للعلمانية والتحديث العصري. توسعت طبقة وسطى وتقوت في مدن الساحل والوسط حيث تمتعت النساء بحقوق عصرية تقدمية مجافية للفقه الذكوري فيما بَقِيَتْ أرياف الجنوب وحواضره مهمشة تنموياً ومحافظة اجتماعياً وتنزح سكانياً إلى أحزمة البؤس حول المدن الكبرى بمزيد البطالة. 

عقلانية خطاب الإسلام السياسي التونسي

ثالثاً، خطاب الإسلام السياسي التونسي لحركة النهضة مفارق، من عدة نواحي مائزة، للخطاب الإخواني المصري التقليدي وفروعه في ليبيا وسوريا واليمن ألخ. مصادر الفقه الديني المحلي لفكر حركة النهضة متأتية من الإسلام الزيتوني نسبة إلى جامع/ جامعة الزيتونة (تأسست عام 737 م ـ 120هـ). من أعلامها التاريخيين ابن خلدون. 

واحتضنت في العصر الحديث رموزاً بارزة في حركة الإصلاح الإسلامي التنويري مثل عبد العزيز الثعالبي (1876 م - 1944 م) داعية الإصلاح الديني والتجديد الحضاري ومقاومة الاستعمار. والطاهر الحداد (1899 ـ 1935) صاحب كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع". محمد الطاهر بن عاشور (1879-1972) صاحب كتاب "تفسير التحرير والتنوير"، وإليهم الشيخ/ الشاعر الفذ أبو القاسم الشابي (1909 - 1934م) صاحب: إذا الشعب يوما أراد الحياة/ فلابد أن يستجيب القدر (نشيد الربيع العربي). 

ثم أن قيادات حركة النهضة وكوادرها تلقوا تعليمهم في معاهد وجامعات دولة بورقيبة العلمانية. وزدّ على ذلك عاش الكثير منهم في الغرب لاجئين سياسيين لسنوات طويلة متعاطين مع الحياة والثقافة الفرنسية أو الإنكليزية. وبذلك لم يكونوا تنظيما منغلقا على غموضه كما هو حال محفل المركز الإخواني في مصر. 

رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي.
"لا تسمونا إسلاميين بل ديمقراطيين مسلمين": تنبهت حركة النهضة إلى مآل نكبة إخوان مصر. فلجأت سيما بعدما خسارتها الانتخابات لصالح حركة "نداء تونس" إلى مراجعة تصوراتها الشمولية لتغيير المجتمع لتفرض التغيير على نفسها كي يقبلها المجتمع، معلنة، في مؤتمرها العام عن توجهها للخروج "من الإسلام السياسي لتدخل في الديمقراطية المسلمة".

{امتازت قيادة حركة النهضة بعقلانية سياسية براغماتية تمكنها من تقديم التنازلات وعقد التسويات ومرونة التراجع وحتى مراجعة إيديولوجيتها.}

امتازت قيادة حركة النهضة بعقلانية سياسية براغماتية تمكنها من تقديم التنازلات وعقد التسويات ومرونة التراجع وحتى مراجعة إيديولوجيتها. فعندما اغترت بقوتها بعد وصولها للحكم في انتخابات أكتوبر 2011 أظهرت لخصومها العلمانيين نزوعها إلى تسييد مشروعها الإيديولوجي الديني في هياكل الدولة ومفاصل المجتمع برسم الأسلمة، فقامت ضدها موجات احتجاج سياسي واجتماعي واسعة من أحزاب المعارضة العلمانية ومنظمات وهيئات المجتمع المدني، وفي الطليعة النساء التونسيات اللواتي خشين أن يخسرن مكتسباتهن التحررية المصانة بالتشريعات والقوانين التقدمية عبر نصف قرن. 

"لا تسمونا إسلاميين بل ديمقراطيين مسلمين"

ثم أن حركة النهضة تنبهت إلى مآل نكبة إخوان مصر. فلجأت سيما بعدما خسارتها الانتخابات لصالح حركة "نداء تونس" إلى مراجعة تصوراتها الشمولية لتغيير المجتمع لتفرض التغيير على نفسها كي يقبلها المجتمع، معلنة، في مؤتمرها العام عن توجهها للخروج " من الإسلام السياسي لتدخل في الديمقراطية المسلمة". 

وتسمية "الديمقراطية المسلمة" مستقاة من أدبيات حزب العدالة والتنمية التركي. بل نجد راشد الغنوشي يصرح: "لا تسمونا إسلاميين بل ديمقراطيين مسلمين ..." وهي عبارة مأخوذة، حتى لا نقول مسروقة، حرفياً من تصريح لعبد الله غول شريك إردوغان في حركة الانقلاب الإيديولوجي على جناح القيادة الإخوانية التقليدية لحزب "الفضيلة" المعروفين بأصحاب اللِّحى وتأسيس حزب (العدالة والتنمية) الملتزم بعلمانية الدولة، حيث قال غول أثناء المنافسة الانتخابية عام 2002: "لا تسمونا إسلاميين. نحن حزب أوروبي محافظ حديث.لا نعترض إذا وُصِفْنا بأننا ديمقراطيون مسلمون، على غرار الديمقراطيين المسيحيين في الأقطار الأوروبية الأخرى".

 الجنرال رشيد عمار قائد أركان الجيش التونسي.
"أحب أن يكون بلدي ديمقراطيا": رفض قائد الجيش الجنرال بن عمار أوامر الرئيس بن علي القاضية بإشراك الجيش إلى جانب قوات الأمن في قمع الاحتجاجات، كما رفض فكرة الاستيلاء العسكري على مقاليد الدولة، قائلاً: "قيل لي إذا لم تتسلم أنت السلطة فحزب النهضة سيتسلمها، فقلت لهم أحب أن يكون بلدي ديمقراطيا وفيها الحريات...لنجري الانتخابات وتأتي النهضة أو غيرها".

{رفض الجيش التونسي إشراك الجيش إلى جانب قوات الأمن في قمع الاحتجاجات، كما رفض فكرة الاستيلاء العسكري على مقاليد الدولة.}

والشاهد في الختام أن نجاة تونس بربيعها من براثن الفوضى الدامية كما في ليبيا وسوريا واليمن، أو حكم العسكر الشنيع كما في مصر، لا يعني أنها معفية من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكنها تبقى في كل الأحوال تجربة فذة لخروج العرب من فضحيتهم التاريخية (طبائع الاستبداد الشرقي)، وهي تتجه نحو قوننة وثيقة الحريات السياسية التي تتجاوز مفاهيم الإصلاح، والتحديث، وثنائية الأصالة والمعاصرة، إلى مشروع التأسس السوسيوثقافي في مفهوم الحداثة وما بعدها.

 

 

فرج العشة 

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

فرج العشة كاتب ومحلل سياسي ليبي. 



 

الرئيس التركي السابق عبد الله غول والرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان.
تسمية "الديمقراطية المسلمة" مستقاة من أدبيات حزب العدالة والتنمية التركي: نجد راشد الغنوشي يصرح: "لا تسمونا إسلاميين بل ديمقراطيين مسلمين ..." وهي عبارة مأخوذة، حتى لا نقول مسروقة، حرفياً من تصريح لعبد الله غول شريك إردوغان في حركة الانقلاب الإيديولوجي على جناح القيادة الإخوانية التقليدية لحزب "الفضيلة" المعروفين بأصحاب اللِّحى وتأسيس حزب (العدالة والتنمية) الملتزم بعلمانية الدولة، حيث قال غول أثناء المنافسة الانتخابية عام 2002: "لا تسمونا إسلاميين. نحن حزب أوروبي محافظ حديث.لا نعترض إذا وُصِفْنا بأننا ديمقراطيون مسلمون، على غرار الديمقراطيين المسيحيين في الأقطار الأوروبية الأخرى".

{تسمية "الديمقراطية المسلمة"، أي: تسمية "الديمقراطيين المسلمين" بدلا من تسمية "الإسلاميين": مستقاة من أدبيات حزب العدالة والتنمية التركي الملتزم بعلمانية الدولة.}