ميليشيات عسكرية سودانية بزعامة حميدتي أداة للثورة المضادة

قد يصبح خلفاء ميليشيات الجنجويد -السيئة السمعة- الطرف الثالث الضاحك في آخر مطاف صراع المتظاهرين مع الجيش من أجل إقامة دولة مدنية سودانية. دول خليج استبدادية تشارك في تمويل هذه القوات وهذا يزيد من الشك فيها. تحليل كريم الجوهري من الخرطوم لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Karim El-Gawhary

تفصل في العاصمة السودانية الخرطوم بضعة شوراع فقط ما بين الأمل في السودان الجديد وخطر احتمال عودة السودان القديم مرة أخرى. لقد أقام المتظاهرون مخيَّمهم الاحتجاجي منذ بداية شهر نيسان/أبريل 2019 حول المقر الرئيسي لقيادة الجيش ومنذ ذلك الحين وهم يطالبون من دون ملل أو كلل بحكومة مدنية بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير الذي حكم البلاد فترة طويلة وبعد أن تولى مجلس عسكري انتقالي مصير السودان.

ولكنْ هناك خارج حواجز المتظاهرين، يُحدِّد كلَّ شيء رجالٌ مسلحونٌ. باتت توجد في كلِّ ركن تقريبًا من شوارع الخرطوم شاحنات بيك أب منصوبة عليها مدافع رشاشة، تحمل بعضها لوحات أرقام الجيش النظامي، ولكن معظم هذه الشاحنات خاصة بميليشيات يطلق عليها اسم "قوَّات الدعم السريع".

يشعر المتظاهرون بمعظم القلق من هؤلاء الرجال بزيِّهم المموَّه وبنادقهم الآلية، وذلك لأنَّ "قوَّات الدعم السريع" هذه هي خليفة ميليشيات الجنجويد العربية السيئة السمعة، التي كانت تحتل عناوين الصحف الدولية قبل ستة عشر عامًا عندما كان أفرادها يعيثون قتلًا وسلبًا ونهبًا واغتصابًا في قرى إقليم دارفور السوداني، ويقاتلون المتمرِّدين هناك بالنيابة عن نظام عمر البشير.

لقد قُتل أكثر من ربع مليون شخص في إقليم دارفور، وتم تشريد أكثر من مليوني شخص. واليوم من الممكن أن تتحوَّل خليفتها ميليشيات قوَّات الدعم السريع إلى أكبر وأخطر عدو لهؤلاء الناشطين، الذين يخرجون إلى الشوارع للتظاهر سلميًا من أجل سودان مدني ديمقراطي.

ميليشيات قوَّات الدعم السريع كلاعب رئيسي في الصراع على السلطة

 "في الصراع الحالي على السلطة بين العسكريين والمتظاهرين من أجل مستقبل السودان، تلعب ميليشيات قوَّات الدعم السريع دورًا رئيسيًا في عمليات صنع القرارات"، مثلما يقول الناشط الحقوقي السوداني ماجد معالي، الذي يراقب هذه الميليشيات منذ أعوام. كذلك يقول الصحفي السوداني فيصل صالح مؤكِّدًا: "باتت اليوم ميليشيات قوَّات الدعم السريع ممثَّلة في الخرطوم أكثر من الجيش".

 

حواجز ومتاريس وإطارات محروقة في الخرطوم - السودان - 03 / 06 / 2019. Foto: Getty Images/AFP
Brennende Barrikaden gegen marodierende Milizen: Nach Angaben von Aktivisten hatten Polizisten und RSF-Mitglieder in Khartum eine Sitzblockade von Demonstranten umzingelt und mit Tränengas und scharfer Munition versucht, die seit Wochen andauernde Sitzblockade im Zentrum der Hauptstadt aufzulösen. Mindestens fünf Menschen wurden dabei getötet. Die Demonstranten seien einem "blutigen Massaker" ausgesetzt, twitterte das Gewerkschaftsbündnis SPA, die Organisatoren der anhaltenden Massenproteste im Sudan. Das Bündnis rief die Menschen dazu auf, auf die Straßen zu gehen und friedlich zu demonstrieren, um den militärischen Übergangsrat zu stürzen.

 

{"إذا لم ينجح المتظاهرون في الخرطوم في فرض مطالبهم بحكومة مدنية فإن السودان يخاطر بالتحول من دولة عسكرية إلى دولة تقودها الميليشيات" - كريم الجوهري}.

 

يُنظر في الخرطوم إلى أفراد هذه الميليشيات على أية حال كغرباء. يقول فيصل صالح: "إنَّهم يأتون من المناطق الريفية وليس من المراكز الحضرية". ويضيف محلِّلًا: "لقد أتوا إلى العاصمة وأصبحوا مصدر توتُّر". يُنظر إلى زعيمهم محمد حمدان دقلو، المعروف أكثر في السودان باسم "حميدتي"، على أنَّه الرجل النافذ في المجلس العسكري الحاكم حاليًا، حيث يحتل المركز الثاني رسميًا.

يعتقد البعض أن زعيم الميليشيات حميدتي هو الآمر الناهي في المجلس العسكري الحاكم، وليس رئيس هذا المجلس، المسؤول العسكري عبد الفتاح برهان. وفي هذا الصدد يقول الصحفي فيصل صالح بثقة: "على الأرجح أنَّ حميدتي هو العضو الأكثر تأثيرًا في المجلس العسكري. لن يتم إبرام أية اتِّفاقات في السودان من دون توقيعه".

خاض حميدتي حياة مهنية حافلة. فقد ولد في أسرة فقيرة وعمل في السابق راعي إبل، ثم وجد وظيفة في البداية كمحارب مع ميليشيات جنجويد السيئة السمعة، التي أصبح في آخر المطاف زعيمها في دارفور، ثم أصبح الآن رئيسًا لقوَّات الدعم السريع. ولكن بصرف النظر عن محاولته الحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكة، لا يبدو أنَّ لديه أجندة سياسية كبيرة.

يقول فيصل صالح متذكِّرًا الأيَّام الأولى من شهر نيسان/أبريل 2019: "لقد أثبت دائمًا أنَّ لديه غريزة حسنة. فقد رفض في بداية الانتفاضة في الخرطوم ضدَّ عمر البشير سحق الانتفاضة ضدَّ ديكتاتور السودان السابق ولذلك حصل على الثناء من قِبَل المتظاهرين".

صيف قصير من التضامن

غير أنَّ فترة "شهر العسل" بين المتظاهرين وميليشيات قوَّات الدعم السريع كانت قصيرة جدًا. عندما حاول رجال مسلحون في الخامس عشر من أيَّار/مايو 2019 إزالة أحد حواجز المتظاهرين، أطلقوا النار بشكل عشوائي. وأصيب العديد من الأشخاص وسارع المتظاهرون في توجيه أصابع الاتِّهام إلى هذه الميليشيات. "جاءت قوَّات الدعم السريع من أجل إزالة الحواجز. في البداية أطلقوا النار في الهواء، ومن ثم أطلقوا النار بشكل عشوائي على المتظاهرين"، مثلما ذكر شاهد العيان عاطف باقر في حديث مع موقع قنطرة أثناء تلقيه العلاج في المستشفى بسبب إصابته بعيار ناري.

 

 

إنَّ الأشخاص على وجه الخصوص الذين سافروا من دارفور إلى الخرطوم من أجل الانضمام إلى مخيَّم الاحتجاج لم ينسوا حقبة ميليشيات الجنجويد الوحشية. يقول إدريس آدم، وهو واحد من ناشطي دارفور، الذين يجتمعون كلَّ مساء في خيمة احتجاجية خاصة: "عندما أشاهد الآن ميليشيات قوَّات الدعم السريع في الخرطوم، فعندئذ أعود بذكرياتي مرة أخرى إلى المذابح التي حدثت بين عامي 2003 و2005 في دارفور وقد هربتُ منها في تلك الأيَّام". تقول حليمة إسحاق، وهي ناشطة أخرى من دارفور: "قوَّات الدعم السريع هي أداة في يدِّ النظام القديم ويجب حلها بالكامل. ووجودها في العاصمة أمرٌ غير مقبول تمامًا".

غير أنَّ الناشط الحقوقي ماجد معالي يُحذِّر قيادة المتظاهرين السياسية من شيطنة قوَّات الدعم السريع بشكل تلقائي. ومع ذلك فقد وضع حسابًا بسيطًا. وحول ذلك يقول مبرِّرًا: "على الرغم من أنَّهم أقوياء، ولكن لا توجد لديهم أية أجندة سياسية حقيقية من أجل مستقبل السودان. نحن لا يمكننا هزيمتهم. ولذلك فإنَّ الفرصة الوحيدة هي الدخول معهم في حوار".

مرتزقة دول الخليج

تنبع قوةُ خليفةِ ميليشيات الجنجويد من مشاركتها في حرب اليمن، حيث يتم استخدامها هناك من قِبَل دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية كقوَّات برِّية مرتزقة ضدَّ المتمردين المسلحين الحوثيين. وقد منحهم هذا الكثير من المال وبالتالي المزيد من السلطة في السودان. قد يجعل هذا من ميليشيات قوَّات الدعم السريع في الصراع على السلطة في السودان أيضًا أداة منصاعة للمستبدين الخليجيين، الذين ليست لديهم أية مصلحة في وجود تجربة ديمقراطية في السودان.

تحاول دول الخليج التأثير من خلال العديد من الطرق، ولكن على الأرجح أنَّ قوَّات الدعم السريع هي أداتهم الأكثر أهمية. والخليجيون يعرفونها من حرب اليمن، حيث تحصل على الأسلحة والمال.

يقول الصحفي فيصل صالح واصفًا الأوضاع إنَّ علاقات دول الخليج مع قوَّات الدعم السريع أقوى من علاقاتها مع الجيش السوداني. ويضيف أنَّ الدور الذي سيلعبه في المستقبل حميدتي وميليشياته في الصراع على السلطة في السودان  يتوقَّف على طموح حميدتي الشخصي ونفوذه الإقليمي. وبما أنَّ أوَّل زيارة إلى الخارج قام بها حميدتي في منصبه الجديد كنائب لرئيس المجلس العسكري السوداني كانت إلى المملكة العربية السعودية، حيث التقى بالذات بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المثير للجدل، فإنَّ هذا يجل أجراس الإنذار تدقُّ لدى المتظاهرين في الخرطوم.

ولكن من المحتمل أن يكون هناك عنصر أوروبي مشارك في دعم ميليشيات قوَّات الدعم السريع. إذ يحاول الاتِّحاد الأوروبي ضمن إطار ما يعرف باسم "عملية الخرطوم" حماية الحدود من المهاجرين في مناطق جنوبية أبعد داخل أفريقيا. وفي هذه العملية، تدفَّقت أيضًا أموال إلى السودان.

 

 

 

{"علاقة دول الخليج مع قوات الدعم السريع أقوى من علاقاتها مع الجيش السوداني ... وتتسم هذه الميليشيات بسمعة سيئة بسبب انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان في دارفور" - صحفي سوداني}

 

لعبة الاتِّحاد الأوروبي المزدوجة

"يقول الاتِّحاد الأوروبي إنَّ هذه الأموال يتم استخدامها من أجل تحسين مستويات معيشة الأهالي في تلك الأجزاء من السودان، التي من المفترض أن توقف تدفُّق المهاجرون. بينما ذهب جزء آخر من الأموال كمساعدة تقنية إلى الأجهزة الأمنية من أجل تأمين الحدود"، مثلما يصف الصحفي فيصل صالح مشاركة الاتِّحاد الأوروبي.

"وعلى الرغم من أنَّ سفير الاتِّحاد الأوروبي في الخرطوم ينكر أنَّ الأموال قد ذهبت مباشرة إلى قوَّات الدعم السريع، لكن لقد تم دفع أموال من أجل تحسين حماية الحدود؛ ومن المحتمل جدًا أن يكون جزءٌ من هذه الأموال قد ذهب إلى قوَّات الدعم السريع، لأنَّ هذه الميليشيات تعمل في المنطقة الحدودية مع ليبيا وتشاد"، مثلما يقول مستنتجًا.

لا توجد أدلة تثبت إن كانت هناك أموالٌ قد تدفَّقت من الاتِّحاد الأوروبي بشكل غير مباشر إلى قوَّات الدعم السريع وكم بلغ حجمها. ولكن يعتقد الكثيرون من السودانيين ضمن سياق ملاحظتهم بأنَّ هناك أموالًا تم دفعها لهذه الميليشيات. "تتسم هذه الميليشيات بسمعة سيِّئة بسبب انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان في دارفور. لذلك من المفهوم أنَّ الناس مصدومون: فمن ناحية يدعو الاتِّحاد الأوروبي إلى احترام حقوق الإنسان، ومن ناحية أخرى من المحتمل أنَّه يشارك في تمويل هذه القوَّات من أجل إيقاف المهاجرين"، مثلما يرى الناشط الحقوقي السوداني ماجد معالي.

إذا كانت هناك أموال من الاتِّحاد الأوروبي قد وصلت في الحقيقة بشكل غير مباشر إلى ميليشيات قوَّات الدعم السريع، فستكون أوروبا قد شاركت في تمويل مزيج متفجِّر إلى حدّ كبير في السودان. وذلك لأنَّ المتظاهرين في الخرطوم إذا لم ينجحوا في فرض مطالبهم بحكومة مدنية، فإنَّ السودان يخاطر بالتحوُّل من دولة عسكرية إلى دولة تقودها الميليشيات.

 

 

 

كريم الجوهري

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

 

 

 

[embed:render:embedded:node:35934]