البعد السياسي للسفر

يبحث علاء الحمارنة الأسباب التي تدفع بالإرهابيين إلى الإعتداء على أهداف سياحية مثلما حصل أخيرا في جزيرة بالي. هل يريدون زعزعة النظام السياسي أم لفت الأنظار إلى قضية معينة؟

لماذا الهجوم على السياح؟ انهم هم الذين يبدون اهتماما بثقافة الغير بصورة أو بأخرى وهم في الوقت نفسه يضخون المال لاحياء الاقتصاد المحلي.

علينا اتباع نهج آخر لفهم ما يجري. إن أي هجوم ارهابي يمكن فهمه كرمز وكأي وسيلة اتصال أخرى. معظم الأعمال الارهابية هي أعمال اجرامية ضد مدنيين. ولكنها في الواقع تنبع من خلفيات وجدالات وأطر مختلفة.

لمحاربة الارهاب بشكل فعال علينا فهمه وتحليله. ان الاجراءات الامنية هي بلا شك ذات أهمية كبيرة ولكنها بالطبع ليست كافية لتكون أساساً للوقاية ضد الإرهاب. الارهاب ضد السياح له إما دافع سياسي او ثقافي.

الارهاب ذو الدافع السياسي

ربما يهدف الارهابيون من خلال أعمالهم الارهابية ضد المدنيين إلى إيصال أربعة رسائل مختلفة:

أولاً: زعزعة النظام السياسي المحلي. تصنف الهجمات الإرهابية في مصر في هذه الخانة. كان الهدف منها كشف الثغرات في الجهاز الأمني وفي سياسة الحكومة وتحديها. في الوقت نفسه كانوا يضربون أحد أكثر القطاعات الاقتصادية أهمية في البلاد.

ثانياً: يريدون لفت الأنظار إلى وضع بعض الأقليات. تدّعي مجموعة "إتا" في اسبانيا على سبيل المثال أنها تمثل مصالح أقلية "الباسك" في اسبانيا. وقد ضربت مجموعات كردية متطرفة في تركيا أماكن سياحية بهدف لفت أنظار العالم إلى مشكلتهم.

ثالثاً: التعبير عن عدائهم لسياسة البلد الذي يأتون منه. ترتبط هجمات جزيرة بالي بشكل واضح بوضع ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وأراد الارهابيون من خلال هجماتهم ضد سياح اسرائليين في مومباسا وضد زائري الكنيس اليهودي في جزيرة جربة التونسية التعبير عن عدائهم لإسرائيل.

رابعاً: الربح المادي. ترتبط عمليات خطف الأوروبيين والاستراليين في اليمن والفليبين بشكل واضح بأهداف مالية. كان الهدف منها جلب المال لتمويل المنظمة الأم للإرهابيين.

يقاس نجاح العمليات الإرهابية ذات الدافع السياسي بنتائجها على المدى البعيد وبالتغطية الإعلامية التي تحظى بها.

الإرهاب ذو الدافع الثقافي

العمليات الإرهابية ذات الدافع الثقافي ليست ظاهرة عادية. يرى بعض المثقفين ان الاهداف السياسية للعمليات الإرهابية المباشرة ضد السياح الأجانب في البلاد العربية والإسلامية لها "طابع" ثقافي.

تم الإشارة في سياق النقاشات الأكاديمية حول الهجمات الإرهابية في مصر عام 1990 ان ثمة عناصر ثقافية لعبت دورا مهما في هذه الهجمات ضد السياح الأجانب في مصر. وكتب صلاح وهاب، أحد المثقفين المصريين: " ربما يشعر النشطاء الإسلاميين ان عليهم القيام بأعمال عنف لمنع ما يعتقدون بأنه يهدد حضارتهم الوطنية وموروثاتهم وعقائدهم الدينية".

ما يفتقده هذا التعليق هو أن ما يسمونه ب "النشطاء" كانوا وما زالوا من أشد معارضي الحكومة المصرية وسياسة الدولة. وأهم أهداف مثل تلك الهجمات هي: أولاً زعزعة الحكومة المركزية سياسياً واقتصادياً. ثانياً مخاطبة جمهور دولي. وكانت الدوافع الثقافية تزداد أهمية منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

وأعطت حدة الهجمات والخلفيات الاسلامية للإرهابيين واستخدام العمليات الانتحارية دعماً لنظرية الخلفية الثقافية لهذه العمليات، إلا أن تقليص الحضارة لدرجة الدين هو أمر مشكوك به وأسلوب مريب.

السياحة – حوار بين الثقافات

ان قنوات الحوار الفعال بين الحضارات هي حقاً محدودة، ولا تشمل معظم المجموعات السكانية. أكثر القنوات انتشاراً تعطي تفاعلاً مباشراً محدودا مثل تكنولوجيا المعلومات (التلفزيون والإنترنت) أو لها منافذ محدودة مثل النشاطات بين الحكومات والتبادل الثقافي. وأخفقت الهجرة الدولية حتى اليوم بإفساح مجال للحوار بين مجتمعات وثقافات بلد الإقامة القديم والجديد.

تعطي السياحة الدولية امكانية زيارة واكتشاف ومعرفة الآخر في وطنه. ان مثل هذا الاحتكاك مهم للغاية اذا اخذنا بعين الاعتبار مثلاً أن ملايين الأوروبيين لازالوا يزورون الدول العربية سنوياً حتى بعد عمليات الاقصر وجربة الارهابية.

يبدو وكأن الارهابيين يخطؤون أهدافهم. بالرغم من النتائج السلبية السياسية والإقتصادية على المدى القصير من الهجمات الارهابية على السياح، الا انه يبدو على المدى البعيد ان الإيديولوجيات المتطرفة المرتبطة بالإرهاب تفقد شعبيتها بشدة.

وإلا فكيف نفسر الهجمات المباشرة على عمال مصريين على محطة باص في شرم الشيخ في يوليو/تموز 2005؟

من ناحية يبدو أن الإرهابيين يطبقون المقولة "ان لم تكن معنا فأنت ضدنا" حرفياً. انها تفترض أن كل انسان يعمل في السياحة الدولية هو ضدهم.

هذا يعني من ناحية أخرى ان الارهاب ضد السياح والسياحة يثير النقاش بشكل غير مباشر في مواضيع التحفظ والتحرر والتسامح في المجتمعات العربية نفسها.

تناول الكحول

صرح الشيخ الطنطاوي، الشيخ في جامع الأزهر، في مقابلة له بعد الهجمات الأخيرة في شرم الشيخ ان "علينا نحن المسلمون المصريون ان نتسامح بمسألة تناول الكحول من قبل السياح الأجانب لانه غير محرم لهم".

السؤال هو ماذا عن المسلمين المصريين وغير المصريين الذين يشربون الكحول؟ ماذا عن هؤلاء الذين يقدمون الكحول؟ هذا يعيدنا الى مشكلة التسامح وارساء الديمقراطية في مجتمعاتنا المحلية ومشكلة تنامي عزل السياح والاماكن السياحية.

ان أغلبية السياح الأوروبيين الذين يأتون الى الدول العربية يحجزون رحلات شاملة. فهم ينزلون في اماكن معزولة بشكل أو بآخر مثل شرم الشيخ والغردقة في مصر وأغادير في المغرب وبور قنطاوي وجربة في تونس والجميرة في دبي حيث الاحتكاك مع السكان المحليين قليل لأبعد الحدود.

وللأسف ازداد هذا العزل بين السياح والسكان المحليين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بحجة الاجراءات الامنية، ولكن هذا العزل لا يعطي الأمان كما لاحظنا في السنوات الثلاثة الأخيرة. بل على العكس. فإن ابعاد السياح الاجانب وعزلهم مكانياً يجعلهم أكثر عرضة للخطر وكنتيجة لذلك يصبحون هؤلاء الذين يعملون في السياحة معزولين أيضاً.

من خلال طريقة الفصل هذه ونتيجة الاجراءات الامنية المهووسة تتأثر صناعة بأكملها فتصبح معزولة هي أيضاً. صناعة تعيش من العلاقات الشخصية ورسالتها تفعيل وتسهيل حوار مباشر للحضارات.

ان عماد السياحة هو الاستقرار السياسي والسلام والأمن والقدرة لإقامة حوار بين مختلف الشعوب بدون قيود فكرية أو مادية.

بقلم علاء الحمارنة
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2005

د. علاء الحمارنة، أستاذ مساعد في مركز أبحاث العالم العربي، قسم الجغرافيا في جامعة ماينتس الألمانية.

قنطرة

تواجد ضعيف للمجتمع المدني في مواجهة التطرف الإسلاموي
بعد الإعتداءات التي شهدتها مصر في الشهور الماضية ازداد الجدل حول مسؤولية منظمات المجتمع المدني في مواجهة الأفكار الإسلاموية المتطرفة التي تتبنى العنف. حوار مع دينا شحاتة حول الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة

علماء الدين والتقاعس عن مواجهة الإرهاب
رُوع العالم في الفترة الأخيرة بهجمات إرهابية، تمت تحت شعار الإسلام. ماهو دور علماء الدين للحد من هذه الظاهرة؟ يجيب عن هذا السؤال ثلاثة من رجال الدين المسلمين