صراع على الأصوات

يدور حاليا في فرنسا صراع بين المرشحة الأشتراكية سيغولين رويال ومنافسها ساركوزي من الحزب الحاكم حول السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط. تقرير كتبه غوتس نوردبروخ.

يدور حاليا صراع بين المرشحة الأشتراكية سيغولين رويال ومنافسها ساركوزي من الحزب الحاكم حول السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط، بهدف الحصول على الأصوات العربية واليهودية. تقرير كتبه غوتس نوردبروخ.

استخدمت الجريدة الفرنسية اليومية "ليبيراسيون" عبارة "زلة لسان علنية" قاصدة بذلك تخبطا مصدره المرشحة الاشتراكية لانتخابات الرئاسة في فرنسا، سيغولين رويال. لم تمض إلا ساعات قليلة على اللقاء الذي جرى بينها وبين نواب برلمانيين لبنانيين لينصب عليها هجوم واسع لاذع. بذلك يكون نزاع الشرق الأوسط قد أصبح قبل أقل من خمسة أشهر فقط على إجراء الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة في نهاية أبريل/نيسان 2007 بؤرة اهتمام الحملة الانتخابية الفرنسية.

مقارنة بلا تعقيب

بناء على أقوال شهود عيان صرح النائب عن حزب الله ،علي عمار، أثناء اللقاء الذي عقد في بيروت بين السيدة رويال والنواب بقوله "ليست النازية التي تتسبب اليوم في إراقة دمائنا وتقوض أعمدة استقلالنا وسيادتنا الوطنية أقل شرا من النازية التي احتلت فرنسا في السابق". منذ ذلك الحين لم يكف الحزب الفرنسي الحاكم عن توجيه اللوم لرويال بتهمة أنها استمعت إلى تلك المقولة المتضمنة مقارنة( بين النازية والسياسة الإسرائيلية) دون أن تعمد إلى التعقيب عليها.

لكن رويال والسفير الفرنسي الذي حضر ذلك الاجتماع أيضا أنكرا أن يكونا قد سمعا تلك المقولة مضيفين بأنهما كانا في تلك الحالة "سيغادران قاعة الاجتماع".

كانت الزيارة التي قامت بها رويال إلى بيروت والقدس وغزة في بداية شهر ديسمبر/كانون الأول أول زيارة من نوعها تقوم بها منذ أن رشحها الحزب الاشتراكي لخلافة الرئيس جاك شيراك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ولم يكن من قبيل الصدفة اختيار المرشحة الاشتراكية المفتقرة للخبرة في حقل السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط كأول محطة لها في جولتها الخارجية.

ذلك لأن تعادل فرصها الانتخابية مع فرص أقوى خصومها وزير الداخلية نيكولا ساركوزي يجعل رسم خطوط السياسة الفرنسية المقبلة حيال الشرق الأوسط مؤشرا مهما إما لكسب أصوات الناخبين أو على العكس التفريط بتلك الأصوات.

علامات تحول

فعلى ضوء قرب انتهاء عهد الرئيس شيراك الذي دام 12 عاما تلوح في الأفق علامات تحول في السياسة الخارجية الفرنسية من شأنها أن تكون محل تنازع شديد بالنظر إلى الأزمات المشتعلة في لبنان والعراق وإسرائيل وفلسطين، خصوصا وأن المسائل المتعلقة بالسياسة الشرق أوسطية ترتبط في فرنسا ارتباطا وثيقا بالجدل القائم فيها على مستوى السياسة الداخلية نفسها.

وقد جرى الحديث في الأيام الماضية مرارا حول ما يسمى بـ "الأصوات العربية" و"الأصوات اليهودية" التي قد تكون كفيلة بترجيح كفة أحد المرشحين في الانتخابات المقبلة.

شيراك العربي

الجدير بالذكر أن ساركوزي الذي ينتمي إلى حزب شيراك الحاكم هو الذي طالب بوضوح أكثر من غيره بتعديل جذري للسياسة الخارجية التي يتبناها شيراك. وجاء في كتاب صدر مؤخرا عن السياسة الفرنسية الشرق أوسطية في عهد شيراك بعنوان "شيراك العربي" بأن الرئيس الفرنسي الحالي يمارس سياسة تجاه هذه المنطقة مبنية على روابط شخصية قائمة بينه وبين عدد من الأنظمة العربية المختلفة.

فقد كانت له صلات وثيقة برؤساء دول وحكومات عربية مثل صدام حسين وحافظ الأسد وحسن الثاني وبرفيق الحريري أيضا، بينما اتسمت سياسته حيال إسرائيل بالتباعد. وما زال كل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء يتذكرون جيدا عبارات الغضب الشديد الصادرة عن شيراك تجاه أفراد الشرطة الإسرائيليين أثناء الزيارة التي قام بها إلى البلدة القديمة للقدس الشرقية في أكتوبر/تشرين الأول 1996.

انتقد ساركوزي هذه السياسة في مناسبات مختلفة، ومن أمثلة ذلك هجومه مؤخرا على السياسة الفرنسية حيال العراق التي رفضها واعتبرها علنا دليلا على "الغطرسة الفرنسية". وقد تزامنت رغبة ساركوزي في تكريس ترابط وثيق بين فرنسا والولايات المتحدة مع الموقف الذي يتبناه تجاه إسرائيل.

وكان قد سبق له أن زار القدس قبل عامين الأمر الذي جعل البعض يأملون في وقوع تغيير قريب في السياسة الفرنسية في هذا السياق. الملاحظ أن ساركوزي لم يقم حتى الآن بزيارة رام الله أو غزة رغم إعلانه عن نيته في القيام بذلك.

ساركوزي: سياسة استعراض القوة

موقف ساركوزي هذا قد يكلفه بعض الأصوات في انتخابات الرئاسة. هذا مع العلم أن هذا السياسي الذي يحتل منصب وزير الداخلية ويتبنى موقفا متشددا للغاية في إطار سياسة الهجرة إلى فرنسا اشتهر لفترة طويلة بكونه "المدافع عن حقوق المسلمين"، علما بأن هذا النعت أثار حتى في داخل نفسه مشاعر الدهشة.

وكان ساركوزي قد لعب دورا مهما في إنشاء المجلس الفرنسي للدين الإسلامي حيث نجح في تحقيق هذا الهدف في ربيع عام 2003 رغم مواجهته لمعارضة صارمة في الداخل. ومن خلال ذلك نجح في تكريس نفسه شريكا للاتحادات الإسلامية في فرنسا.

لكن ثمة خدشا طرأ على هذا الصيت الذي جناه بعد أن عمد إلى ممارسة سياسة استعراض القوة في سياق القلاقل التي وقعت في الضواحي الفقيرة للمدن الفرنسية الكبيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2005 وبعد تأييده الصريح الواضح لإسرائيل أثناء حرب لبنان الأخيرة.

رويال: مواقف متضاربة

أما منافسته الاشتراكية رويال فقد سعت أثناء الجولة التي قامت بها إلى بعض دول الشرق الأوسط إلى تبني سياسة تتسم بالتوازن الكبير. إلا أنها مارست ذلك التوازن على نحو جعل البعض يتهمونها بأنها طرحت في لبنان عكس المطالب تماما التي طرحتها في إسرائيل. يقول المعترضون عليها إنها انتقدت في بيروت تحليق الطائرات العسكرية الإسرائيلية فوق الأجواء اللبنانية فيما أبدت تفهمها لذلك في اللقاءات التي أجرتها في إسرائيل.

وفيما يختص باحتمال إجرائها لقاء مع ممثلي حركة "حماس" ذكرت في لبنان بأنها لا تمانع في ذلك مبدئيا، بينما أصرت في إسرائيل على رفضها للالتقاء بممثلي حركة نعتها ب "الإرهابية".

هذا يعني أن رويال لا تملك هي أيضا في حوزتها "الأصوات العربية". لو ألقينا بالإضافة إلى ذلك نظرة على الفضيحة التي وقعت مؤخرا نتيجة لمقولة أحد السياسيين الاشتراكيين المحليين بأنه "عار على فرنسا" أن تكون أغلبية أعضاء فريق كرة القدم الفرنسي الوطني من السود للاحظنا تزايدا في الأصوات التي أخذت تنتقد المرشحة الاشتراكية رويال وتنفي اعتبارها بديلا حقيقيا ملائما لمنافسها المحافظ ساركوزي في مجالي السياستين الداخلية والخارجية على حد سواء.

بقلم غوتس نوردبروخ
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006