واجهة براقة لواقع بائس

أعلن الرئيس مشرف عن نيته في أن يزج بزوجته في السباق الانتخابي الذي سيجري قريبا على كرسي رئاسة الجمهورية بعد أن ظلت حكومته تتباهى بكونها أفسحت أكثر من أية حكومة قبلها مجالا لمشاركة النساء في المجال السياسي. لكن هل يعود ذلك بالفائدة حقا على نساء البلاد؟ تقرير كتبته شيهار بانو خان.

متظاهرة مؤيدة لحقوق المرأة في باكستان
متظاهرة مؤيدة لحقوق المرأة في باكستان

​​أعلن الرئيس الباكستاني مشرف مؤخرا عن نيته في أن يزج بزوجته في السباق الانتخابي الذي سيجري قريبا في البلاد على كرسي رئاسة الجمهورية بعد أن ظلت حكومته تتباهى بكونها أفسحت أكثر من أية حكومة قبلها مجالا لمشاركة النساء في المجال السياسي. لكن هل يعود ذلك بالفائدة حقا على نساء البلاد؟ تقرير كتبته شيهار بانو خان.

لقد قطعت المرأة الباكستانية طريقا طويلة في مسيرتها التاريخية، ولا تزال أمامها طريق أطول. صراع النساء من أجل الحرية في بلاد حرة يمكن أن يبدو أمرا طبيعيا بالنسبة لكل رفيقاتهن اللاتي يرين أن حقوقهن لا تزال خاضعة لضرب من السلطة الاستعمارية بالرغم من حصول بلدانهن على الاستقلال منذ زمن طويل.

وذلك هو ما تشعر به المرأة الباكستانية في ما يخص وضعها: فعوضا عن الخضوع للإمبريالية البريطانية ترى نفسها واقعة تحت سطوة الحكومة، حيث لا تزال الحرية كما كانت من قبل غاية تنتظر الإنجاز.

حماية النساء من الدعاوى الباطلة

إلا أن هذا الرأي يقابل بالاعتراض داخل الدوائر الحكومية، التي تحيل على التطور الواضح الذي عرفه الحضور النسائي في مراكز السلطة بالبلاد في عهد مشرف. وبيغوم ميهناز رافي عضو الحزب الحاكم التي منحت مقعدا من المقاعد المخصصة للنساء في البرلمان تشيد بالحكومة لكونها عملت منذ الحصول على الاستقلال على تنصيب أكبر عدد من النساء في وظائف إدارية على المستوى الوطني والجهوي والمحلي.

"لم يحدث أبدا أن تواجد مثل هذا العدد من النساء في البرلمان، كما يوجد عدد لا بأس به من النساء العاملات في مجال الإدارة المحلية. بل إن الرئيس مشرف قد تصدى للمجموعات الدينية أيضا عندما عبرت هذه الأخيرة في السنة الماضية عن احتجاجها على اعتماد مرسوم حماية المرأة (Women Protection Bill)"، تضيف ميهناز رافي منوهة بهذا المرسوم الذي من شأنه أن يضمن حماية النساء من الدعاوي الباطلة بتهمة الزنا، والتي تقضي قوانين الشريعة في شأنها بحكم الإعدام.

73 إمرأة في البرلمان

واحدة من عشرات الدراسات السياسية المقارنة الأخيرة والأكثر انتشارا حول مشاركة النساء في أنشطة الحياة السياسية يمكنها بالفعل أن تجعل حكومة الرئيس مشرف تظهر بصورة إيجابية، على الأقل طالما يظل المرء يحصر اهتمامه بالأرقام المجردة. ومع ذلك فما الذي يجعل المرء يمجد حكومة كل هذا التمجيد لا لشيء إلا لكونها منحت حقوقا للمرأة، عندما يكون لأصواتهن نفس الوزن الذي لأصوات الرجال في النهاية؟

حاليا تحتل 73 امرأة مقاعد في مجلس النواب الذي يضم 342 عضوا، وهن نائبات قد تم حصولهن على هذه المقاعد عن طريق نظام تمثيل نِسَبي معقد. وهذا يعني بحسب الأرقام قفزة عددية حقيقية لا ينبغي مع ذلك أن تؤخذ كنقلة نوعية من حيث الأهمية في مسارات أخذ القرارات.

صحيح أنه تم تحديد نسب تمثيل نسوي بـ 17 بالمائة على المستوييين الوطني والجهوي، و33 بالمائة على المستوى المحلي، لكن ذلك لا يعني البتة بأن النساء أصبحن يمارسن العمل السياسي على قدم المساواة مع الرجال. فعلى الدوام يظل المرء يذكرهن بأن حريتهن لا تعدو كونها هبة كريمة من الحكومة الحالية.

"إن النساء لم يبلغن بعد مستوى يخولهن مواجهة عمليات انتخابية باعتماد الاقتراع المياشر"، تقول ميهناز رافي مقللة من أهميتهن. "ونظام الحصص المحددة مسبقا بداية جيدة، لأن الحملات الانتخابية تتطلب جهدا وتمويلات ضخمة. وعليه فإن عملية إدماج المرأة في المشاركة السياسية ينبغي أن تتم بحذر محسوب."

معايير غريبة

أغلب النساء اللاتي ترشحن للانتخابات البرلمانية لسنة 2002 كن من الفئات العليا للمجتمع أو من نخبة الطبقات الوسطى. ويشير تقرير صادر عن برنامج التنمية للأمم المتحدة (UNDP) إلى وجود معايير غريبة توخيت في اختيار المرشحات: "في جميع الأحزاب تقريبا تم اعتماد مقياس المرتبة التي تحتلها المرأة داخل الحزب لتحديد المرشحات" كما يرد في ذلك التقرير. "أما مؤهلاتهن وكذلك مواقفهن وآراؤهن في ما يتعلق بالمسائل الخصوصية للمرأة فتظل ثانوية، وعلاوة على ذلك فقد تضررت عملية الاختيار بالتزويرات واعتبارات الولاءات العائلية."

وسامينا كوركي النائبة في مجلس البرلمان وزوجة رجل سياسة ذي موقع مؤثر تعترف بصراحة وشجاعة بأنها تعمل بصفة كلية تقريبا بتوجيه من زوجها الذي يقود خطاها داخل النسيج المعقد للسياسة. "إن زوجي دليلي الذي أعتمد عليه أكثر من أي أحد. أثناء الانتخابات كان يقف على الدوام إلى جانبي ويساندني"، هكذا تروي امرأة السياسية مؤكدة بذلك خلاصات تحقيقٍٍ آخر لبرنامج التنية للأمم المتحدة، الذي يقر بأن السلطة في باكستان تظل في أيدي أوساط أصحاب الامتيازات ومراكز النفوذ.

إختفاء أسماء النساء

ومما يدعو إلى القلق أيضا هو أن قائمة الناخبين التي نشرتها منذ مدة طويلة لجنة الانتخابات الباكستانية (ECP)، التي أسندت إليها مهمة الإشراف على تنظيم وتسيير الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، قد أقصي منها حوالي 26 مليون مواطن ومواطنة من الذين يحق لهم ممارسة الانتخاب.

في انتخابات سنة 2002 تم تسجيل 71،68 مليونا من المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب، ومن المنتظر حسب التقديرات الإحصائية أن يكون قد انضاف إلى هذا العدد حوالي 10 ملايين من الناخبين خلال السنوات الماضية التي أعقبت سنة 2002. لكن بدلا من ذلك فإنه لن يكون هناك في هذه السنة سوى 56 مليونا ممن تم تسجيلهم في قائمة الناخبين. وتؤكد العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية بأن القسط الأكبر من عدد الذين اختفت أسماؤهم من قائمات الناخبين هم من النساء.

وفي مناطق القبائل الشمالية نسمع بأن ما يقارب الـ 59 بالمائة من النساء المقيمات هناك قد اختفت أسماؤهن من قائمات المرشحين، وفي البنجاب تقدر النسبة بـ 48 بالمائة، و50 بالمائة في مقاطعات أخرى. كما يجد ربع النساء في مقاطعة بالوشستان المتمردة أنفسهن محرومات من حق التوجه إلى صناديق الاقتراع.

والسبب في ذلك لا يكمن في نية مضمرة من طرف لجنة الانتخابات الباكستانية (ECP) لإقصاء النساء، بل يعود ذلك إما إلى أن المعنيات لا يمتلكن بطاقة هوية، أو أن القوى الدينية الأصولية هي التي تمنع النساء من كل مشاركة في أنشطة الحياة العمومية والسياسية. وعلى أية حال فإن المحكمة العليا بباكستان، ونظرا لهذه الفوضى الضاربة، قد قضت بأن يعاد في القريب العاجل ضبط قوائم انتخابية جديدة.

نساء لا مرئيات

لقد مكنت هذه الفضيحة أساسا من جلب الانتباه إلى هاته النساء، ليس فقط بسبب حرمانهن من حقهن الانتخابي، بل لكونهن، وبحكم عدم امتلاكهن لبطاقات هوية، غير موجودات أصلا بالنسبة للحكومة. بم تشعر هاته النساء ياترى؟ هل لديهن على الأقل وعي بما يعود لهن من حقوق مدنية وسياسية؟ "الكلام في السياسة ندعه للأغنياء" تقول راضية المترملة التي تبلغ 35 سنة من العمر، والتي تتحمل أعباء إعالة خمسة أطفال.

"لا مجال لدينا للتلهي بإقامة مقارنات بين بينازير بوتو ومشرف، إذ ما الذي فعل هذا أو تلك من أجلنا؟ وإنه لسواء عندي أكان لي حق في الانتخاب أم لا. ما يهمني هو هل أستطيع أن أطعم أطفالي، وأن يمكننا الحصول على ماء نظيف للشرب وسقف نأوي إليه، وأن يكون بمستطاعنا الذهاب إلى المستشفى دون أن يكون علينا أن نفكر على الدوام في الأموال الضرورية لذلك. أنا لا أرغب في بطاقة هوية. بل اعطوني بدلا عن ذلك طعاما وعملا!"

إنهم لا يشعرون حتى بوجودنا

هناك العديد من النساء مثل راضية؛ يعشن بعيدا عن الخشبة الراقية لمسرح العمل السياسي ولا يولين أية أهمية لللانتخابات القادمة. تحرر، أم اضطهاد؟ مصطلحات ليس لديهن متسع من الوقت للاهتمام بها ومناقشتها. محاطات بالخرابات والنفايات تحيا راضية وأمثالها، بعيدا بعد السماء عن الأرض عن العمران الراقي لمدينة لاهور، حيث يقضي الأغنياء أوقاتهم في التلهي بأمور السياسة.

"سأبذل كل ما لدي من جهود من أجل التسجيل في قائمات الناخبين لو أن أناسا من منزلتنا سيتمكنون من الحصول على مقعد في البرلمان"، تقول صوغرا إحدى جارات راضية بحماس، "وإلا فلم تريدين مني أن أنتخب سياسيين لا يعرفون حتى إن كنا موجودين." يمكن للمرء أن يفهم بسهولة أمنية صوغرا وتمسكها بالرغبة في أن ترى نفسها ممثلة تمثيلا حقيقيا في مجلس النواب. لكن سيكون عليها في مثل هذه الحال أن تنتظر خمسين سنة أو أكثر حتى تتمكن من ممارسة حقها الانتخابي. ذلك أن بنية الهياكل السياسية الحالية في باكستان لا تخدم سوى مصالح النخبة وسلطة العسكريين.

بقلم شيهار بانو خان
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة/نوه تسورشر تسايتونغ 2007

شيهار بانو خان صحفية باكستانية تعمل في صحيفة Dawn

قنطرة

هل يعلن مشرف الأحكام العرفية؟
تشكل الدراما التي أحاطت بعودةَ نواز شريف القصيرة إلى الباكستان في العاشر من أيلولِ/سبتمبر وإعادته مرة أخرى الى المنفى تطورا خطيرا حتى بمعايير الظرف الباكستاني السياسي العاصف نفسه. تقرير كتبه عرفان حسين عن احتمالات تطور الوضع هناك

النساء والعولمة
شارلوته فيدمان، صحفية مقيمة في برلين، تعرفت خلال رحلة قامت فيها إلى باكستان على أستاذة الفلسفة في جامعة لاهور غزالة عرفان. في المراسلة التالية تتناقشان حول المجتمع الباكستاني ووضع النساء وتأثير العولمة