شيعة العراق كمحرك للديمقراطية في إيران؟

منذ سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وسَّع الشيعة العراقيون نفوذهم السياسي بشكل كبير. كما أنَّ المثال العراقي صار يؤثِّر على الأحداث الراهنة في إيران، في حين تثير المظاهرات الإيرانية جدالات ساخنة في بلاد ما بين النهرين. إينغا روغ تسلِّط الضوء من بغداد على هذه القضايا.

 احتفاليات بيوم عاشوراء في بغداد، الصورة: ا.ب
" أدَّى الغزو الأمريكي للعراق إلى زجّ البلاد في حرب دينية بين السُّنَّة والشيعة"

​​قامت إدارة جورج دبليو بوش مع سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين بمساعدة الشيعة في العراق وتحويلهم إلى قوة جديدة من نوعها؛ حيث عمل الأميركيون على مساعدة الغالبية المضطهدة في العراق في صحوتها الدينية التي لم يشهد لها الشيعة في العالم أي مثيل منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران. ولا يمكن تقريبًا ملاحظة ذلك في أي وقت أفضل من أيَّام عاشوراء، أي في ذكرى وفاة الحسين بن علي حفيد النبي قبل 1329 عامًا.

وفي كلِّ مكان بين بغداد والبصرة ترفرف في هذا الوقت بالذات رايات الحسين بن علي بألوانها السوداء والخضراء والحمراء. وكذلك هناك لافتات وبيارق رسمت عليها صورة الحسين، هذا المجاهد الشاب الذي سلك حسب وجهة نظر الشيعة الطريق الصحيح في الإسلام. وعلى جانبي الطريق أقيمت خيام وأكشاك يزوِّد فيها المؤمنون الناس بالطعام والشراب من دون مقابل.

وضمن سياق آخر يتحدَّث علماء الأعراق في هذا الصدد عن إقامة مهرجان أو عيد ديني ضخم، يُسرف مقيموه في تقديم العطايا إلى حدّ كبير، حيث يتم وفي طقوس إحتفالية تبديد أو توزيع الكثير من الأموال والأشياء القيِّمة التي يقطعها الفقراء عن أفواههم من أجل توفيرها لتبديدها في هذه الطقوس الاحتفالية.

وأينما كنا نصل في هذه الأيَّام - سواء كنا في بغداد أم في كربلاء أم في النجف - لم يكن يجوز لنا الاستمرار في سفرنا قبل أن نشرب على الأقل كأسًا من الشاي. وحتى إنَّ أمناء مزار الحسين في مدينة كربلاء فتحوا لنا أبواب ضريح الإمام الحسين. وهذه الزيارة أظهرت مدى قوة رجال الدين وتنظيمهم. وهنا يسير كلّ شيء على قدم وساق ومن دون أي تعقيد، سواء تعلَّق الأمر بالإجراءات الأمنية أم بخطط الخدمات أم بالتعامل مع العاملين في وسائل الإعلام أم بالتخلّص من القمامة.

تحرّر الشيعة الديني

وشيعة العراق ما يزالون يؤيِّدون مثلما كانوا دائمًا جورج دبليو بوش والأميركيين - وحتى يومنا هذا ما يزال تقريبًا جميع شيعة العراق يشكرون الأمريكيين على تحرّرهم الديني. ولكن بدلاً من إقامة نظام ديمقراطي نموذجي في العراق يكون له تأثير على أنظمة الحكم المستبدة في هذه المنطقة، أدَّى الغزو الأمريكي للعراق إلى زجّ البلاد في حرب دينية بين السُّنَّة والشيعة. ومن سخرية التاريخ مثلما يرى المراقبون أنَّ جورج دبليو بوش قد أخطأ في واحد من أهم أهدافه الرئيسية، أي في إضعاف النظام الثيوقراطي وحكم رجال الدين في إيران. ولفترة طويلة كان يبدو وكأن طهران هي الفائز من تغيير النظام في بغداد.

مقتدى الصدر
حسب رأي المراقبين فإن رجل الدين والزعيم الشيعي المتطرِّف، مقتدى الصدر يتم تحريكه من قبل المحافظين في الحوزة العلمية في مدينة قمّ الإيرانية

​​والآن يصنع القرار السياسي في بغداد سياسيون شيعة تمتد جذورهم في الإسلام السياسي الشيعي. وحزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي، ظهر قبل خمسين عامًا باعتباره أوَّل حزب له برنامج أصولي. وكذلك تم في إيران تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى في العراق؛ وكذلك تم تأسيس الميليشيا التابعة له والتي تسيطر في يومنا هذا على أجزاء من جهاز الأمن العراقي من قبل الحرس الثوري الإيراني. وأمَّا رجل الدين والزعيم الشيعي المتطرِّف، مقتدى الصدر فيتم تحريكه في يومنا هذا حسب رأي المراقبين من قبل المحافظين في الحوزة العلمية في مدينة قمّ الإيرانية.

ولكن مع ذلك فإنَّ سمعة هؤلاء السياسيين تنهار؛ إذ إنَّ الكثيرين من الشيعة يحمِّلونهم المسؤولية عن سفك الدماء التي تمت إراقتها في الأعوام الأخيرة؛ وهم يشعرون كذلك بخيبة الأمل من فسادهم وعدم كفاءتهم. وكذلك كثيرًا ما يتم لومهم على عدم ابتعادهم عن طهران. وهنا يتم تتبّع الاضطرابات التي تحدث في إيران بقدر كبير من الاهتمام.

برنامج حياتي

ويقول عالم الاجتماع العراقي، فلاح جابر في أثناء الحديث معه إنَّ إيران والعراق كانتا دائمًا تؤثِّران ببعضهما تأثرًا متبادلاً. ويضيف أنَّ هذا ينطبق على الحياة الدينية وكذلك على الحياة السياسية. وفي النجف قام آية الله الخميني في الماضي بوضع مشروع النظام الثيوقراطي الحالي في إيران. كما كان دائمًا موضوع حكم الفقهاء مثار جدل بين رجال الدين البارزين. وآية الله العظمى، علي السيستاني الذي يصل صوته في يومنا هذا متجاوزًا حدود العراق إلى العالم الشيعي، يرفض تدخّل رجال الدين المباشر في السلطة السياسية.

وهنا يتعلَّق الأمر أساسًا بالسؤال عن كيفية تدبّر الشيعة لشؤون الحياة الدنيا إلى حين عودة الإمام الغائب، المهدي المنتظر الذي سوف يملأ الأرض عدلاً وسلامًا - حسب الاعتقاد الشيعي. والسيستاني يرفض مثل معظم رجال الدين النظام العلماني، كما أنَّه يدافع في أمور كثيرة عن آراء متحفِّظة للغاية.

مظاهرة مؤيدة للسيستاني في البصرة: الصورة: أ.ب
"تأثير السيستاني أضعف كثيرًا نظام حكم الولي الفقيه في إيران"

​​والسيستاني يرى أنَّ بوسع رجال الدين أن يكونوا فقط نصحاء للمؤمنين ولكن لا يمكنهم إرشادهم إلى الطريق الصحيح، وذلك لأنَّه من الممكن لهم الوقوع في الخطأ. وهو يعتبر الديمقراطية الطريق الأفضل من أجل التغلّب على التحديات الدنيوية. وبهذا الموقف تحدى هذا المرجع الديني الشيعي الطاعن في السن الأميركيين، من خلال استحواذه على أوَّل انتخابات حرة في العراق رغم أنف الأمريكيين. واليوم يضع السيستاني الأحزاب المشاركة في الحكومة في موقف حرج ويشهِّر بفسادهم وبسوء إدارتهم.

تأثير السيستاني الكبير

ويقول عالم الاجتماع، فالح عبد الجبار الذي يعيش في بيروت إنَّ تأثير السيستاني أضعف كثيرًا نظام حكم الولي الفقيه في إيران. ويضيف قائلاً إنَّ هناك نموذجًا نشأ في العراق - نموذج يقدِّم البديل حتى للمتشدِّدين في الدين. وإنَّ الكثيرين يروا أنَّه توجد في العراق صحافة حرة وتعدّدية. ويقول من ناحية أخرى إنَّ حركة المعارضة في إيران تساهم في إضعاف الأحزاب الدينية في العراق. وفي المقابل يؤدِّي إضعاف نظام الحكم في طهران إلى تشجيع الشيعة المعتدلين في العراق الذين تمت تنحيتهم جانبًا في الأعوام الأخيرة. وإذا تابع المرء ما يراه عالم الاجتماع هذا، فإنَّ رؤية جوج دبليو بوش حول نشر الديمقراطية ما تزال معلّقة. فهو يرى في الاضطرابات التي تحدث في إيران وفي العراق بداية تحوّل إلى عهد آخر.

إينغا روغ
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: نويه تسوريشر تسايتونغ/قنطرة 2010

قنطرة

العراق والديمقراطية:
هل يمكن اقامة مجتمع مدني في العراق بعد الفوضى والدمار؟
هيمنة الدين والتقاليد العشائرية على السياسة العراقية الحالية هو نتاج نظام البعث العربي الاشتراكي الذي خرب أثناء فترة حكمه البنية التحتية لبناء مجتمع مدني ومشهد سياسي تعددي. تحليل سامي زبيدة.

الاستبداد السياسي في العالم العربي:
لعنة الدكتاتورية وشبح الديمقراطية
على الرغم من بعض المحاولات الضعيفة لإحداث إصلاحات سياسية في بعض الدول العربية وبعد هذه الدول عن إحداث تحول ديمقراطي حقيقي وحقيقة أن القادة العرب في معظمهم من الطاعنين في السن، إلا أنهم استطاعوا أن يبقوا على حكمهم على مدار عقود طويلة. ولكن كيف نجح هؤلاء في التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية وما مسوغاتهم لرفض الإصلاح والديمقراطية؟ نور الدين جبنون في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات

إشكالية النظام البرلماني في إيران:
مائة عام من ملاحقة الديمقراطية
أجرى الخبير والباحث في العلوم السياسية الأميركي ذو الأصل الإيراني، فخر الدين عظيمي، دراسة حول تاريخ النظام البرلماني في إيران تم نشرها في كتاب، حيث يتَّضح منها أنَّ التمثيل الشعبي في إيران كان يعاني منذ أكثر من مائة عام مرارًا وتكرارًا من مشكلات متشابهة. يوسف كرواتورو في قراءة لهذا الكتاب.