التصوف أفضل من الجهاد

يطمح الكاتب والسينمائي الأفغاني عاتق رحيمي، الذي عاش لسنوات طويلة في فرنسا، إلى إعادة بناء الهوية الثقافية لبلاده التي دمرتها الحرب الطويلة. تقرير عن حياة هذا الفنان وتجربة رجوعه إلى مسقط رأسه.

التصوف أفضل من الجهاد

غادر عاتق رحيمي أفغانستان عام 1984. كان عمره يومذاك 22 سنة. هرب الشاب الذي ينحدر من عائلة غنية ومتعلمة - كان أبوه في عهد الملك ظاهر شاه محافظا في وادي بنجير وأمه معلمة - من الروس والشيوعيين وتهديد الخدمة العسكرية، في البدء إلى باكستان، ثم إلى فرنسا. في باريس سجل للدراسة في جامعة السوربون وتعلم إنتاج الأفلام التسجيلية. كان رحيمي قد ألف قبل أن ينتج أفلامه كتبا لم تثر اهتمام أحد طيلة سنوات. ثم كان الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2003 . أصبح رحيمي فجأة صوت أفغانستان الأدبي. يتناول كتاباه "أرض ورماد" و "الحرب والحب" السؤال : ماذا تعني الاستمرار في الحياة للناس الذين عاشوا الحرب والذين خلفتهم الحرب؟ يجيب رحيمي بنفسه على السؤال بجملة لنيتشه: " لدينا الفن، كي لا نموت من الحقيقة."

رحيمي: الألم قنبلة!

يكتب في روايته الأولى "أرض ورماد" التي بقيت طويلا دون ترجمة عن الآلام التي تسببها الحروب: "إما أن يذوب الألم وينساب من العينين أو يتحول إلى سيف ويستقر على اللسان أو يتحول إلى قنبلة. قنبلة تنفجر ذات يوم وتدعك تنفلق."

الصورة: أ ب

​​يقول إن أباه تحدث عن الوطن دائما مسميا اياه " فغانستان" بدون الألف في البداية. يعني الإسم حينئذ "بلاد الشكوى والعويل". ولكن أفغانستان بالنسبة له هي "بلاد الهدوء المريب: حين يمشي المرء في شوارع كابول يرى أناسا لهم وجوه تشبه الملائكة، بنظرة غائبة وابتسامة غريبة. يفكر المرء: إنه لا يمكن أن يكون هذا الشعب مولع بالحرب على هذا النحو! ولكن حين يتغلغل المرء في دخيلة الناس يشعر بالضياع و اليأس والعنف. أشعر أن عشرين سنة من الحرب هي نتيجة الهدوء الدائم للناس. نحن الأفغان لا نميل إلى التعبير عن أنفسنا. نحافظ علىآلامنا بعناية ونحتفظ بها جيدا. التعبير عن ضعفنا وعجزنا بالكلمات يسبب ألما كبيرا، سواء بسبب الكبرياء أو بسبب الخجل. وهذه المشاعر المكبوتة جميعها تفرغ نفسها مرة بعد أخرى في أعمال العنف. فحين لا يكون ثمة حزن لا يبقى سوى الثأر.

الثقافة تمنح سندا عاطفيا

ينظر "اللاجئ الثقافي" كما يسمي نفسه إلى مستقبل بلاده بتفاؤل رغم ذلك. "يعود المثقفون إلى البلاد أكثر فأكثر، يأتون من باكستان وايران. يوجد الآن في أفغانستان 150 مطبوعا في الأسواق. ويمكن لمس حماسة كبيرة لا تصدق لدى الجيل الشاب لبناء شيء ما، لخلق شيء ما. أما ما يتعلق بلوردات الحرب فإنهم يهددون بالطبع ويقومون بالاعتداءات. لكن هذا إشارة إلى اضمحلال قوتهم، إنهم يشعرون بالارتباك. فهم يشعرون أنهم في طريقهم إلى النهاية." لقد قام هو نفسه قبل وقت قصير بفتح مركز ثقافي في كابول: "في اللحظة التي يمتلك الأفغان فيها سقفا فوق رؤوسهم ويجدون ما يأكلونه، ولكن لا تكون لديهم هوية ثقافية يستطيعون التمسك بها، سيؤدي هذا لا محالة إلى الأزمة السياسية التالية."

ويريد أن يبدأ قريبا في كابول بتحويل روايته الأولى "أرض ورماد" إلى فيلم أيضا. لكنه لا يريد أن يعود إلى أفغانستان تماما. "لأعيش هناك، يجب أن أتمكن من أن أكون كما أنا في أوروبا: حرا في تفكيري، حرا في كتابتي، مقبولا كما أنا."

أفضل التصوف على الجهاد

يتمنى الكاتب الذي يبلغ من العمر 41 سنة عودة إسلام حسي قريب من الصوفية. "كان ثمة إسلام صوفي قبل القرن الثامن عشر، لا علاقة له بهذا الإسلام الذي يدعو باستمرار إلى الجهاد.
للإسلام في أفغانستان وآسيا الوسطى أساس خاص: البوذية والزرادشتية التي سميت بهذا الإسم نسبة إلى مؤسسها زرادشت. لم يحارب الإسلام هذه التيارات الدينية بل استند إليها. في تصوف زرادشت يتحدث المرء عن الله كأنثى. الدين هنا شيء شهواني جدا. كان كل شيء في هذا الوقت مؤنثا كما يبدو. ربما مؤنثا أكثر مما ينبغي. ربما لذلك هذا الثأر بعد ذلك مباشرة. نعم يخاف الرجل المرأة. وكان يخافها دائما."

بريغيتة نويمان، دويتشه فيلله،يونيو/حزيران 2003
ترجمة سالمة صالح