بين إسلاميي تونس ومصر..... المسار والمخاوف

"مصر ليست تونس" عبارة أطلقها النظام المصري في الأيام الأولي للثورة التونسية تعبيرا عن تمايز نظامه، لكن عاصفة الربيع العربي ربطت بين مسار الثورتين. هاني درويش يرصد من القاهرة أثر التجربة الديمقراطية التونسية على الشأن المصري.

الكاتبة ، الكاتب: Hani Darwish



جاءت نتائج انتخاب اللجنة التأسيسية لوضع الدستور في تونس، بما شهدته من صعود لقوى الإسلام السياسي لتجعل القوى المدنية المصرية في وضع انتظار قبل أسابيع قليلة من بداية انطلاق انتخابات يتوقع لها تكريس هيمنة الإسلاميين وفلول النظام السابق في مصر ما بعد ثورة يناير 2011. عصام العريان، نائب رئيس حزب العدالة والحرية (الحزب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين)، يقر بالاختلافات النسبية بين مصر وتونس، لكنها من وجهة نظره لا ترقي إلي وشائج الصلة الأمتن بينهما، فالدولتان عاشتا تحت ربقة استبداد سياسي همش وطارد وقمع قوى الإسلام السياسي المدني. وما يثبته المشهد التونسي ويعتبره مؤشرا لما سيحدث في مصر، هو الخروج الجماهيري الكبير لاستحقاق انتخاب اللجنة التأسيسية، هنا تثبت الثورات العربية قدرتها علي إدخال المواطنين في صلب العملية السياسية، بعد أن روجت أنظمة الديكتاتورية السابقة علي موت الجماهير.

 

أما عن فوز القوى الإسلامية فهو درس لما أسماه بالقوى الحداثية المدنية التي أغفلت عن عمد الطابع الثقافي لشعوبهم، والذي تعد الهوية الإسلامية جزءا أصيلا فيه، وهو مكون لا يتناف نهائيا مع الانفتاح علي العالم أو الاستفادة به دون إستلاب كامل للهوية. ويرفض رئيس المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التفرقة في النشأة أو الظروف بين صعود نموذج النهضة التونسي والجماعة في مصر، فكلاهما يتبني خطابا وسطيا للإسلام وفق رأيه. كما يرفض العريان اتهام جماعته بفقدان طابعها الإصلاحي في استقطابها العنيف مع النموذج السلفي علي جمهور المتدينين المصريين، فهو يقدر الحجم الحقيقي للسلفيين في مصر، والذي يتوقع أن تعكسه نتائج الانتخابات، بينما جماعته لها قواعد جماهيرية مختلفة.

ويدلل علي رحابة صدر جماعته بدخولها في تحالف انتخابي(التحالف الديمقراطي) يضم نحو 15 حزبا، منهم الليبرالي والقومي والمدني، وما الاستقطاب المفترض إلا تصورا لمن يفترض في نفسه منافسة الجماعة، مشيرا إلي أن الانفتاح الذي يبديه إسلاميو تونس يؤكد أن ربيع الثورات العربية جاء ليقطع الطريق علي "فزاعة الإسلاميين" التاريخية ويعيد تموضع الشعوب في مسارها الذي ارتضته دون وصاية من أحد.

الإسلام السلفي يجعل تونس أفضل من مصر

الصورة د ب ا
هل ستقطت الديكاتوريات لتحل محالها التيارات الإسلامية؟

​​الشعوب التى دفعت أثمانا باهظة في هذا الربيع الثوري يبدو أنها ستكون خارج حصد النتائج، هذا ما يصل إليه أحمد بهاء الدين شعبان القيادي المؤسس في الحزب الاشتراكي المصري تعليقا علي نتائج تونس، وعلي الرغم من رفضه المبدئي المقارنة بين مصر وتونس كما حاول النظام السابق تجسيده في جملة "مصر ليست تونس"، إلا أن نتائج انتخابات الجمعية التأسيسية هناك تؤشر بما لا يدع مجالا للشك إلي ما سيحدث في مصر، من سيطرة القوى الإسلامية التي أنتجتها الأنظمة الإستبداية .

 

فكلا البلدين، كما يرى إليه أحمد بهاء الدين شعبان، "انغلق فيهما المجال السياسي وتركت الجماهير نهبا لأيدلوجيات الإسلام السياسي". وفي حين "تبدو فلول النظام التونسي أقل تمثيلا في الجمعية التأسيسية، سيكون فلول مصر الشريك الأساسي للتيار الإسلامي في صياغة الدستور، فمسار قوى الثورة المضادة تحاول إعادة الزمن للوراء، ومجمل العملية السياسية من لحظة التنحي التاريخية مهندسة بحيث يستعيد النظام هيمنته، فلا قانون مباشرة الحقوق السياسية أعطى للأحزاب فرصها في التأسيس، ولا تقسيم الدوائر يخدم قوى الثورة". ومن ثم يعد نافلة قول، أن الثوار ومن خلفهم جماهير ضحت بعمرها في هذه الثورة ستستبعد من التأثير في مستقبل مصر، وهو ما يجهزها جبرا إلي الاستعداد لموجة ثورية أخري، وفق تحليل إليه أحمد بهاء الدين شعبان.


خصيصة أخري في الشأن المصري لا تتوافر في تونس، هي البزوغ اللافت لقوى التيار السلفي، هذه القوى التي لا تحترم التعدد أو أبسط قواعد السياسة من تقبل للآخر، والتي هي نتاج التربية الأمنية لعصر مبارك حيث دربها علي استهداف خصومه، ستدخل البرلمان بعاصفة من الأفكار القمعية والإستبعادية، وهي حاليا تلقي التدليل من المجلس العسكري وكل المسيسين، وهم كما عبروا جهارا نهارا سيحرقون الأخضر واليابس لو لم يحققوا رؤاهم الظلامية ضد المجتمع، هؤلاء هم الخطر الأكبر بين قوى الإسلام السياسي.

الرهان علي تسييس المجتمع ينهي الفزاعة الإسلامية

الصورة هاني درويش
زياد العليمي من الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي:"التيار الإسلامي يتبني وجهة نظر متخلفة فيما يخص الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، ماسيكتشفه ناخبه من الجولة النيابية الأول"

​​بلهجة يملؤها الثقة عبر المرشح الشاب زياد العليمي من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي عن الخلاف الجذري بين مصر وتونس، فالتصويت علي لجنة وضع الدستور في تونس كان تصويتا علي الهوية، فيما الانتخابات في مصر تعكس واقعا مختلفا، أول ملامحه أن القوى الإسلامية في مصر ما بعد مبارك منقسمة بين ثلاثة كتل متصارعة، فيما يعد فوز حزب النهضة في تونس تعبيرا عن وحدة عن التيار الإسلامي. وثانيها أن رهان الانتخابات في مصر يتطلب السعي لكسر احتكار فئتين تعبران عن وضع أقلية، هما الفلول السياسية للنظام البائد والتيار الإسلامي، ولو نزل الناس للتصويت بكثافة سيظهر وضعهما كأقلية، ورغم عدم توقعه أن تكون المشاركة بقوة نزول التونسيين إلا أن نزول ولو 50% من المصريين كفيل بتغيير المشهد السياسي.


ويضيف عضو إئتلاف شباب الثورة أن "تحالف السلفيين والإسلاميين لاحقا أمر متوقع وذلك بهدف تهميش القوي المدنية والليبرالية، فتاريخ الإخوان يتميز بالميل غالبا لابتزاز من يزايد عليهم دينيا". غير أن العليمي يلفت الانتباه إلى أن ميل الإخوان المتوقع نحو وجهات نظر أكثر تطرفا سيفقدهم جمهورا، وهو الجمهور الذي سيعتمد عليه التيار الليبرالي والمدني في أول انتخابات تالية، خاصة أن التيار الإسلامي يتبني وجهة نظر متخلفة فيما يخص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما سيكتشفه ناخبه من الجولة النيابية الأولي، ساعتها سيدرك أن السياسة لا علاقة لها بالمجال الديني، وننتهي-علي حد قوله- من هذه الإشكالية مرة واحدة وللأبد.

هاني درويش-القاهرة
مراجعة: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011