وحدة شطري ألمانيا وشطري اليمن ... تشابه واختلاف

لا تحتفل ألمانيا وحدها بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين، إذ تغلَّب اليمن أيضا في عام 1990 على انقسامه؛ بيد أنَّ وحدة التراب اليمني تبدو هشة ومهدَّدة. ولتسليط الضوء على هذه التجربة فنيا يقوم معهد غوته في صنعاء بجمع فنانين من شطري اليمن والتقريب بينهم. كلاوس هايماخ يلقي الضوء على الوحدة اليمنية وآفاقها.

جزء من الفعالية الثقافية في اليمن
تعتبر صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية منذ وحدة الشمال والجنوب، غير أن الظروف التي يعيشها اليمن لا تبشر بدوام هذه الوحدة

​​ في باحة المتحف الوطني في صنعاء يختلط الشمال بالجنوب، وكأنَّ الوحدة اليمنية قد اكتملت بصورة مثالية. ويلاحظ المرء أنَّ هذا المشهد ينتمي إلى الشمال - مبانٍ مرتفعة مبنية بالطوب الطيني الحراري، ونوافذها مزيَّنة بالجبس الأبيض. وفي المقابل يعود أيضًا أصل الأغاني الشعبية التي يرتفع صوتها من جهاز التسجيل إلى الجنوب؛ وهذا المغني الذي يرافق صوته عزف على آلة وترية أصله من المنطقة القريبة من عدن. وهنا يعمل الفنانون الذين يرسمون لوحاتهم بألوان الأكريليك والألوان الزيتية يدًا بيد - رسامة من صنعاء منقَّبة بنقاب أسود إلى جانب نحَّات من عدن.

"لدينا الكثير من الأمور المشتركة مع الألمان، إذ تم توحيدنا في السنة نفسها"، مثلما يقول الرسام كمال المقرمي، أحد أبناء عدن. وهو يجد هذا المشروع مثيرًا، وذلك لأنَّه كان قبل كلِّ شيء في ألمانيا وعرف تاريخ التقسيم. ويقوم معهد غوته في صنعاء بالجمع بين ثمانية فنانين - أربعة من اليمن الجنوبي الذي كان اشتراكيًا في السابق وأربعة من الشمال. وتم تكليف هؤلاء الفنانين بإنجاز تصاميم تشبه حجارة جدار برلين. وترمز كتل الكرتون الأبيض المغطاة بقماش والتي يعمل الفنانون على تصميمها إلى جدار برلين. ومن المفترض وضع هذه الكتل في التاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر في ألمانيا أمام بوابة براندنبورغ وتركها تسقط مثل حجارة الدومينو.

اختلافات كبيرة بين عدن وصنعاء

يتم انتقاد سكَّان اليمن الشمالي واعتبارهم متخلِّفين من قبل جيرانهم الجنوبيين. وفي المقابل يعتبر في الشمال الاشتراكيون أهالي الجنوب "شاربي جعة ملحدين"

​​ ويرسم كمال المقرمي على حجر الجدار الخاص به قبضة يد تحيط بالعلم الألماني - أسود وأحمر وذهبي. وعلى الجهة الخلفية سيتم رسم براميل نفط؛ "الهدف منهما هو التذكير بنقطة تفتيش شارلي في برلين"، مثلما يقول الفنان كمال المقرمي الذي يبلغ من العمر ثمانية وأربعين عامًا. ويضيف: "ولكن الأمر يتعلَّق لدي في الوقت نفسه أيضًا بالماضي اليمني، فنقاط التفتيش موجودة هنا أيضًا".

وفي السنة نفسها التي اتَّحدت فيها جمهورية ألمانيا الاتِّحادية مع ألمانيا الشرقية اتَّحدت أيضًا في أقصى جنوب الجزيرة العربية دولتان مختلفتان تمام الاختلاف وشكَّلتا الجمهورية اليمنية؛ اتِّحاد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب والتي كانت اشتراكية في السابق وكانت عاصمتها عدن مع الجمهورية العربية اليمنية التي تسيطر عليها قبائل المحافظين الإسلاميين وعاصمتها صنعاء في منطقة الشمال الجبلية. ومثلما توجد في ألمانيا اختلافات بين الألمان الشرقيين والغربيين يهجو أيضًا اليمنيون الجنوبيون والشماليون بعضهم بعضًا؛ حيث يعتبر في شمال اليمن الاشتراكيون أهالي الجنوب "شاربي جعة ملحدين"، وبالعكس يهجو سكَّان الجنوب أهالي الشمال ويعتبرونهم "محاربي قبائل متخلفين".

وحدة غير حقيقية

الرسام كمال المقرمي أثناء تصميمه قطعة من جدار برلين
"لقد تحتَّم علينا في الجنوب التخلّي عن تقاليدنا، حيث يتحتَّم على النساء في يومنا هذا ارتداء النقاب، لقد تغيَّر الكثير بالنسبة لنا"

​​ وكذلك ما يزال الرسام كمال المقرمي يشعر في صنعاء المأهولة بسكَّان يشدون على خصورهم الخناجر المعقوفة التي تُعرف باسم "الجنبية" في كثير من الأحيان كأنَّه شخص غريب. ويقول: "هناك اختلافات كبيرة بين صنعاء وعدن". ويضيف: "قبل الوحدة كانت صنعاء وعدن عاصمتي بلدين مختلفين. وفي تلك الفترة سافرت كثيرًا عبر دول أوروبا، ولكنَّني لم أكن قط في شمال اليمن". ومع ذلك لا يشعر هذا الرسام بأنَّه غريب وحسب؛ بل يزعجه أيضًا الشعور بالظلم والحرمان. ويقول مشتكيًا إنَّ الشمال يفرض الآن وبعد الوحدة سيطرته: "لقد تحتَّم علينا في الجنوب التخلّي عن تقاليدنا، حيث يتحتَّم على النساء في يومنا هذا ارتداء النقاب، لقد تغيَّر الكثير بالنسبة لنا".

وفي الحقيقة لم يتوحَّد اليمن على الإطلاق. وصحيح أنَّ الرئيس علي عبد الله صالح الذي يحكم البلاد منذ ثلاثة عقود تمكَّن من المحافظة على وحدة البلاد من خلال تقديم المال وتوزيع المناصب، إلاَّ أنَّ هذا الأمر يزداد صعوبة، وذلك لأنَّ موارد البلاد تنفد. فاليمن يعتبر واحدًا من أفقر بلدان العالم، حيث يشحّ فيه النفط والماء. ويؤدِّي هذا إلى تنامي حالة الاستياء خاصة في الجنوب الذي توجد فيه آخر احتياطيات النفط، ولكن لا يصله سوى القليل من الإيرادات. وهذا المزيج من الأزمة الاقتصادية وعدم الثقة أدَّى قبل خمسة عشر عامًا إلى إعلان الاشتراكيين الانفصال من جديد - وكان ذلك بداية لحرب أهلية انتهت بانتصار الشمال على الجنوب.

ومن يزور في يومنا هذا مقر الاشتراكيين في صنعاء يستطيع تصوّر مدى ضعف السلطة التي بقي يتمتَّع بها الحزب الاشتراكي. فمبنى مقره منهار وقاعة الاجتماعات الكبيرة مهجورة. ويؤكِّد رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي، عيدروس النقيب أنَّ الانفصال لم يعد مطروحًا الآن بالنسبة لحزبه. ويقول إنَّ حزبه لا يسيطر على الاحتجاجات التي اندلعت في جنوب البلاد، حيث خرج سابقًا مئات الآلاف إلى الشوارع. ويضيف أنَّه يجب على الحكومة الإسراع في فعل شيء. ويقول إنَّ "أصحاب السلطة اعتبروا الجنوب منذ فترة طويلة من ممتلكاتهم. لقد استولوا على الأراضي والممتلكات وشرَّدوا الأهالي. ولا بدّ الآن لهذا الظلم من الانتهاء".

احتجاجات على الوحدة

كانت عدن عاصمة اليمن الجنوبي الذي كان اشتراكيًا في السابق
"أصحاب السلطة اعتبروا الجنوب منذ فترة طويلة من ممتلكاتهم. لقد استولوا على الأراضي والممتلكات وشرَّدوا الأهالي"

​​ وعيدروس النقيب يقول إنَّه يتعين على الحكومة إعادة الوظائف والأراضي والعقارات إلى أصحابها الذين يملكونها. ومنذ الحرب الأهلية لم يعد يُسمح لأكثر من مائتي ألف موظَّف وجندي بالذهاب إلى العمل. "يجب أخيرًا أن يستعيدوا وظائفهم وأن يتم تعويضهم عن الخمسة عشر عامًا الماضية". لقد تجاهل الرئيس علي عبد الله صالح هذه المطالب فترة طويلة. غير أنَّ صوت الاحتجاجات في الجنوب يزداد باستمرار، ويطلق الجيش الرصاص الحيّ على المتظاهرين. والآن صار يحذِّر الرئيس علي عبد الله صالح بالذات من أنَّ البلد يمكن أن تنقسم إلى قبائل وعشائر في حال انفصلت في الواقع عدن عن صنعاء.

وفي حين ما يزال يتم في صنعاء رسم حجارة الجدار، يعود الآلاف في عدن للخروج إلى الشوارع والاحتجاج على الوحدة. كما أنَّ الذكرى السنوية العشرين للوحدة اليمنية التي تصادف العام المقبل لا تعتبر لدى جميع اليمنيين سببًا للفرح، مثلما قال أيضًا الرسام كمال المقرمي عندما كان يرسم قبضة اليد على القماش: "سوف يحتفل البعض، بيد أنَّ الآخرين لن يحتفلوا، وأنا واثق من ذلك". ولكن ما هو الطريق للخروج من الأزمة؟ يقول كمال المقرمي "يجب على الذين يمسكون بزمام الحكم التفكير في بلدهم". ويضيف: "يجب عليهم ببساطة التفكير وسؤال أنفسهم عمَّا نقوم به - هل هذا جيِّد بالنسبة لبلدنا أم إنَّه جيِّد فقط بالنسبة لنا؟ وعندئذ سيجدون المخرج من هذه الأزمة بسرعة".

كلاوس هايماخ
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

الأزمة السياسية والاقتصادية في اليمن:
بلد على شفير الهاوية
المعارك المستعرة في شمال اليمن واحتجاجات الفقراء، بالإضافة إلى ظاهرة الزواج المبكر تلفت حاليًا أنظار وسائل الإعلام إلى هذا البلد الذي يبدو غير مستقر والذي يتَّجه منذ عهد ليس بقريب نحو التدهور. فيليب شفيرس من صنعاء في تحليل للأوضاع التي يعيشها اليمن.

غوي هيلمنغر وقصص من الحياة اليومية في اليمن:
اليمن- بلاد الغرق السعيدة؟
عاش الكاتب غوي هيلمنغر أربعة أسابيع في اليمن. في مقاله الذي كتبه لموقعنا يسرد قصصه عن الصومالية السعيدة وسائق التاكسي ذي الأخلاق الحميدة والإمام البشوش، وعن كتّاب لم يقوموا بتأليف كتب ولا أحد يتبتانهم ولا يرعاهم.

حرية الصحافة والإعلام في اليمن
"اليمن في حد ذاته كوكب من نوع خاص"
نادية السقاف رئيسة تحرير صحيفة "اليمن تايمز" اليومية المستقلة الصادرة باللغة الإنجليزية التي تأسست عام 1990 وتعتبر من الناشطات أيضا في مجال الدفاع عن حقوق المرأة اليمنية ومحاربة الفساد والدعوة إلى تعزيز مؤسسات المجتمع المدني. ألفريد هاكنسبرغر تحدث إلى الإعلامية السقاف حول الإعلام وحرية الصحافة، وكذلك أيضا حول ثقافة العشائر في اليمن.