جداريات ليبيا.... ذاكرة فنية وتاريخية للثورة الليبية

 حيثما تتجول في ليبيا تطالعك جدران طليت بألوان زاهية ولوحات معبرة عن الثورة والحرب التي خاضها الليبيون ضد نظام القذافي، إذ وثق العديد من الليبيين هذه المرحلة عن طريق هذه الجداريات المنتشرة في معظم المدن الليبية. عصام الزبير من طرابلس وهذا التقرير.

الكاتبة ، الكاتب: عصام الزبير



حين تدقق باللوحات المنتشرة في عموم ليبيا تجد أنها استمدت وحيها من تضحيات "الآباء لتندمج مع تضحيات الشباب". فقد فأخذت من شيخ المناضلين عمر المختار رمزا ومن الملك إدريس السنوسي، الذي انقلب عليه القذافي عام 1969أيضا. وبالرغم من نقص ألوان الطلاء وبالذات المستخدمة في علم الاستقلال، والتي كان النظام السابق يضعها ضمن المحرمات خاصة قبل انهيار نظامه ويرصد حركة البيع عن طريق مخابراته، إلا أن الشباب وفروها وأبرزوا بها لوحاتهم المتناثرة هنا وهناك مع بعض الجمل والكتابات العفوية والتي تناصر الثورة وتخلد أسماء ضحاياها.

لماذا الجداريات في هذا الوقت؟

المرأة حضرت بقوة في هذه الجداريات

​​وفي رد على هذا السؤال قالت عفاف الزبير، عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام بجامعة بنغازي، في توضيح لها عن فن الجداريات: "هذا الفن يحتاج لتنفيذه جهدا كبيرا وخبرة فنية. وقد يكون عملا فرديا وقد يكون جماعيا أيضا. ونوع الألوان المستخدمة فيه تكون حسب الخامة التي يتم الرسم عليها، مثلاً الألوان الزيتية على القماش أو الخشب، والطلاء على الجدران الأسمنتية أو الجبسية. كما تدخل ضمن الجداريات الأعمال المنفذة على الزجاج ولها ألوانها الخاصة، كذلك تدخل في تنفيذه خامات أخرى كالفسيفساء من الحجر أو السيراميك". وحسب الزبير فإن هذا الفن يظهر بالتزامن مع الأحداث التاريخية الكبرى إذ يوثقها كالمعارك والانتصارات والثورات والمهرجانات والاحتفالات الوطنية. وأقرب دليل هو مواكبة هذا الفن لربيع الثورات العربية بوجوده على جدران الشوارع والمباني المحيطة بميادين التحرير بأيدي هواة للفن يعكس صوت ورؤية الشعوب.


شهادات فنية عن التجربة

وعن هذه التجربة قالت الفنانة التشكيلية مريم علي العباني لدويتشه فيله إن "بعض من رسموا على الجدران ليسوا بفنانين. وحتى لو كانت الرسومات ليست جيدة فنيا، لكنها رائعة لأنها تعبير صادق عن الأحداث". وتضيف الفنانة بأن الكتابات، التي كتبت على الجدران كما هي الحال في باب العزيزية "كونت لوحات رائعة وسيمفونية لونية لا مثيل لها". وفي نفس الاتجاه ذهب الفنان التشكيلي جمعة الفزاني، الذي قال "إن هذه التجربة رائعة وجميلة وتبدو هذه الأعمال وكأنها لمبدعين حرفيين وليس لهواة". ويضيف الفزاني لدويتشه فيله أن هؤلاء متحمسون لنشر أعمالهم على الجدران "بهدف التعبير عن النفس وعن حرمانهم من حرية التعبير سنوات طويلة".


جدارية تؤرخ للمظاهرات المناهضة لنظام القذافي

​​أما الصحفي والناشط الاجتماعي عثمان البوسيفي فيرى أن تلك الجداريات، التي تفنن الشباب والكهول في رسمها "تعكس مدى تعطشهم للحرية الحقيقية لا تلك المزيفة التي كان النظام الوحشي في ليبيا يصدرها للآخر ويبين أن ليبيا دولة ديمقراطية وما على الآخرين إلا أن يتبعوها". ويضيف البوسيفي أن هذه الجداريات أكدت الموهبة الكبيرة لبعض الشباب عندنا وان القمع هو ما كان يمنعهم عن التعبير عن مكنونات أنفسهم. ويقول البوسيفي إن "هذه الجداريات ستحكي للقادم، ولسنوات طويلة، كيف كنا وكيف أصبحنا. والمأمول أن نصير مجتمعا مدنيا حقيقيا يسمح لتلك الأنامل التي صنعت الجداريات من البوح باستمرار عن مكنونها دون قمع أو وصاية من أحد".


فنانو الجداريات يتحدثون عن تجربتهم

علي جمعة يوسف أحد فناني الجداريات بمنطقة فشلوم بقلب العاصمة الليبية طرابلس قال لدويتشه فيله: "تناولت الجداريات قضايا التعبير عن الحرية؛ فلوحتي تعبر عن الأسير واستنهاض نسيم الحرية والاستسلام للموت (ننتصر أو نموت) مقابل انتصار الحرية". وأشار يوسف بأن تعبيره وجده في ملامح الذين شاهدوا هذه اللوحة والتي يقولون إنها تحمل شعار مطلبنا الحرية. ويضيف قائلا "لي لوحة أخرى تحمل صورة المجاهد البطل عمر المختار تعبر عن تحرير ليبيا عبر نجمة 17 فبراير وهي تبرز قوة الثورة والثوار". ويشدد الفنان علي يوسف جمعة على أن "اللوحات في مجملها وفي هذا الوقت بالذات تدل على أن عندنا إبداعات فنية واعدة ولكنها لم تقدر على إبراز مواهبها نتيجة العسف والقهر وعدم وجود حرية للتعبير. وعندما أتى الزمن "أبرزت هذه اللوحات الموجودة على الجدران ما تجيش به نفوس هؤلاء الشباب من عواطف ومشاعر تجاه الوطن والثورة".


عمر المختار أضحى ملهما لهؤلاء الفنانين الهواة

​​وبدوره أضاف بشير السنوسي بأن الجداريات تعتبر "نوعا من أنواع الإحساس عبر عنه شباب لا نعرفهم ولا نعرف حماسهم الداخلي الذي حركته الثورة حتى برز هذا الشعور بعد كبت دام 42 عاما". وحسب السنوسي فإن "الإحساس هو الذي أطلق هذه الرسوم التلقائية العفوية والتي ليست مخططة أو مدروسة، ولكنك تشعر بجمالها. وهي من شباب صغار السن عبروا بطريقتهم الخاصة". ويرى السنوسي بأن هذا "الفن موجود في أغلب دول العالم ولم يكن موجودا عندنا وله محبوه ونقاده أيضا. ونتمنى أن يتم تنسيقه وتوثيقه وتبنيه من فنانين لصقل المواهب". وطلب السنوسي من وزارة الثقافة أن تتبنى هذه الأفكار والأعمال الجيدة وتدعم الشباب الجدد والتعريف بهم والدفع بهم نحو تنوير المشهد الثقافي والفني في ليبيا.

 

عصام الزبير ـ طرابلس
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويشته فيله 2012