معالجة التصحر على الطريقة المصرية

تشكل ظاهرتا الانفجار السكاني ونقص الموارد المائية تحديا كبيرا للدول التي تعاني من مشكلة التصحر. الإدارة المصرية تجاوبت مع هذا التحدي بإطلاق مشروع ضخم لتعمير الصحراء جنوب البلاد، غير أن بعض المنتقدين يرون عدم واقعيته. تقرير حسن زنيند

قرية على ضفة النيل، الصورة: أ ب
.تشير بعض الإحصائيات المتشائمة إلى معدل تناقص في مساحة الأرض الخصبة يصل إلى ألف متر مربع في الساعة الواحدة

​​

"إذا استمر النمو السكاني كما هو عليه حاليا فإن الأراضي الزراعية الخصبة في وادي ودلتا النيل في مصر ستكون معرضة للتصحر بشكل كامل خلال الستين عاما القادمة". كان هذا هو ناقوس الإنذار الذي قرعه عالم الفلك المصري فاروق الباز عام 2002 وأدى إلى تسليط الأضواء على مشكلة التصحر التي تعاني منها مصر.

فبرغم جريان أطول أنهار العالم - نهر النيل في أراضيها، تمثل ظاهرة التصحر خطرا حقيقيا يتهدد البلاد. حيث تسببت الزيادة المضطردة في عدد السكان، وما صاحبها من حاجة إلى وحدات سكنية، إلى تجريف الأراضي المزروعة وتناقص كارثي في مساحتها، فتشير بعض الإحصائيات المتشائمة إلى معدل تناقص في مساحة الأرض الخصبة يصل إلى ألف متر مربع في الساعة الواحدة! مما قد يؤدي إلى نضوب الأرض الزراعية التي لا يزال ثلث السكان يعتمد على مواردها.

إيجاد حلول جذرية

في عام 2003 أطلقت الحكومة المصرية مشروع توشكى الضخم وذلك في إطار إيجاد حلول جذرية لمشكلة التصحر وتناقص التربة الزراعية. تقع منطقة توشكى الصحراوية في جنوب البلاد، 1300 كيلومتر من القاهرة، على مقربة من الأثر الفرعوني معبد أبو سنبل.

ويقضي المشروع الذي تقدر تكلفته بـ 60 مليار يورو بضخ كميات هائلة من نهر النيل إلى الصحراء حتى تتحول إلى تربة خصبة صالحة للزراعة. يذكر أن 90 بالمائة من سكان مصر البالغ عددهم 74 مليونا يعيشون في شريحة صغيرة من المساحة الكلية للبلاد وهي منطقة وادي ودلتا النيل، لذلك تعقد الحكومة الآمال على أن تجتذب جنة الصحراء قطاعا واسعا من الشباب مما قد يؤدي إلى تغيير نسبة توزيع السكان على مساحة مصر الإجمالية التي لا تشكل سوى 5 بالمائة في الوقت الراهن.

تفاصيل مشروع توشكى

الخطوات الأولى في مشروع توشكى بدأتها الحكومة عام 1997، حيث تم إنشاء محطة ضخ ضخمة تعد الأكبر من نوعها في العالم، تقع هذه المحطة على مسافة 70 كيلومترا شمال معبد أبو سنبل. وتتكون من 24 مضخة عملاقة، تم تثبيتها في بناء ضخم يبلغ طوله 70 مترا وعرضه 140 متر.

وتقوم المحطة بضخ 25 مليون متر مكعب من المياة الموجودة في بحيرة ناصر خلف السد العالي إلى الصحراء يوميا. تسير المياة في قناة الشيخ زايد، وهي القناة الرئيسية وتحمل اسم ممولها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات السابق، حتى تصل إلى منطقة توشكى الصحراوية.

تتفرع قناة الشيخ زايد إلى 4 قنوات فرعية عند وصولها إلى توشكى، يقوم كل منها بري 80 ألف هكتار من الأراضي. وتتوقع الحكومة المصرية أن تنشأ في المنطقة 18 قرية ومدينة جديدة بحلول عام 2017، مما يعني تشكل مركز جذب سكاني جديد.

وبذلك يكون المشروع حقق زيادة في الرقعة الزراعية مصحوبة بزيادة الصادرات الزراعية، مما يســاعد في تقليل العجز في الميزان التجاري ويوفر فرص عمل للكثير من الشباب وخاصة من شباب صعيد مصر، كما يخفف من الضغط البشرى على منطقة وادى ودلتا النيل.

غير أن المشروع لم يكتسب بعد الزخم الكافي لاستقطاب القوى العاملة كما هو مأمول. فلا يتجاوز عدد العاملين في المشروع حتى الآن بعض مئات، يتوزعون على محطتين تجريبيتين للإنتاج الزراعي هناك. وفضل العاملون ترك أسرهم وعائلاتهم في موطنهم الأصلي لصعوبة الحياة في منطقة توشكى حاليا، معتبرين أن ثمار عملهم الحالي سيقطفها الجيل الجديد الذي سيليهم.

انتقادات

تشارك المانيا في العديد من المشروع التنموية الزراعية في مصر، غير أنها فضلت البقاء بعيدا عن مشروع توشكى. السيد باول فيبر خبير الري في المؤسسة الألمانية للتعاون التقني فرع القاهرة فسر ذلك قائلا:

"لقد تعمدت ألمانيا عدم المشاركة في مشروع توشكى، وذلك بسبب الشكوك التي تحوم حول فرص نجاح المشروع في استقطاب قوى عاملة كافية، تعمل في ظل ظروف مناخية شديدة القسوة."

والموقف الألماني ليس منعزلا فكثير من الخبراء يفضلون استثمار إمكانيات المشروع الهائلة في تنمية منطقة الوادي والدلتا عوضا عن إهدار المياه في الصحراء. فلكي يؤتي المشروع بثماره لا بد من ضخ 10 بالمائة من مياه النيل إلى الصحراء، وهو إجراء له تبعات سلبية على أكثر من صعيد.

فبداية ستتأثر تركيبة النهر من عملية الضخ، حيث ستزيد نسبة ملوحة الماء تدريجيا، وهو ما تم ملاحظته بالفعل في منطقة دلتا النيل. على صعيد آخر تؤدي عملية الضخ إلى الإخلال بنسب توزيع مياه النهر بين الدول التي يمر بها.

فالدول الافريقية الواقعة في حوض نهر النيل مثل السودان وأثيوبيا معرضة لزيادة عدد سكانها وبالتالي تغيير الحصة الحالية لها من مياه النهر. لذلك يخشى عديد من الخبراء من أن تكون المياه هي السبب القادم لاندلاع الحروب والأزمات.

حسن زنيند
حقوق الطبع دويتشه فيله 2006

قنطرة

مياه الشرب في خطر
أصبحت مياه الشرب في دول الجنوب موردا تتنازع عليه الشركات العالمية من أجل إحراز أكبر قدر من الأرباح. الصحفي الألماني غيرهارد غلاس يسلط الأضواء على جاكارتا حيث يعاني السكان نتائج الخصخصة