نساء مصر والجيش..تأييد أعمى وتغييب للعقلانية النقدية

ساور مصريات كثيرات شعورٌ بالتعرض للاضطهاد في عهد الإسلاميين، وهو ما جعلهن يدعمن الجيش دعما قويا دون النظر إلى أفعال العسكر أو التوقف عند ممارساتهم. أندريا باكهاوس تسلط الضوء على ذلك من القاهرة لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Andrea Backhaus

"ما من شكّ في أنَّ النساء هنّ اللواتي يقمن دائمًا بإعادة بناء البلاد"، هذا ما تقوله راوية عبد الرحمن وهي تبتسم. راوية سيدة في السابعة والستين من عمرها قصيرة القامة وتتمتع بالنشاط. تواصل حديثها بصوت ثابت وتقول: "نحن نناضل ضدّ المحتلين ونناضل ضدّ الكذابين هناك في الخارج ونناضل كذلك من أجل مستقبل البلاد برمَّتها".

يتدافع رجال حاملين كاميرات التسجيل وأدوات حملها باتجاه راوية وتسحب نساء الكراسي صوبها وتزداد الضوضاء في القاعة، ذات الجدران الخشبية، بصخب يصم الآذان. تمرِّر الناشطة النسوية راوية عبد الرحمن أصابعها عبر شعرها بعصبية وتقول إن الوقت يفوتها وعليها إيصال رسالتها فورا إلى كل أنحاء العالم.

نحن في هذه اللحظات في فترة ما بعد ظهيرة يوم الاثنين في مقر نقابة الصحفيين المصريين وسط العاصمة القاهرة، حيث يبدأ مؤتمر صحفي دعا إليه ممثِّلون عن مختلف المنظمات النسوية مراسلين صحفيين مصريين وأجانب. وفي الإعلان الرسمي لهذا المؤتمر الذي تبدو صيغته أشبه بالمنشور السياسي يرِد أن أمَّهات مصر يردن التعبير عن دعمهن المطلق لقائد الجيش الفريق عبد الفتاح السيسي. "لا بدّ من إنهاء الاستعمار الذي فرضه الإخوان المسلمون على مصر. وإذا استطعنا التصدِّي لدكتاتوريتهم فعندئذ سوف تعود مصر القوة الكبرى في المنطقة".

الجيش يحكم قبضته على البلاد - قامت الحكومة الانتقالية، التي عينها الجيش بعد عملية فضّ اعتصام مؤيدي محمد مرسي التي أسفرت عن سقوط مئات القتلى، بفرض العمل بقانون الطوارئ وفرضت حظرًا للتجوّل في الليل في كلّ من القاهرة وعشر محافظات أخرى.

أوضحت الناشطة راوية عبد الرحمن مباشرة فور بدئها الحديث على الميكروفون أن الأمر لا يتعلَّق بموضوعات مثل حقوق المرأة أو البرامج التعليمية وتقول: "نحن ندعوا إلى منح تفويض جديد للجيش الذي يجب عليه فعل كلِّ ما يقع ضمن صلاحياته من أجل تحريرنا من نار الإرهاب الإسلاموي".

لا أحد يشكِّك في حظر التجوّل

تسود في مصر ثقافة هستيرية ليس لها حدود منذ أن قام العسكر في منتصف شهر آب/ أغسطس الماضي بفضِّ اعتصامي المحتجِّين المؤيِّدين للرئيس المخلوع محمد مرسي؛ إذ يؤكِّد أنصار الإخوان المسلمين على إرادتهم المطلقة في الاحتفاظ بحقّ الاحتجاج وحالة الفوضى إلى أن يعود الرئيس المعزول محمد مرسي إلى منصبه.

وفي المقابل يطالب وبشكل متزايد أنصار الجيش مثل المجموعات المجتمعة هنا ومنها جمعية "المرأة المصرية من أجل التغيير" أو "تنظيم المرأة المصرية" إلى انتقام أشدّ عنفًا وقساوة. وهم يقولون إنَّهم يريدون الانتقام بسبب أعمال القمع والاضطهاد التي أجبروا على معاناتها في عهد الإخوان المسلمين. ولذلك فهم يمنحون الجيش من جديد وبكلّ سعادة ورضا جميع الصلاحيات.

دعا الفريق عبد الفتاح السيسي بعد فترة قصيرة من عزل الرئيس السابق محمد مرسي المواطنين إلى منحه الصلاحيات من خلال الخروج في مظاهرات جماهيرية حاشدة من أجل إنهاء العنف. وبعد عملية فض اعتصام الإخوان المسلمين التي تمت بصورة وحشية قبل أسابيع وأسفرت عن سقوط مئات القتلى قامت الحكومة بفرض حالة الطوارئ وحظر التجوّل لمدة شهر.

حالة الطوارئ تمنح قوَّات الأمن صلاحيات خاصة في قمع الاحتجاجات والتجمعات، ليس ذلك فحسب، بل وتتم من خلالها أيضًا زيادة صلاحيات الجيش على نطاق واسع جدًا. ولهذا السبب يبدو المراقبون قلقين للغاية. فحتى لو تمكَّن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بفضل "خارطة الطريق" الخاصة به من وضع الدستور الجديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بسرعة فإنَّ الأسلوب السلطوي الذي يريد هذا النظام الجديد على ما يبدو انتهاجه في تنفيذ هذه الأهداف يثير وعلى نحو متزايد الكثير من القلق والاضطرابات.

وكذلك فقد اتَّخذ الجيش والشرطة إجراءات صارمة ضدّ الإخوان المسلمين وبات الآن جميع قيادات الإخوان تقريبًا يقبعون خلف القضبان بمن فيهم أيضًا مرشدهم العام محمد بديع. كما حكمت في هذه الأثناء محكمة عسكرية على اثنين وخمسين شخصًا من أتباع الإخوان المسلمين أحكامًا بالسجن بعضها لفترة طويلة بتهمة التحريض على العنف. وكذلك من المقرَّر أيضًا محاكمة محمد مرسي وأربعة عشر شخصًا من كبار المسؤولين بسبب مشاركتهم المفترضة في أعمال العنف ضدَّ المتظاهرين الذين خرجوا في احتجاجات في شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر.

التعامل بحزم مفرط مع الإخوان المسلمين - تم توجيه تهمة التحريض على القتل إلى كلّ من المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع ونائبيه وكذلك إلى الرئيس السابق محمد مرسي.

"دكتاتورية الرأي تسود في مصر"

وفي الوقت نفسه تواظب وسائل الإعلام الحكومية المتشابهة على تمجيد بطولات الجيش. وفي محطات الإذاعة يتم بث موسيقى عسكرية وكذلك يقدِّم بعض البرامج التلفزيونية رجالا يرتدون ملابس عسكرية. وتم حظر جميع القنوات التلفزيونية التي كان يستطيع الإسلاميون من خلالها نشر وجهات نظرهم. وباتت "دكتاتورية الرأي تسود في مصر" كما يقول الصحفي خالد داوود، الذي استقال من منصب المتحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني الليبرالية بعد فض اعتصام مؤيِّدي مرسي احتجاجا على العنف العسكري.

ويضيف أنَّه يتم الآن تكميم أفواه منتقدي الأجهزة الأمنية: "مصر تخوض الآن حربًا على الإرهاب - إمَّا أن تكون صديقًا أو عدوًا؛ وهذا السؤال يقرِّر الحياة أو الموت". ولكن مع ذلك فإنَّ نسبة قليلة جدًا من المصريين يعتقدون أنَّ هذا التطوّر مثير للقلق. وبحسب استطلاع للرأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة" فإنَّ أغلبية المواطنين المصريين يؤيِّدون إجراءات الجيش كما أنَّ نحو سبعين في المئة من المصريين يعتبرون أنَّ الطريقة التي استخدمها الجيش في فض اعتصام المتظاهرين كانت صحيحة.

وأثناء استراحة المؤتمر تقول رانيا إسماعيل التي يبلغ عمرها نحو ثلاثين عامًا إنَّ "الإخوان المسلمين كانوا يطلقون النار على المدنيين العُزَّل". وتشاهد خلفها صوراً يعرضها جهاز عرض فيديو على الحائط تظهر فيها مرارًا وتكرارًا مجموعات من الرجال الملتحين الذين كانوا يتبادلون إطلاق النار مع رجال الشرطة.

ثم تقوم رانيا إسماعيل بإدخال بعض خصل من شعرها المصبوغ باللون الأشقر تحت حجابها الأبيض وينشرح وجهها وتهتف قائلة: "لا يزال الغرب يساعد هؤلاء القتلة حتى الآن". وتضيف أنَّ وسائل الإعلام الأجنبية تريد تدمير بلدها: "نحن يتم ذبحنا وإحراق كنائسنا وأطفالنا يتعرَّضون لمضايقات ولكن مع ذلك يدافع الغرب عن الإخوان المسلمين". وتقول بصوت يشبه الصراخ: "لا تحشروا أنوفكم في شؤوننا".

وتظهر ردود الفعل في هذا اليوم أيضًا أنَّ كراهية الأجانب السافرة تزداد في مصر وخاصة كره المصريين للصحفيين الغربيين. إذ يتعرَّض الصحفيون في هذه الأيَّام مرارًا وتكرارًا للكثير من المضايقات من قبل قوَّات الأمن حتى أنَّ بعضهم تعرَّضوا للتوقيف عدة ساعات من دون أية مبرِّرات.

وهذه رسالة واضحة تفيد بأنَّ مَنْ سينشر انتقادات للعسكر سوف تتم معاقبته. ويزداد هذا العداء نتيجة التصريحات الرسمية التي تدلي بها الحكومة المؤقَّتة. وضمن هذا السياق أصدرت مؤخرًا وزارة الإعلام المصرية بيانًا من ثلاث صفحات خاصاً بالمراسلين الصحفيين الأجانب يبيِّن لهم ماهية التقارير الإعلامية التي تراها مصر "تقارير نزيهة" في المستقبل. وبحسب هذا البيان فإنَّ الاضطرابات الحالية في البلاد مجرَّد "تعبير عن إرادة الشعب" وإنَّ استخدام العنف من قبل الدولة هو "حرب مشروعة على الإرهاب".

الصيف الدموي بدل الربيع العربي - سقط مئات القتلى في الاشتباكات التي دارت في الأسابيع الأخيرة بين قوَّات الأمن وجماعة الإخوان المسلمين. وتم إلقاء القبض على أكثر من ألفي شخص من الإسلاميين ومن بينهم أيضًا العديد من قادتهم. تتهم الحكومة الإخوان المسلمين بارتكاب هجمات إرهابية والتحريض على العنف.

"دعم الغرب للإسلاميين"

إنَّ هذا الالحاح المحموم المعنون تحت اسم تهديد الوطن لا يخطئ في تأثيره على المواطنين. ومثلما يقول لنا ناشط مصري معروف لا يريد نشر اسمه فإنَّ كراهية الجماهير لجماعة الإخوان المسلمين باتت كبيرة للغاية بحيث أنَّه حتى الثوَّار المتشدِّدين باتوا يخافون الآن من انتقاد الوضع الراهن وسيطرة الجيش والحكومة المؤقتة.

ويعود سبب ذلك أيضًا إلى وجود العديد من نظريات المؤامرة التي تزيد من حدة حالة الاستياء القائمة؛ إذ يشيع البعض أنَّ الصحفيين هم مجرَّد جواسيس مأجورين يعملون لصالح الحكومات الأجنبية، بينما يتهامس الآخرون بشائعات تفيد بأنَّهم يعملون على تقوية جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى.

وعلى هامش المؤتمر الصحفي هذا الذي أقيم وسط مدينة القاهرة تقول سيدة مسنة بصوت خافت إنَّ قادة كلّ من ألمانيا وإسرائيل وأمريكا حاكوا مؤامرة ضدَّ المصريين وتضيف أنَّ هذه الحكومات دعمت الإسلاميين فترة طويلة. وتقول سيدة أخرى إن الإخوان المسلمين دفعوا مبالغ لشركات إعلان في الخارج من أجل إيصال تقارير كاذبة تستهدف الجيش إلى وسائل إعلام محلية؛ ثم تضيف هذه السيدة التي تبدو في منتصف الأربعين من عمرها أن الإخوان المسلمين يتمتعون لهذا السبب فقط بقدر كبير من التعاطف في دول الخارج. ولكن هل توجد أدلة على ذلك؟ تجيب هذه السيدة بأنفاس متقطعة: "هل يتعلق الأمر هنا فقط بوجود أدلة؟".

تقف ميرفت التلاوي في البهو مرتدية بدلة بنفسجية ومتزينة بأحمر الشفاه وتستعد لإلقاء كلمتها. وميرفت التلاوي هي رئيسة المجلس القومي للمرأة. وتقول إن النساء يتعرضن لقمع وضغوطات كبيرة من قبل الإسلاميين: "إذ تم قمعهن وطردهن من الوظائف العامة".

ولكن هذا - كما تقول بلهجة تبدو واثقة - سوف يتغيَّر الآن بكلِّ تأكيد، وتضيف أنَّ "الجيش يساعد النساء حتى يشعرن بالأمان من جديد في بلدهن". وتجهاهلت تلاوي سؤالها عما إذا كانت المرأة المصرية سوف تتمتع من جديد بتمثيل أوسع في البرلمان المقبل؟ وقالت هامسة وهي تسير نحو المنصة: "هذا ليس مهمًا الآن".

 

أندريا باكهاوس

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2013