"أنا مش شهيد"...أصوات لبنانية ضد العسكرة والطائفية

كثر مقتل أشخاص بتفجيرات في لبنان، حتى اعتاد الوعي واللاوعي لدى الناس على السماع عن أعمال القتل المحزنة. فانطلقت حملات إعلامية بهدف إيجاد كتلة بشرية ناقدة ومؤثرة تعيد رفع مستوى الوعي العام وتنبه إلى قيمة حياة الإنسان...كل إنسان. ولسان الحال: "لستُ شهيداً رغما عني أو مجرد رقم في إحصائيات القتلى". كما تطلع يوليانه ميتسكر موقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Juliane Metzker

في الصباح التالي لأيام عطلة عيد الميلاد عام 2013 يهز انفجار وسط بيروت. مكان الانفجار لا يبعد كثيرا عن "فندق انتركونتيننتال فينيسيا"، حيث انفجرت عبوة ناسفة سنة 2005 وأودت بحياة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ومعه اثنان وعشرون شخصا آخرون.

وبعد وقت قصير تنتشر الأخبار في الانترنت عن احتمال أن يكون الانفجار هذه المرة أيضا هجوما يستهدف شخصا ما، وسرعان ما تتأكد هذه التخمينات لدى الكشف عن أن أحد الضحايا القتلى الأربعة جراء انفجار سيارة مفخخة هو وزير المالية السابق محمد شطح الذي يُعَدّ من المقربين والمستشارين للسياسي المعارض سعد الحريري ابن رفيق الحريري، والذي أعلن انتقاده للنظام السوري ولحليفه حزب الله.

بيد أنَّ النقاش الدائر في وسائل الإعلام لم يكُن حول موت السياسي وحسب، إنما توجَّه اهتمام الرأي العام أيضا إلى ضحية أخرى وهو محمد الشعار، ذو السادسة عشرة من العمر، الذي كان حينها في مكان الانفجار يلتقي ببعض أصدقائه. قبل الانفجار بوقت قصير حين كان الشبان يلتقطون صورة لأنفسهم، وفي خلفية الصورة بدت السيارة الذهبية اللون التي كانت محمَّلة بالمتفجرات، والتي كان لها أن تتحول بعد بضع دقائق إلى كرة نارية ضخمة. الصورة التالية لمحمد أظهرت الشاب ذا السترة الحمراء مُلقىً بلا حراك على الأرض. وقد توفي في المستشفى متأثرا بجراحه في اليوم التالي.

حملة "أنا مش شهيد"

 وارتباطاً بمقتله نُشر الخبر التالي على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الثلاثين من كانون الأول/ديسمبر 2013: "اُرفض أن تعيش خائفًا. اُرفض حياة يمكن أن تموت فيها شهيدا. اُرفض التعايش مع العنف. أضف notamartyr# وبالعربية (#مش_شهيد) إلى تغريدتك على تويتر". انبهر المبادرون من العدد الضخم للتغريدات التي تحمل علامة المربع أو ما يسمى "هاشتاغ" notamartyr# وبالعربية #مش_شهيد. وبعد أقل من أسبوع سجَّل موقع الحملة على فيسبوك أكثر من خمسة آلاف "أعجبني".

 وأصبحت المبادرة تدعو إلى التقاط صور ذاتية مع عبارة عن لبنان التي يحلم المشاركون بها وإلى نشر الصور على الموقع. على ملصق تحمله شابة في الصورة يمكن قراءة: "لم أعُد أريد الاضطرار للتكهن بالمنطقة التي سيُقتل بها أصدقائي أو أفراد أسرتي". تُظهر صورة أخرى جواز سفر لبناني وإلى جانبه ورقة كتب عليها "لا أريد الاضطرار إلى مواصلة التفكير بمغادرة البلد".

 يوضح أحد المبادرين الذي لا يريد الكشف عن هويته بأن الحملة "لا تقتصر على محمد الشعار، قائلاً: يهمنا كلُّ الضحايا الذين سقطوا والذين صنِّفوا على أنهم شهداء رغمًا عنهم. ( ... ) نريد أنْ نوفّر للناس منبرا يعبِّروا من خلاله عن أفكارهم ويأسهم وآمالهم وأحلامهم – في زمن يشعر أكثر الناس فيه بأنَّ تصوراتهم التي يريدونها للبنان لم تعُد ذات أهمّية".

 وإلى جانب النداءات المناهضة للعنف يتحدث بعض الناشطين عن مشاكل اجتماعية يريدون محاربتها أيضا، فالمغني حامد سنّو من فرقة موسيقى الإندي بوب اللبنانية "مشروع ليلى" الذي أعلن مثليَّته الجنسية، يكتب على ملصقه: "بدي أمسك إيد صاحبي بلا ما خاف من الدرك". وهنالك صور أخرى تحتج على قضايا أخرى مثل البنية التحتية والفساد وتلويث البيئة في لبنان.

 احترام جميع ضحايا القتل

كان هناك أيضًا رد فعل على الهجوم الذي وقع في وسط المدينة من قبل رابطة الطلاب المسلمين عبر حملة "نحنا مش أرقام"، والتي دعت كلَّ اللبنانيين للمشاركة بجنازة الضحية المدني محمد الشعار.

 يوضح محمد إستيتية رئيس رابطة الطلاب المسلمين في بيروت أنَّ "... بعض وسائل الإعلام استعملت عبارة «مقتل السياسي محمد شطح وأربعة أو خمسة آخرين»، وكلمة «آخرين» استفزت مشاعر الشباب...". إثر ذلك تشكَّلت الفكرة وانطلقت هذه الحملة.

 ونشر بعد ذلك مع طلابٍ آخرين بيانًا في الانترنت بعنوان "نحنا مش أرقام ... وهم مش آخرين"، حصل على ما يصل إلى 30 ألف نقرة، كما وشكلوا علامة مربع بالاسم ذاته على تويتر.

 يذكر إستيتية هدفين للحملة: "نريد في البداية رفع الوعي لدى اللبنانيين، فهم لا يُقدِّرون حياتهم، وذلك لأنهم يشعرون بأنه من العادي أنْ تُقتل الناس من خلال أعمال العنف، كما أننا نمارس ضغطًا قويًا على وسائل الإعلام لكي تولي في تقاريرها الإعلامية الاحترام الواجب لكلِّ ضحايا العنف".

Bloggerin Marina Chamma; Foto: Bernard Khalil
Die libanesische Bloggerin Marina Chamma kommentiert in ihrem Blog "Eye on the East" (dt.: Der Blick auf Nahost) die politischen, gesellschaftlichen und kulturellen Ereignisse in der arabischen Welt.

 "نحن في حاجة إلى كتلة ناقدة ومؤثّرة"

 ولكن رغم النشاط في التعليق الصريح على الأحداث في لبنان والقدرة على التنفيس عن الغضب، يبدو نسبيًا أنه لا أمل من إيقاف العنف المتزايد في البلاد من خلال ذلك.

 المدوِّنة البيروتية مارينا شما شاركت في الكثير من الحملات المناهضة للعنف في لبنان. ونشرت بعد اغتيال شطح "رسالة شخصية من المدينة التي أعيش فيها"، تتطلع فيها بوضوحٍ وبلا أوهام إلى مستقبل البلاد وتبحث في مقدرة اللبنانيين التي تفوق المقدرة الإنسانية على التحمّل والتكيّف.

 "آمل أن تستمر المبادرات. فهذه ليست الحملات الإعلامية الأولى بعد هجومٍ يحصل في لبنان ولن تكون الأخيرة"، كما تقول مارينا شما منوهةً أيضًا إلى فشل معظم المبادرات المدنية في لبنان: "الكثير من النشطاء هم من الشباب المثقف في بيروت. بيد أننا نحتاج إلى كتلة ناقدة ومؤثِّرة لأجل تحقيق التغيير الفعلي المستدام في البلد، ولا بدَّ لنا من تعبئة لبنانيين من خارج بيروت أيضًا، فالتغيُّرات لا تعني بيروت وحدها إنما لبنان بأكمله".

 تتمتع كلتا المبادرتين بدعم وتأييد كبيرين في الإنترنت، لكن لكي لا تضطر حملاتٌ كهذه لأن تصبح مجرد نشاطات قصيرة الأمد في لبنان التي تعاني من الأزمات، لا بدَّ لها من الخروج من الفضاء الافتراضي والانتقال إلى الحيز العام و لا بدَّ من الكفاح بلا هوادة لتحقيق قناعاتها.

 

يوليانه ميتسكر

ترجمة: يوسف حجازي

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014