عالم موسيقي موحد في مدينة مقسَّمة

تعد القدس عاصمة الديانات السماوية الثلاث وهنا في قبو أحد الأديرة في البلدة القديمة في مدينة القدس توجد المدرسة الموسيقية الوحيدة التي يتعلَّم فيها طلبة مسيحيون ويهود ومسلمون العزف والغناء الجماعي. دانيال بيلتز قام بزيارة لهذه المدرسة في مدينة القدس وأعد هذا التقرير.

الصورة دويتشه فيله

​​ عندما يمارس شباب وشابات جوقة مانيفيكات تمارينهم تكون هناك واحدة من اللحظات القليلة التي يسود فيها الوئام في مدينة القدس القديمة. وهنا خلف مقاعد خشبية بُنِّية اللون، يقف ثمانية شباب وشابات يرتدون ملابس عصرية، ومن فوقهم سقف مقبَّب مصبوغ باللون الأبيض. ويعتبر هذا القبو الذي يقع أسفل دير الفرنسيسكان بعيدًا عن الأزقة الضيِّقة وجموع الناس الذين تعجّ بهم المدينة القديمة. وفي هذا القبو لا تُسمع إلاَّ أصوات جوقة الشباب والشابات وهم يتمرَّنون على غناء أغنية اسمها "زهور" .

وتتولى قيادة هذه الجوقة الشابة الفلسطينية المسيحية، هانية صبَّارة التي يبلغ عمرها أربعين عامًا وترتدي بنطالاً أبيض وقميصًا أخضر، وشعرها أشيب. وعندما تتكلم تضحك كثيرًا وتحرِّك يديها. ولكنها عندما تتحدَّث حول رسالة هذه المدرسة الموسيقية، فتصبح جادة ورصينة. وهي موجودة هنا منذ تأسيس المدرسة في عام 1995 وتقول صبَّارة: "يزور معهد مانيفيكات أبناء كلِّ الطوائف والمذاهب؛ طلاَّب من مختلف الطوائف المسيحية ومسلمون ويهود". وتضيف: "هنا يحصلون على الدروس نفسها، وعلى التعليم نفسه، ويلتقون ببعضهم في الجوقة ويكتشوفون أنَّهم جميعهم متشابهون".

جنبًا إلى جنب في مدينة واحدة

الصورة دويتشه فيله
مدينة مقسَّمة - تتكوَّن البلدة القديمة في مدينة القدس من أربعة أحياء للمسيحيين واليهود والأرمن والمسلمين

​​ وهانية صبَّارة تعرف من خلال تجربتها الخاصة السبب الذي يجعل من مدرسة موسيقية مثل معهد مانيفيكات مهمة إلى هذا الحدّ. فقد نشأت في منزل لا يبعد سوى مائتي متر عن دير الفرنسيسكان. وكانت تشاهد منذ طفولتها من فوق سطح منزل والديها الشيء نفسه: أي أسوار المدينة القديمة وأبراج الكنائس. ومن هنا يتَّضح مدى تأثير الأديان المختلفة في صورة هذه المدينة. وفي مدينة القدس القديمة تكتظ الكنائس والمساجد والكنس اليهودية فوق بقعة لا تزيد مساحتها عن مساحة ثلاثين ملعبًا لكرة القدم. وفي كلِّ مكان بين قبة الصخرة وبين قبتي كنيسة القيامة ترتفع في الهواء كثير من الصلبان والنجوم السداسية والأهلة. وما يزال يعيش بين الكنائس والمساجد والكنس اليهودية ثلاثون ألف شخص - في مناطق مقسَّمة تقسيمًا شديدًا حسب الأديان. وتتكوَّن البلدة القديمة في مدينة القدس من أربعة أحياء، للمسيحيين واليهود والأرمن والمسلمين.

ولكن من ناحية أخرى يلتقي في معهد مانيفيكات أبناء المجموعات العرقية والديانات المختلفة من أجل تلقي درس على آلة الكمان. والطالبان المشاركان اليوم هما ديفيد وحبيب. ولا تبدو عليهما أي اختلافات من منظرهما الخارجي: إذ يبلغ عمر الأوَّل عشرة أعوام والثاني إحدى عشر عامًا، ولكليهما شعر أسود وبشرة سمراء. ويرتدي حبيب ملابس رياضية مخطَّطة باللونين الرمادي والأبيض، أمَّا ديفيد فيرتدي قميصًا أزرق وبنطال جينز. ويحمل كلّ منهما آلة كمان في يديه.

وينحدر حبيب من عائلة فلسطينية مسيحية، أمَّا ديفيد فهو من عائلة أرمنية؛ في حين أنّ معلمتهما تانيا بيلتزر، يهودية. وتقول إنَّها تنتظر زياراتها الأسبوعية إلى مانيفيكات بسعادة: "تعتبر البلدة القديمة دولة قائمة بذاتها داخل هذا البلد. وفي حياتي اليومية لا ألتقي بفلسطينيين وأرمن ويونانيين. وذلك لأنَّ هذه المجتمعات منغلقة جدًا". وتضيف: "لهذا السبب تعتبر هذه المدرسة فريدة من نوعها؛ هنا يمكن الاطلاع على طوائف، لا يمكن الالتقاء بها أو التعرّف عليها عن كثب في مكان آخر قطّ".

الموسيقى تجمع بين الناس

الصورة دويتشه فيله

​​ وبينما تتحدَّث معلمتهم، يذهب ديفيد في طريق العودة إلى البيت. ولكنه حتى الآن لم ينته من التمرين على آلة الكمان. ويجلس والده هارود على أريكة جلدية سوداء اللون ويراقب ابنه. و يقول: "في القدس لا توجد لدينا أماكن كافية يستطيع الشباب فيها الالتقاء ببعضهم. ولهذا السبب من الجيد أن يتمكَّنوا من الذهاب إلى معهد مانيفيكات". ويعدّ هارود وابنه شخصين من بين نحو ألفي شخص أرمني يعيشون في المدينة. ومعظمهم غالبًا ما يبقون ضمن محيطهم في حي الأرمن في القدس. وهارود أصلانيان يريد لابنه شيئًا مختلفًا - ولذلك أيضًا فهو يرسله إلى معهد مانيفيكات.

ويقول: "الموسيقى تجمع بين الناس، وتجعلهم ينسون السياسة والدين، بحيث أنَّهم يصبحون طائفة واحدة". ويستمر ديفيد في التمرين على آلة الكمان. وديفيد الذي يبلغ عمره إحدى عشر عامًا، لم يقرِّر حتى الآن إن كان سيصبح موسيقارًا محترفًا أو ربَّما طيَّارًا. ولكن على أي حال يأمل والداه أن تساعده المدرسة الموسيقية على أن يصبح شخصًا منفتحًا.

دانيال بيلتز
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

قنطرة

ألبوم موسيقى "القدس مدينة السلامين":
القدس....مدينة السلام وأنشودة الوئام
أنتج جوردي سافال ومونتسيرات فيغيراس، وهما مختصان بشؤون موسيقى القرون القديمة ألبوما موسيقيا يحكي التقاليد الموسيقية لمدينة القدس عبر العهود اليهودية والمسيحية والإسلامية. لويس غروب يعرفنا بهذا المشروع الموسيقي الرائد.

الموسيقار الفلسطيني عادل سلامة:
الحوار هو روح الفن!
"منذ صغري وأنا أستمع إلى موسيقى العود، فأمي كانت تغني وأبي كان يعشق الاستماع إلى فريد الأطرش. " عادل سلامة ملحن وعازف عود فلسطيني يقيم في أوروبا منذ عام 1990، أصدرعددا من الأعمال الموسيقية. ينتمي سلامة إلى الموسيقيين العرب الذين يتخذون من أوروبا مكانا لإيصال موسيقاهم إلى المتلقي العربي وغيره.عادل سلامة أيضا داعية فعال للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. صالح دياب أجرى معه الحوار التالي.

المطربة الفلسطينية ريم بنا:
الموسيقى والحفاظ على الهوية
تتحدّث معظم أغاني ريم بنّا عن معاناة الفلسطينيين - بشكل ملحّ وعاطفي وأحيانًا بصورة قاسية تبلغ حدّ الابتذال. تملك المطربة الفلسطينية ريم بنّا الكثير من المعجبين الفلسطينيين في إسرائيل وفي المناطق المحتلّة. ومع ذلك ظلت الى ما قبل فترة قصيرة غير معروفة تقريبًا على المستوى العالمي. ريم سجلت الآن ألبومها العالمي الأوّل "مرايا روحي". مارتينا صبرا تعرّفنا هنا على هذه الفنانة الفلسطينية.