في انتظار كسر النازيين الجدد جدار الصمت أمام القضاء

بدأت في مدينة ميونخ الألمانية وتحت حراسة أمنية مشدَّدة محاكمة المتطرفين اليمينيين المتهمين بالانتماء إلى خلية النازيين الجدد الإرهابية السرية (إن إس يو) وبارتكاب سلسلة جرائم قتل في حق مهاجرين في ألمانيا. وفي هذه المحاكمة يأمل أهالي الضحايا في أن تكسر المتَّهمة الرئيسية بيآته تشيبه صمتها وأن تفرغ ما في جعبتها أخيرًا حول التهم الموجَّهة إليها. كلاوديا مينده تطلعنا على التفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Claudia Mende

 

بدأت يوم الإثنين السادس من أيَّار/مايو 2013 محاكمة بيآته تشيبه وأربعة متَّهمين آخرين أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة ميونخ.

وبيآته تشيبه متَّهمة بالاشتراك في سلسلة جرائم القتل غير المسبوقة التي ارتكبها أعضاء الخلية النازية الإرهابية اليمينية المتطرِّفة (NSU) في الفترة بين عامي 2000 و2006 في عدة مدن ألمانية وقُتل فيها عشرة أشخاص.

والآن يأمل ذوو الضحايا في الحصول على تفسير شامل يوضِّح كيف تمكّن الجناة من ارتكاب هذه الجرائم.

وقد طغت على الأسابيع الماضية التي سبقت أهم محاكمة جنائية تشهدها جمهورية ألمانيا الاتِّحادية جدالات حول السماح للصحفيين بحضور هذه المحاكمة. إذ لم تخصِّص في البداية المحكمةُ الإقليمية العليا في ميونخ أماكنَ لوسائل الإعلام التركية وذلك لأنَّ قاعة المحكمة صغيرة جدًا.

وبعد الشكوى التي قدَّمتها صحيفة "صباح" التركية للمحكمة الدستورية الألمانية الاتِّحادية، اضطرت المحكمة الإقليمية العليا في ميونخ إلى توفير مقاعد للصحفيين الأتراك من أجل تمكينهم من تغطية هذه المحاكمة. وبسبب إعادة منح الاعتمادات الصحفية تم تأجيل موعد البدء في هذه المحاكمة.

توقعات كبيرة

الآن وبعد هذه الخلافات على المسائل الشكلية يأمل ذوو الضحايا ومحاموهم أن يتحوَّل الاهتمام أخيرًا إلى القضية نفسها. وبالنسبة لهم يشكِّل تأجيل البدء في هذه المحاكمة عبئًا كبيرًا.

والآن باتت توقعاتهم كبيرة للغاية، بحيث صار من الممكن أن يتم في المحكمة تفسير الأسئلة الكثيرة التي لا تزال معلّقة حول سلسة جرائم القتل اليمينية المتطرِّفة.

بيآته تشيبه في قاعة المحكمة. رويترز
مثول الإرهاب النازي أمام المحكمة - يجب على المتَّهمة الرئيسية بيآته تشيبه أن تعترف بمشاركتها في جرائم الخلية الإرهابية النازية. وفي هذه المحاكمة يَمثُل معها أربعة معاونين مشتبه بهم، كما يبلغ عدد المدَّعين بالحق المدني نحو ثمانين شخصًا من ذوي الضحايا والمتضرِّرين. وتعد هذه المحاكمة واحدة من أهم المحاكمات في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتِّحادية.

​​

وقبل يوم من بدء المحاكمة توجَّه سبعة محامين عن المدَّعين البالغ عددهم سبعين مدعيًا ببيان إلى الرأي العام يطالبون فيه "بأقصى توضيح". وقد تم توجيه تهمة المشاركة في قتل تسعة مهاجرين وشرطية إلى المتَّهمة بيآته تشيبه وكذلك مشاركتها في تفجيرين وحريق شديد في مدينة كولونيا.

ولكن ومع ذلك لا تزال حتى الآن الكثير من تفاصيل هذه الجرائم التي تم ارتكابها بدوافع عنصرية غير واضحة.

ولعشرة أعوام لم تتمكَّن أجهزة المباحث على المستويين الاتِّحادي والإقليمي وبسبب أخطاء عديدة من معرفة أنَّ جرائم القتل هذه هي من فعل إرهابيين يمينيين متطرِّفين.

وحتى الآن لا يُعرَف إن كان الإرهابيون أعضاء الخلية النازية الإرهابية كانوا يلجأون في تنفيذ جرائمهم هذه إلى معاونين محليين وشبكات دعم.

وكذلك لا يزال من غير المعروف كيف تم اختيار الضحايا واختيار مسرح هذه الجرائم. ولذلك يسعى المحامون السبعة المترافعون عن المدعين إلى الاستفسار في المحكمة عن الدور الذي لعبته أجهزة المباحث والاستخبارات في قيام هذه المنظمة الإرهابية اليمينية المتطرِّفة وكذلك الدور المريب الذي قام به المتعاونون مع السلطات الأمنية.

وفي بيانهم هذا أكَّدوا على أنَّه من الصعب تصوّر أنَّ خلية النازيين الجدد الإرهابية هذه كانت تتكوَّن "فقط من ثلاثة يمينيين متطرِّفين خطِرين".

صمت لا يمكن احتماله

وفي هذه المحاكمة يعتبر أكبر سؤال سيتم طرحه هو إن كانت هذه المعالجة الشاملة للظروف والدوافع التي تكمن خلف سلسلة جرائم القتل التي ارتكبتها الخلية النازية الإرهابية سوف تحقِّق نجاحًا على أرض الواقع.

وذلك لأنَّ المتَّهمة الرئيسية، بيآته تشيبه لا تزال حتى الآن ملتزمة الصمت، ومحاموها الثلاثة المنتدبون للدفاع عنها أعلنوا أنَّها لن تدلي بأية أقوال في هذه المحاكمة.

صحيح أنَّ قانون أصول المحاكمات الجزائية يضمن لها حقها هذا في التزام الصمت، ولكن من الصعب بالنسبة لذوي الضحايا تحمل صمتها.

وبالنسبة للمحامية أنغيليكا ليكس، محامية أرملة اليوناني ثيودوروس بولغاريدس الذي تم اغتياله في مدينة ميونخ لا يتعلَّق الأمر لدى موكلتها في المقام الأوَّل بإنزال أقصىى عقوبة بالمتَّهمة بيآته تشيبه. بل إنَّ أمنية موكلتها - مثلما تقول - أن تعرف أخيرًا لماذا سقط زوجها ضحية لجرائم خلية النازيين الجدد الإرهابية.

وتقول المحامية أنغيليكا ليكس إنَّ المحقِّقين لم يتتَّبعوا طيلة أعوام الآثار المتوفِّرة على أية حال، ولو فعلوا ذلك لكان من الممكن لهم إيقاف جرائم القتل هذه في وقت مبكِّر جدًا.

وفي هذا الصدد تقول المحامية: "لقد كان من الممكن الحيلولة دون قتله". وتضيف أنَّ طريقة إجراء التحقيقات وكذلك كيفية التعامل مع أسر ضحايا جرائم قتل التسعة ذوي الأصول التركية واليونانية تمثِّل "خسارة كبيرة في ثقة المهاجرين بدولة القانون الألمانية".

سمية سيمسك. د ب أ
اختبار صعب لضحايا جرائم الإرهاب اليميني المتطرِّف - كانت سمية سيمسك في سنِّ الرابعة عشر عندما تم قُتِل والدها. ولم يتَّضح إلاَّ بعد أحد عشر عامًا أنَّ والدها كان أوَّل ضحية قتله الإرهابيون النازيون الجدد الثلاثة: أعضاء "الخلية النازية الإرهابية السرية" (NSU).

​​

فشل الدولة

وتقول المحامية ليكس إنَّه لم يكن يتم اعتبار أقارب المغدور بهم كضحايا على الإطلاق، بل كان ينظر إليهم دائمًا على أنَّهم متَّهمون.

فقد كان يتم وضعهم تحت الرقابة وكذلك إخضاعهم لتحرِّيات وسؤالهم عن علاقتهم بأوساط الملاهي الحمراء والمخدرات.

وتضيف ليكس أنَّ هذه الطريقة في التعامل مع ذوي الضحايا كانت لها عواقب كبيرة بالنسبة لهم وكما أنَّها تشكِّل بالنسبة لهم حاجزًا كبيرًا يحول دون "التغلّب على حزنهم ومعالجة هذه الأحداث".

وتضيف أنَّهم لا يزالون يعانون حتى يومنا هذا، وذلك لأنَّه ما من أحد تحمَّل شخصيًا المسؤولية عن فشل الدولة.

إنَّ كريم وسمية سيمسك أبناء التركي القتيل أنور سيمسك من مدينة نورمبرغ سعيدان لأنَّه صار من الممكن الآن لهذه المحاكمة أن تبدأ أخيرًا.

وبالنسبة لهما يمثِّل تأجيل بدء المحاكمة عبئًا كبيرًا، وذلك لأنَّهما ركزا اهتمامهما كثيرًا على هذه القضية. ولذلك "يجب عليهما الآن الحصول من جديد على هذه الطاقة والقوة"، بحسب تصريح محامياهما شتيفان لوكاس وينس رابه.

وبالنسبة للأخوين سيمسك من الضروري أن تتحدَّث المتَّهمة بيآته تشيبه في هذه المحاكمة، مثلما صرَّح يوم بدء المحاكمة المحامي شتيفان لوكاس في ميونخ، قائلاً إنَّ "هذا هو الشيء الوحيد الذي تستطيع فعله هذه السيدة لنا".

وهم يأملون في أن تكسر المتَّهمة تشيبه صمتها وتقول رأيها في التهم الموجَّهة إليها. وكذلك يريد الأخوان سمية وكريم سيمسك طرح أسئلة باعتبارهما مدَّعين في هذه القضية حول فشل الأجهزة الأمنية.

وبالإضافة إلى ذلك قال محاميا الأخوين سيمسك "نحن نأمل في أن تسمح المحكمة أيضًا بطرح مثل هذه الأسئلة"، ودعيا المحكمة الإقليمية العليا إلى التعامل مع الضحايا بإنسانية وبلطف.

كذلك لقد وجد الأخوان سيمسك أنَّ طريقة تعامل المحكمة في منح الاعتمادات الصحفية لوسائل الإعلام التركية تدل على "التكبّر والعجرفة".

وبالنسبة لهما يجب أن يكون الهدف من هذه المحاكمة إصدار حكم لا يعتبر حكمًا ملزمًا فقط، بل يلقى قبولاً واسع النطاق. وعند ذلك فقط سوف تكون العدالة أمرًا ملموسًا بالنسبة للضحايا.

 

كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013