أفلام تتناول العنف والإرهاب

نال الفيلم الإيطالي "حراس السحب" الهرم الذهبي، بينما احتفل الفيلم الألماني Blackout Journey "رحلة فقدان الذاكرة" بعرضه العالمي الأول أمام الجمهور المصري. تقرير فريدريك ريشتر من القاهرة.

مشهد من الفيلم الألماني، الصورة: موقع معهد غوته
مشهد من الفيلم الألماني

​​نال الفيلم الإيطالي "حراس السحب" الهرم الذهبي، بينما احتفل الفيلم الألماني Blackout Journey "رحلة فقدان الذاكرة" بعرضه العالمي الأول أمام الجمهور المصري. تقرير فريدريك ريشتر من القاهرة.

وفي هذا الفيلم: شقيقان يفقدان والديهما في اعتداء إرهابي استهدف مطار فينّا وتربيا بعيدين عن بعضهما. وبعد عشرين سنة يكتشف كل منهما الآخر وأسلوبه المختلف في التعامل مع موت والديهما: ميو (يؤدي دوره: ماريك هارلوفّ) موسيقيّ روك فوضوي في برلين، حلمه أن يكون لديه أستوديو صوتيات خاص.

أما أخوه فالنتين (يؤدي دوره: آرنو فريش) فقد تربّى في ضيعة صغيرة في الشطر النمساوي من جبال الألب. وميو لا يراعي معاصريه المحيطين به، أما فالنتين فهو يحسن التعامل مع دوابه أكثر من التعامل مع البشر. لقد أوصلته عواقب الاعتداء السيكولوجية إلى انفصام في شخصيته.

تدور أحداث "رحلة فقدان الذاكرة" على طريق تمر عبر الشطر النمساوي من جبال الألب، لكن الفيلم لا يأخذ القسط الكافي من الزمن ليروي بهدوء قصة التقاء الأخوين. تقوم ستيلّا بدور مهيمن، وهي صديقة ميو التي ترافقه في سفره وتقف بين الأخوين. لكن ما يجعل الفلم مقنعًا، رغم هذه العيوب في السيناريو، هو الإخراج الذي قام به زيغّي كامّل والتصوير الغني بالخواطر الجميلة.

موضوع عصري

قال رايموند ميسِّن، مؤلف رحلة فقدان الذاكرة، بعد العرض الأول للفيلم في القاهرة، إنهم عملوا طيلة أربع سنوات بالتعاون مع مختصين، كي يتناولوا في فيلم العواقب السيكولوجية لاعتداء إرهابي. وبهذا يتناول فيلم Blackout Journey "رحلة فقدان الذاكرة" واحدًا من مواضيع الساعة في مصر، رغم قلة طرحه للنقاش.

يقول أيمن النوبي، وهو موظف في مركز ثقافي، بعد أن شاهد الفيلم: "يعالج الشريط نتائج اعتداء إرهابي، وهذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها - هنا في مصر - فيلمًا كهذا. فهنا لا يهتمون إلاّ بالجناة". مضت أسابيع قليلة على وقوع الاعتداء الإرهابي الأول في مصر منذ سبع سنين. إذ لاقى ٢٤ شخصًا مصرعهم في هجومات بالقنابل على فندق في طابا.

وبعد ما اتخذت المؤسسة الألمانية لدعم السينما عدة قرارات تقضي بعدم دعم "رحلة فقدان الذاكرة"، اشتد عزم المنتج ألكسندر فويغت على عرض الفيلم خارج ألمانيا: "بالطبع إن هذا الموضوع مهم أيضًا في البلاد العربية وفي كل الشرق الأدنى".

وعلى الرغم من جدية الموضوع، كان لا بد لأيمن النوبي من أن يبتسم أثناء مشاهده الفيلم. ففي مشهد يسأل الأخوان وهم في الطريق إلى فينّا في جبال الألب أربعة رجال مسنين في مطعم، عن الاتجاه الصحيح، فيقترح عليهما كل واحد من الرجال الأربعة طريقًا ما. هذا المشهد ذكَّر أيمن النوبي مباشرة بالفوضى في القاهرة: "كثيرًا ما يحدث هذا لنا هنا أيضًا، عندما نسأل عن طريق".

كانت إيطاليا البلد الضيف في مهرجان القاهرة السنمائي ال 28 لهذا العام. وعدد الأفلام التي تنافست على جائزة الهرم الذهبي ١٨ فيلمًا. وكانت الجائزة الأولى من نصيب الشريط الإيطالي "حراس السحب".

كما يعتبر مهرجان القاهرة واحدًا من أهم المهرجانات السنمائية، لكنه افتقر في هذا العام إلى حسن التنظيم وقد لقي صدًى ضعيفا. إذ لم تتوفر كرّاسات برنامج المهرجان، إلاّ بعدما تم عرض الأفلام الأولى. كما يفضّل كبار السنمائيين المصريين - كيوسف شاهين - عرض أفلامهم الجديدة في مهرجانات دبي ومراكش، التي يتزامن عقدهما مع مهرجان القاهرة.

هل تم مقاطعة الأفلام البريطانية والأمريكية؟

تقول ماري غضبان التي تحظى بعضوية اللجنة التنظيمية منذ عام ١٩٧٦ منتقدة نفسها: "هناك عيوب في تنظيم المهرجان لهذا العام. وأماكن العرض بعيدة جدًا عن بعضها، وهكذا من الصعب على المرء أن يشاهد الأفلام".

حسب بعض التقارير الصحفية، تم حرم أفلام بريطانية وأمريكية من المشاركة في المهرجان - فعلى الفور اعتُقد أن السبب هو الحرب على العراق. وتقول السيدة غضبان: "ببساطة لم نحصل على هذه الأفلام". وتشير إلى مهرجانات سينمائية مثل كان وبرلين، هذه المهراجانات التي لن يقدر مهرجان القاهرة على مجاراتها.

كذلك ينفي شريف الشوباشي، رئيس المهرجان، مثل هذه التقارير الصحفية: "ببساطة الأفلام الأمريكية والبريطانية غير التجارية قليلة جدًا".

اعتراف بالأخطاء

ويعترف الشوباشي أن برنامج المهرجان ظهر بالفعل في وقت متأخر جدًا: "وصلت بعض الأفلام متأخرة جدًا إلى مصر، ولم نكن نود طبع البرنامج قبل أن نحصل على هذه الأفلام". لكنه راض عن المهرجان في هذا العام: "كنّا موفقين جدًا في الافتتاح وقد حُلنا في هذا العام دون أن يقوم السنمائيون في اللحظة الأخيرة بسحب أعمالهم المشاركة".

شارك في المسابقة فيلم للمخرجة إيناس دغيدي بعنوان "الباحثات عن الحرية" يعالج بشكل هامشي موضوعًا مشابهًا لموضوع "رحلة فقدان الذاكرة": تهرب ثلاث شابات من مصر والمغرب ولبنان إلى فرنسا، لكي يبحثن هناك عن الحرية التي لم يجدنها في مجتمعاتهن.

تقوم نيكول بارداويل بدور البنت اللبنانية الشابة آمال، التي ينبغي لها مثل الأخوين في Blackout Journey أن تكافح ضد العواقب السيكولوجية للعنف الذي عايشته شخصيًا. وكذلك تعاني في باريس من الشعور بالذنب وتتعرض في بلاد الغربة من جديد للتبعيّات.

وحالها كحال ميو في رحلته من برلين إلى فينّا، تجد أن هدفها باريس ليس المكان الذي يمكن أن يحرر الأنا من ذاتها ومن الماضي: "لا عليك من مكان وجودك. لكن المهم أن تكون حرًا في داخلك". وفاز شريط إيناس دغيدي بجائزة أفضل فيلم عربي.

بقلم ، فريدريك ريشتر قنطرة 2004 ©
ترجمة رائد الباش