مهرجان الربيع العربي- ألوان ثقافية بروح الثورات العربية

"مهرجان الربيع" يحط رحاله مجددا في لبنان بعد استراحة دامت عامين، المهرجان يغني موسيقى الشعوب بنكهة شبابية معاصرة حينا وتراثية تقليدية أحيانا أخرى، كما يتضمن مسرحيات وعروض راقصة لمجموعة كبيرة من الفنانين حول العالم. دارين العمري من بيروت والمزيد من التفاصيل.



مجموعة كبيرة من الفنانين أتوا من بلدان بعيدة وأخرى قريبة؛ من أوروبا وآسيا الوسطى والولايات المتحدة والعالم العربي. ليال طوال، حفلات ونشاطات يومية من الفن والموسيقى والرقص يحييها المهرجان، فيكتشف الشباب اللبناني الطاقات الفنية في بلاد مجهولة ثقافياً، ويلتقي في مساحة عامة بكافة طبقاته وطوائفه وعلى اختلاف مستوياته الاجتماعية والفكرية. في دورته الخامسة، لا ينأى المهرجان بنفسه عن المناخ العربي العام، بل يقدم عددا من الأنشطة الفنية التي تحاكي الأحداث المعاصرة على الساحتين العربية والعالمية. وهكذا، يصبح متأثرا بالربيع العربي، وبالقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الملحة والتغيرات السياسية والثورات الشبابية.

ربيع من نوع آخر يحل في لبنان. فالمهرجان الذي تنظمه مؤسسة المورد الثقافي بالتعاون مع الجمعية التعاونية الثقافية لشباب المسرح والسينما (شمس)، يأتي محملا بعطر أنشطة فنية وموسيقية متنوعة. وتتوزع برامجه من 19 نيسان/ أبريل لغاية 16 أيار/ مايو بين "بيت الفن" في طرابلس ومسرح "دوار الشمس" في بيروت. بين هذين المكانين، يتجول الفنانون، بعضهم يأتي إلى لبنان للمرة الأولى، حاملين معهم آلاتهم الموسيقية وعروضهم الراقصة والمسرحية من منابع شتى منها تركيا وزنجبار وطاجكستان وفلسطين وتونس وهولندا وإيران والولايات المتحدة الأميركية.


" وحش القمامة" للكبار والصغار

الصورة دويتشه فيله
"الهدف الرئيسي للمهرجان هو إتاحة مساحة عامة يختلط فيها الناس بكافة مستوياتهم الاجتماعية والفكرية"

​​

هل رميت قمامتك في البحر من قبل؟ هل سبق وتخيلت ما يحدث للقمامة؟ بهذه الأسئلة ذات الطابع البيئي، تبدأ مسرحية خيال الظل بعنوان "وحش القمامة" للمخرج تركي جنكيز أوزيك. ويعتبر أوزيك واحدا من أعمدة فن خيال الظل (أو ما يعرف بالكراكوز) بعد أن صنف فنه تراثا عالميا من قبل اليونسكو، وقاربت مواضيعه وأشكال الدمى التي يبتدعها المفهوم العصري، فتتلون أفكار مسرحياته ومضمونها بتحديات بيئية واجتماعية من دون تشويه الحرفة التراثية التقليدية لهذا الفن والمتوارثة منذ مئات السنين.
قد يبدو عنوان المسرحية مخيفا بعض الشيء، خاصة أن الاسم لا يستسيغ الأطفال الذين ملئوا كراسي مسرح "دوار الشمس"، ممسكين بأيدي ذويهم ومتأهبين لقصة الخيال المشوقة التي ستتحرك بكامل تفاصيلها أمامهم. بعد دقائق قليلة سيرون ما يذهلهم، وحتى ذلك الوقت ستخبرهم الممثلة حنان الحاج علي (عضو مؤسس في مؤسسة المورد الثقافي وجمعية شمس) عن قصة المسرحية التي ستعرض باللغة التركية، تقول لهم "لا تأبهوا للكلام، المهم هو الحركة والتعابير والصوت". تختفي حنان من على خشبة المسرح، ويبدأ ضوء خفيف من وراء شاشة قماشية بنسج خيوطه في ظلام القاعة، ليأخذ أهل المسرح بصغاره وكباره إلى عمق البحار.


تتحدث المسرحية عن سمكة مهمتها تنظيف البحار، بحس عال من المسؤولية. تأكل السمكة الكثير من القمامة فتتحول إلى وحش. تلتقي السمكة بالأراجوز وهو يلقي بزجاجة بلاستيكية في البحر، فتقرر مواجهته ليقلع عن عادته تلك. يعود الضوء مجددا، يرى الجمهور على الشاشة أمامهم قارب الأراجوز الصغير، فيأخذهم معه في رحلة ممتعة فوق الأمواج بعد أن لقنته السمكة درسا لن ينساه. كل ذلك يحصل من وراء شاشة قماشية شفافة لا تتعدى أبعادها المائة وخمسين سنتيمترا. يصفق الأطفال والكبار طويلا بعد انتهاء العرض، وهم لم يستفيقوا بعد من حلم الرحلة في عمق البحار.


مهرجان الربيع لكل الناس بلا تمييز

وتعتبر حنان الحاج علي، أن ما يميز مهرجان الربيع هو أنه متعدد الفنون وتضيف أن "الهدف الرئيسي للمهرجان هو إتاحة مساحة عامة يختلط فيها الناس بكافة مستوياتهم الاجتماعية والفكرية". ويقدم المهرجان برأيها، سياسة معاكسة لمنطق الفن التجاري المروج له في السوق. ويتضمن المهرجان ورش تدريب مهنية لسد الثغرات في المجال الفني الثقافي، إذ يعنى باكتشاف النماذج والطاقات الفنية من بلاد مجهولة ثقافيا، غالبا ما تكون مهملة أو مغيّبة عن الطابع الدولي والتجاري. ويهدف في الوقت ذاته إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها البلدان العربية، إذ تشير الحاج علي إلى أن المهرجان "يستقطب بالدرجة الأولى فنانين هم على علاقة وثيقة بمشاكل مجتمعاتهم وقضاياه الملحة".

دويتشه فيله
مهرجان الربيع برنامج متعدد الألوان والموضوعات

​​ويتميز التحدي الأكبر الذي يواجهه المهرجان بالتمويل. وبحسب الحاج علي، فإن المهرجان على الرغم من أنه يوفر للجمهور اكتشاف المساحات الفنية العربية والعالمية بأسعار رمزية ومجانية أحيانا، إلا أنه يعاني من ضعف الإمكانيات المادية، واستمراريته هي رهن بوعي القطاع الخاص عموما وبوجه خاص المؤسسات المصرفية والشركات التجارية. ويقول سامر وهو مواظب على حضور كل نشاطات المهرجان الرأي أن "المهرجانات الدولية هي حكر على طبقة معينة من الناس، أما هذا المهرجان فهو لنا". وبرأيه أن "الناس لهم حق في الثقافة قبل الماء والخبز. ولكن نحن ما زلنا بعيدين عن هذا الحق". ويشير إلى عطش الشباب اللبناني لهذه الأعمال الفنية قائلا "الفن الجدي هو الذي يطرح القضايا بشكل نقدي وأسلوب حقيقي، فيشكل بقعة ضوء جميلة وممتعة". فيما تقول سارة وهي من محبي الموسيقى والمسرح "لي مع المهرجان أكثر من لقاء مشوق"، وتضيف "في كل أمسية من المهرجان أقع فريسة الاكتشافات الجميلة".

ملتقى فنون الشرق والغرب

ويتضمن المهرجان مجموعة متنوّعة من الحفلات الموسيقية لفرق عالمية مثل أوركسترا نساء «طاوسي» للطرب من جزر زنجبار التي تجمع بين العزف والرقص والغناء ما بين تراث الفن في البلاد العربية وأفريقيا. أما الفرقة الفلسطينية التونسية"حاجز 303"، فهي تمزج بين الغناء والموسيقى المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والتي تسلط الضوء على معاناة الشعوب العربية ونضالها. ويقدم موسيقيين من طاجكستان وأوزبكستان أمسية بعنوان "الوجه المخفي للمحبوب" إلى جانب الفرقة التونسية «ديما ديما» والفرقة الهولندية "رباعي زاب" التي تمزج بين الجاز والروك والموسيقى الكلاسيكية.

حنان الحاج علي
"المهرجان يقدم سياسة معاكسة لمنطق الفن التجاري المروج له في السوق"

​​أما فرقة «عجم» الإيرانية فتؤدي الغناء الإيراني والكردي التقليدي بأداء يلامس الهيب ـ هوب. ويقدّم المهرجان عرضين للرقص المعاصر، الأول بعنوان "بعد الآن" لفرقة "دوركي بارك" الألمانية، والثاني بعنوان "سيّدات الكهف: التجسّد القادم" لفرقة كتيبة الرقص من الولايات المتّحدة. أما مسرحية "يحيا يعيش" للمخرج التونسي فاضل الجعابي، والتي تتكلم عن رئيس جمهورية يرى على شاشة التلفزيون وهو في منزله أنه خلع، فمنعت قبل الثورة في تونس، لتعود بعدها إلى خشبات المسارح في تونس والعالم.


دارين العمري - بيروت
مراجعة: عبده جميل المخلافي

حقوق النشر: دويتشه فيله 2012