مجلة ''آلاء''- مجلة الحجاب والكعوب العالية

يشهد الرأي العام التركي انقسامًا حول مجلة الموضة الإسلامية التركية "آلاء" التي تثير بشكل خاص غضب الجماعات الإسلامية. ومن المثير أكثر للدهشة أنَّ قرَّاء هذه المجلة اللامعة هم قبل كلِّ شيء من أوساط الطبقة الوسطى التركية الجديدة المقرَّبة من حزب العدالة والتنمية. مارسيل مالاشوفسكي يستعرض هذه المجلة.

الكاتبة ، الكاتب: Marcel Malachowski

امرأة يغطي الجزء العلوي من جسدها رداء من الحرير الأبيض اللامع، ويبرز ساقيها النحيلتين بنطال جينز ضيِّق وترتدي معطفًا جلديًا مقلم بالفراء وحذاءً جلديًا يصل حتى الركبة وبكعب عال جدًا. والوقت الآن ليلة السبت في إسطنبول، والمكان أمام مدخل صالة بلاك لانج الموجودة في مطعم وبار يقع بالقرب من مضيق البوسفور. هذه الامرأة التي ترتدي الملابس الملفتة للنظر اسمها جولباهان وهي محجَّبة. وتقول جولباهان: "لا أسمح لأحد أن يفرض عليّ أي شيء - والحجاب يزيد من أناقة موضتي".

كان يعتقد المرء حتى الآن أنَّه يجب على النساء المسلمات أن يخترن بين خيارين: إمَّا أن تكون المرأة بملابس دينية وحجاب أو أن تكون ملابسها غربية وشعرها مكشوف. ولكن التقاليد والحداثة تختلط الآن أيضًا في الموضة داخل تركيا المعاصرة. ومنذ عامين تقريبًا ترِّوج مجلة موضة ناجحة لهذا النمط من الأزياء اسمها "آلاء". ومجلة "آلاء" تحدث انقسامًا في الرأي العام التركي، كما تثير بشكل خاص غضب الجماعات الإسلامية؛ واتَّهمتا المفكِّر الأسلامي والداعية التركي اليميني الشعبوي المعروف فتح الله كولن في صحيفة "زمان" بخيانة القيم الإسلامية العميقة لصالح المظهر الجميل السطحي والمشين. وفي المقابل يسخر النقَّاد الليبراليون اليساريون في صحيفة "راديكال" من أنَّ مجلة "آلاء" ما تزال لا تظهر سوى القليل من ساق المرأة.

صدمة ثقافية في الاتجاه المعاكس

وكذلك من الممكن أن يتفاجأ معظم الأوروبيين عندما يقلِّبون صفحات المجلة التركية "آلاء". إذ إنَّ العارضات اللواتي يظهرن في

غلاف المجلة
"الحجاب والكعوب العالية" - تسعى مجلة الموضة الإسلامية التركية "آلاء" إلى مواجهة نموذج عارضات الأزياء الغربي بصورة المرأة التركية التقليدية والمتطوِّرة في الوقت نفسه.

​​ سلسلة الصورة لا يعرضن فقط أحدث تصميمات الحجاب، بل يعرضن كذلك أيضًا تنانير رسمية ضيقة وسترات جلدية تبرز الجسد. ومن المثير أكثر للدهشة أنَّ قرَّاء هذه المجلة اللامعة هم قبل كلِّ شيء من أوساط الطبقة الوسطى التركية الجديدة المقرَّبة سياسيًا من حزب العدالة والتنمية المعروف بتوجّهاته الإسلامية. وعلى العكس من مجلات الطيف الإسلامي الأخرى فإنَّ القرَّاء نادرًا ما يجدون في مجلة "آلاء" نصوصًا دينية ذات طابع تعبدي، بل تعرض في هذه المجلة قصص حول نجاح عمل النساء المسلمات وصور مختلفة لشخصيات رائدة من أوساط المحافظين.

ولكن يبدو أنَّ التطوّرات الاجتماعية التي شهدتها تركيا في العقد الأخير تنعكس في الموضة التي تعرضها مجلة "آلاء". وعلى الرغم من أنَّ هذه المجلة تمثِّل بالنسبة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية صراعًا ثقافيًا يدور بين المتدينين والعلمانيين في تركيا، ولكن في الواقع ربما تكون مجلة "آلاء" تعبيرًا عن التقارب بين العوالم المختلفة في تركيا الحديثة.

عظمة الطراز العثماني تكتسح الموضة

كانت المناطق الغربية من مدينة إسطنبول مثل منطقة كاديكوي قبل بضعة أعوام فقط معقلاً للنخب الأنيقة ذات التوجّهات الغربية. ولكن الطفرة الاقتصادية في تركيا غيَّرت أيضًا البنى الاقتصادية في المجتمع. إذ لم يعد الرفاه حكرًا على الطبقات العليا وحدها، بل لقد أصبحت أيضًا شرائح من الطبقة الوسطى قادرة الآن على اقتناء الأشياء الفاخرة الصغيرة منها والكبيرة المستخدمة في الحياة اليومية. والأزياء رموز معبِّرة تدل على الثروة والنجاح - وحتى بالنسبة للأتراك من ذوي التوجهات الدينية.

توجد في وسط مدينة إسطنبول وكذلك أيضًا في أنقرة وقيصري محلات أثاث مكلفة تعرض تصاميم إسلامية للبيوت؛ مثل الآيات المذهبة المنقوشة في الرخام الإيطالي. أصبحت عظمة الطراز العثماني من جديد تكتسح الموضة وتمتزج مع البريق الغربي، وهذا الاتِّجاه يرتبط مع إشارات تاريخية مشكوك فيها تشير من خلالها حكومة إردوغان إلى العصر ما قبل الجمهورية. ومجلة "آلاء" سدَّت بالذات هذا الفراغ في سوق التغيّرات الاجتماعية. وفي السابق كانت تهيمن على سوق المجلات التركية مجلات ترفيهية متحرِّرة تركِّز على ممثلات السينما والأوبرا والمسلسلات وعلى أسماء غربية مثل سلسلة "فوج".

لكن فكرة مجلة "آلاء" كانت تكمن منذ البداية في مواجهة تبني نموذج عارضات الأزياء الغربي بصورة المرأة التركية التقليدية وكذلك إيضًا المتطوِّرة - امرأة ترتدي "الحجاب والكعوب العالية" مثلما يصفها بإيجاز وبدقة محرِّر مجلة "آلاء" محمد فولكان أتاي. وعن ذلك تقول مصممة الأزياء الشابة الألمانية ذات الأصول التركية عائشة كيليج التي ترسم بصورة منتظمة رسومات معبرِّة وطليعية لصالح مجلة "آلاء" إنَّ الحجاب الذي يغطي الشعر بشكل تام لا يمنع المرأة على الإطلاق من الوعي بالموضة ونمط الأزياء والأناقة، بل إنَّ العنصر الديني يخلق مزيدًا من الإلهام لتنسيق الأزياء، وتضيف: "آمل أن يكون لهذا الشكل من أشكال الأزياء الإسلامية الحديثة الخاصة بالمحجبات مستقبل عظيم، إن شاء الله". 

 

انتماء للتقاليد والحداثة

ا ب
تصفها وسائل الإعلام التركية بأنَّها رمز للموضة الجديدة وروعة الأناقة - سيدة تركيا الأولى خير النساء غول، زوجة الرئيس التركي عبد الله غول.

​​

وفي الحقيقة يبدو أنَّه لا توجد في تركيا وحدها سوق ضخمة جدًا لمجلة أزياء إسلامية مثل مجلة "آلاء"، بل كذلك أيضًا في داخل أوساط المهاجرين في أوروبا. قبل فترة قصيرة أعدَّت الدكتورة ريحان شاهين - المعروفة أيضًا باسم مغنية الراب "السيدة المومس راي" - أطروحتها للدكتوراه حول موضة الحجاب. وتقول ريحان شاهين إنَّ هذه الموضة المكوَّنة من ملابس أنثوية للغاية ومن الحجاب تشكِّل ظاهرة تزداد شعبيتها باستمرار كذلك في أوساط النساء التركيات في ألمانيا. وتضيف أنَّ النساء يردن من خلال ذلك التعبير عن انتمائهن المزدوج - انتماء للتقاليد والحداثة.

ولذلك لا داعي للاستغراب من تحويل أبرز نساء تركيا، السيدة أمينة إردوغان ونظيرتها خير النساء غول في هذه الأثناء وليس فقط في المجلات التركية إلى رموز جديدة من رموز الموضة وروعة الأناقة؛ فهما تجمعان في ظهورهما العلني ما بين ملابس سيدات الأعمال التي تبرز الجسد والمغلقة حتى العنق وبين الحجاب الحريري، مع الأحذية ذات الكعب العالية من ماركة كريستيان لوبوتان التي تتمتَّع بشعبية واسعة والإكسسوارات الكلاسيكية مثل القفازات. مظهر يذكِّر بمغنِّيات الأفلام الغربية من الأربعينيات، ولكن يثريه الحجاب الشرقي.

لقد أوجدت هذه الأزياء الإسلامية جمالية جديدة جدًا تشير إشارة كلاسيكية إلى البرجوازية الأوروبية القديمة التي تبنتها الطبقات الثرية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط. وكذلك تظهر تسميات جديدة في أوروبا مثل أتيليه الحجاب الجديد في مدينة جنيف. وتسعى مؤسِّسة هذا الأتيليه الإيرانية مريم سيدي نجيب من خلال تشكيلتها إلى مخاطبة "المرأة المسلمة الحديثة"، وحول ذلك تقول مريم نجيب: "نحن نريد ربط الكلاسيكي مع الطبقة، تمامًا مثلما كان ذلك معروفًا في السابق من فرنسا أو إيطاليا. والمهم لنا إعطاء التقاليد الشرقية لمسة عصرية".

 

مارسيل مالاشوفسكي
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012