العلاقات المغاربية-الأوربية إلى أين؟

سيتسع الاتحاد الأوروبي قريبا ليشمل دولا من أوربا الشرقية مما يولد الخوف لدى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط بأن تتعرض للمزيد من العزلة الاقتصادية. تقرير بيرنهارد شميد عن الشراكة الأوربية-المغاربية.

الصورة: ماركوس كيرشغيسنر
الحدود بين مليلة والمغرب

​​

ابتداء من مطلع شهر مايو المقبل سيتسع الاتحاد الأوروبي ليشمل 25 عضوا. ويبدوا أن ما طاب للرئيس السوفيتي السابق غورباتشوف تسميته "البيت الأوروبي المشترك" قد بدأ يأخذ معالم محددة.

"البيت الأوربي المشترك" عبارة ما زالت تعني للكثيرين بأن الأتراك والمغاربة والمصريين على سبيل المثال ينبغي أن يبقوا خارج هذا البيت وبأنهم أقل تمدنا منا. هذا وسيتعين أيضا على الجزء الأكبر من الاتحاد السوفيتي السابق أن يبقى لمدة طويلة خارج أبواب "البيت الأوروبي ".

المنطقة الواقعة في الطرف الجنوبي من القارة الأوروبية وتحديدا على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط ينتابها الخوف بأن تتعرض للمزيد من العزلة الاقتصادية عندما يولي الاتحاد الأوروبي اهتماما مكثفا بالأسواق الجديدة الواقعة في شرق القارة الأوروبية والتي ستصبح قريبا أسواقا داخلية بالنسبة للاتحاد. بهذا المفهوم كتبت جريدة ليبيراتسيون الصادرة في باريس ريبورتاجا من دكار والجزائر بعنوان "الجنوب تحت ظلال الشرق".

هذا على الرغم من أن المجموعة الاقتصادية الأوروبية (سلف الاتحاد الأوروبي) أشارت صراحة في ملحق بروتوكول تابع لوثيقة تأسيسها المسماة بالمعاهدات الأوروبية في عام 1957 إلى كل من الجزائر وتونس. لم ينظر إلى هاتين الدولتين كعضوين بل تم تحديد هويتهما فقط بكونهما تتمتعان بعلاقات اقتصادية "متميزة" مع عضو المجموعة الاقتصادية الأوروبية فرنسا. كانت تونس في ذلك الحين قد نالت استقلالها قبل أقل من عام واحد، أما الجزائر فكانت تابعة لفرنسا وإن اشتعلت فيها نيران حرب الاستقلال.

سعت دول حوض البحر المتوسط الجنوبية التي حاز أغلبها في هذه الأثناء على استقلالها دؤوبا إلى تقوية روابطها الاقتصادية مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وحيث أن اقتصادياتها كانت في العهد الاستعماري معتمدة على أسواق عواصم الدول الاستعمارية السابقة فقد أبدت الرغبة في إبقاء تصدير سلعها الزراعية بسهولة إلى تلك الأسواق.

شكلت الجزائر وضعا استثنائيا في هذا الصدد، حيث أنها تملك النفط من ناحية وسعت من ناحية أخرى حتى نهاية السبعينيات إلى تكريس استقلالها الاقتصادي من الدول الأوروبية من خلال انتهاج سياسة اقتصادية اشتراكية.

قررت المجموعة الاقتصادية الأوروبية في قمتها المنعقدة في باريس في أكتوبر 1972 ممارسة سياسة مبنية على معاهدات المشاركة نحو الدول الواقعة جنوب وشرق حوض البحر المتوسط. تضمن هذه المعاهدات نقلا حرا للسلع بالنسبة لكافة المنتجات الصناعية ولعدد كبير من المنتجات الزراعية. وقد تضمن ذلك تصدير السلع الصناعية على وجه خاص من الشمال إلى الجنوب والسلع الزراعية على عكس ذلك أي من الجنوب إلى الشمال.

أخذت المجموعة الاقتصادية الأوروبية ابتداء من منتصف الثمانيات تسعى إلى الحد من هذه الحرية الاقتصادية لحماية اقتصاديات دول أعضاء جدد مثل أسبانيا والبرتغال كانت هياكلها الاقتصادية شبيهة في ذلك الحين بدول الجنوب، من المنافسة في قطاع منتجات النسيج والزراعة. لم يتم إلغاء مفعول الاتفاقيات المبرمة مع دول جنوبي حوض المتوسط، هذا وإن طولبت هذه الدول بفرض "حدود ذاتية طوعيه" بالنسبة لصادراتها بحيث لا تتعدى المعدلات الحال الذي كان عليه في الفترة بين 1980 و1984.

الانفتاح في اتجاه أوروبا الشرقية يحد بصورة خاصة فرص دول المغرب العربي. من المؤشرات الواضحة لذلك على وجه خاص تحويل القروض والمساعدات الاقتصادية الحكومية الموجهة أساسا إلى الجنوب نحو الشرق.

ففي الفترة بين 1991 و 1994 لم تنل دول حوض المتوسط الجنوبية من القروض والمساعدات المالية الحكومية سوى 1،6 مليار ايكو (الوحدة المالية الأوروبية السابقة) من المجموعة الأوروبية وبعد ذلك من الاتحاد الأوروبي. أما أوروبا الشرقية فقد نالت في نفس الفترة مبلغا مقداره 3،8 مليار ايكو.

على عكس حال ذلك ظل حجم التبادل التجاري بين المجموعة الأوروبية /الاتحاد الأوروبي ودول حوض المتوسط الجنوبية (78،8) في بادئ الأمر أكبر منه في حالة أوروبا الشرقية (46،4 مليار). كما كان التبادل التجاري مع الجنوب أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية منه في حالة التبادل مع الشرق، فبلغ فائض الميزان التجاري للاتحاد الأوروبي مع الجنوب ضعف قيمة الفائض مع الدول الشرقية (12،4 مقارنة ب 5،8 مليار ايكو).

ابتداء من التسعينيات حاول الاتحاد الأوروبي مجددا تحسين علاقاته مع جيرانه الجنوبيين.وتوجد لذلك عدة أسباب.

فبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يسعون إلى موازنة التوسع الأوروبي في شرق أوروبا الذي تشكل ألمانيا في نظرها المستفيد الرئيسي منه. كما أن هناك مخاوف بانحسار النفوذ الأوروبي في المنطقة الواقعة بين المغرب العربي ومنطقة الخليج بعد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق عام 1991.

هناك أيضا مخاوف على ضوء الأزمة الراهنة في الجزائر فيما يختص بمضاعفات التيارات الإسلامية المتطرفة و"موجات اللجوء" المحتملة على وجه خاص، تلك المسألة التي شكلت دوما موضوعا هاما في التعاون مع دول الجنوب لا سيما مع كل من المغرب وتونس.فالنظام الملكي المغربي يتبنى المصالح الفرنسية الهادفة إلى منع الهجرة من هذا البلد إلى فرنسا.

وكان قد سبق للملك الراحل الحسن الثاني قد استقبل حتى المتطرف اليميني الفرنسي جان ماري لو بان عام 1996 للتباحث معه حول هذه المسألة.والمعروف أن المغرب يشكل بالإضافة إلى ذلك معبرا هاما للمهاجرين من أفريقيا الواقعة جنوبي الصحراء في اتجاه أوروبا.

ويتم بمساعدة أوروبا تجهيز قطاع الشرطة في البلدين ذوي النظام المطلق المغرب وتونس للتعرف على السفن الناقلة للمهاجرين والحيلولة دون وصولها لأهدافها.

عقد في برشلونة عام 1995 مؤتمر أوروبي متوسطي اتسم بدق الطبول وإعطاء أفضل الوعود تحت شعاري "التعاون الحضاري بين المنطقتين" وإزالة الأحكام المسبقة، وأعلن فيه البدء في إنشاء منطقة تجارية حرة تشمل ضفتي المتوسط. وتفضل أوروبا في هذا الصدد إبرام اتفاقيات ثنائية بين الاتحاد الأوروبي وكل دولة جنوبية على انفراد. وقد أبرم الاتحاد الأوروبي مع كل هذه الدول باستثناء ليبيا مثل هذه الاتفاقيات في إطار "المشاركة بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوبي المتوسط". وكانت الجزائر آخر هذه الدول حيث وقعت في أبريل 2002 اتفاقية مشاركة على هامش قمة عقدت في فلنسيا.

تتشابه تلك الاتفاقيات مع المعاهدات المبرمة مع الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولكنها تختلف عنها من حيث عدم تضمنها فرصا للانضمام نفسه.وتتضمن هذه الاتفاقيات في العادة شروطا موضوعة بشكل عملية انفتاح اقتصادي لا تراجع منه إطلاقا بالنسبة لاقتصاديات دول جنوب حوض البحر المتوسط .

فحتى عام 2008 و 2010 من المقرر إلغاء كافة الرسوم الجمركية والحواجز المفروضة على السلع المستوردة في تونس، علما بأنها وضعت لحماية الاقتصاد الوطني المفتقد إلى القدرات التنافسية من الشركات الغربية التي تفوقه في إطار القدرة التنافسية بمراحل ضخمة.

ولا شك أن تونس قد استفادت حتى الآن من ناحية أخرى من انفتاحها على السوق الأوروبية لكونها قد ركزت جهودها على قطاعات معينة كالسياحة والإلكترونيات وقطع غيار السيارات. ولكن في نهاية هذا العقد ستتضح معالم سلبيات هذا النمط من التعاون حيث ستنهار الصناعات المحلية غير ذات القدرات التنافسية وستتصاعد معدلات البطالة وسيزداد اعتماد البلاد اقتصاديا على الخارج.

جاء في وثيقة صادرة عام 2000 عن "اللجنة العامة للتخطيط" وهي مؤسسة رسمية فرنسية مختصة بالشؤون الاقتصادية حول الإصلاحات الداخلية "إن حجم القرار الأوروبي هو الأساس، حيث لا تملك دول حوض المتوسط الجنوبية القدرة على تحريك عملية التعاون بين الطرفين." لا شك أن هذه المقولة واضحة جلية للغاية.

من ناحية أخرى تتضمن اتفاقيات مناطق التجارة الحرة شروطا سياسية أيضا وهي تتعلق خاصة بالالتزام بحقوق الإنسان.

ليست هذه الشروط من قبيل تأدية واجب شكلي محض لإرضاء التوجهات النقدية لدى الرأي العام، بل إنها تستخدم وسيلة ضغط محتملة تجاه أنظمة تلك الدول التي تتسم بما لا شك فيه بطابع استبدادي.ولكن هذا الضغط قد لا يتم اللجوء إليه إلا في حالة تبني حكومات تلك الدول لمصالح وطنية وعلى نحو قوي ثابت.

بيرنهارد شميد، نشر المقال في صحيفة جنغيل وورلد الألمانية
الترجمة عن الألمانية عارف حجاج