عادل إمام....كوميديا سياسية موالية لنظام مبارك

فيلم "الإرهاب والكباب" لشريف عرفه من الأفلام الكوميدية القليلة التي أثارت الانتباه على المستوى الدولي. وفي أعقاب التحولات الراهنة في مصر يُعرض الفيلم في عديد من الأماكن كمثال على عمل فني نقدي مبكر، كما تتناوله الصحف بالتحليل. إيريت نايدهارت تقدم هنا رؤية مخالفة لمعظم النقاد.

الكاتبة ، الكاتب: Irit Neidhardt



النجم المصري الكبير عادل إمام هو بلا شك أشهر فنان كوميدي في العالم العربي وأكثرهم شعبيةً وجاذبيةً لدى الجماهير. في فيلم "الإرهاب والكباب" يلعب عادل إمام دور أحمد، وهو موظف صغير يمثل رجل الشارع. يحاول أحمد المرة تلو الأخرى أن يستخرج من مبنى المجمع في قلب القاهرة الأوراق اللازمة لنقل أطفاله من مدرسة إلى أخرى.

يسبح أحمد في تيار البشر الزاحف في ممرات المجمع. وبعد عدة دورات في طوابق عديدة يصل إلى المكتب المنشود. وعندما يصل إلى هدفه يجد موظفة تثرثر بلا انقطاع وبهستيرية في التليفون مع صديقتها، ثم تحيل الموظفة أحمد إلى موظف آخر ينتمي إلى الإخوان المسلمين، وهو لا يفرغ من صلاة حتى ينهمك في أخرى. وبين آيات الحمد والشكر التي يلهج بها يرسل الموظف أحمد إلى "الأخ مدير القسم" الذي يكون ذات مرة في دورة تدريبية، ومرة أخرى يكون خارج المجمع ليقضي حاجته إذ أن دورات المياه في المجمع لا تناسب مقامه، مثلما تقول المرأة الثرثارة.

المصلحة الحكومية مرآةً للمجتمع

مشهد من الفيلم
"النجم الكوميدي عادل إمام لا يفهم الدعابة إذا تعلق الأمر بشرف رئيسه".

​​يستغل كاتب السيناريو وحيد حامد المجمع لكي يتحدث عن معظم مناحي الظلم التي يعاني منها الناس في النظام المصري. وتنبع الكوميديا في الفيلم من المبالغة في رسم الشخصيات التي تتسم أساساً بالنمطية: شخصية الجندي مثلاً – هذا القروي الساذج الذي يقبل إهانات رئيسه الأعلى رتبةً الذي لا يأمره بتنظيف مكتبه من الغبار فحسب، بل يدعه أيضاً يعتني بأطفاله؛ أو ماسح الأحذية الذي يجلس على الدرج بين الطوابق ويحكي كيف احتال عليه الموظفون في المجمع واستولوا على قطعة الأرض الصغيرة التي كان يملكها؛ أو المرأة التي قُبض عليها خطأ باعتبارها عاهرة والتي تستطيع أن تخرج من فتحة فستانها الواسعة ترسانة كاملة من مواد التجميل والتي ترفض أن توقّع على اعترافات خاطئة لم تدل بها؛ وأخيراً الشاب النوبي – وهو وفق الصورة النمطية محدود القدرات العقلية – الذي يبدأ كلامه دائماً بعبارة: "في أوروبا والدول المتقدمة ...".

يفشل أحمد في العثور على رئيس القسم في إحدى دورات المياه في المباني الفاخرة المجاورة للمجمع، وفي طريق العودة إلى المجمع يرى في الشارع رجلاً أنيقاً متقدماً في العمر كان قد سمعه من قبل في الأتوبيس وهو يهاجم انحلال الأخلاق وتزايد أشكال التدين والغباء في المجتمع. يعتقد أحمد أن الرجل هو "الأخ رئيس القسم"، وهكذا يعود مسرعاً إلى المكتب ويعلن أنه سيبقى هناك إلى أن تُستخرج الأوراق المطلوبة.

وهكذا يتفجر نزاع بينه وبين الإخواني الذي يريد التخلص من أحمد، في حين يرى أحمد أن المصلحة الحكومية مكان عمل وليست دار عبادة. يتطور الأمر إلى عراك بالأيدي، فتتصل الموظفة بسرعة بقوات الأمن، وخلال القبض على أحمد تنطلق رصاصة. يجد أحمد البندقية في يده، فيعلن وقد استولى عليه الارتباك أن كل الموجودين رهائن.

وبالقرار الذي يتخذه أحمد يهجر الفيلم جنس الكوميديا؛ وتختفي فجأة كافة المعوقات التي تعرض إليها سيناريو الفيلم حتى تلك اللحظة. وعندما يسير على الدرج عائداً إلى المكتب (الرجل الأنيق لم يعد يذكره أحد) فإن طرقات المجمع كادت تخلو من الناس، أما الثرثارة فقد توقفت عن التحدث بالتليفون لأول مرة، وفجأة يجدها المتفرج قادرة بالطبع على الاتصال بقوات الأمن. الإخواني وحده يواصل الصلاة، معمقاً بالتالي من حضور المشكلة.

استفزاز بلا نقاش

وحيد حامد كاتب سيناريو ناجح ومشهور، الحكايات التي تدور حوله تملأ صفحات بأكملها في الجرائد. في مطلع التسعينات كان قد حقق الشهرة أيضاً. ويُعتبر التصوير المستهجِن للتدين من سماته المميزة في الكتابة السينمائية، وكذلك الاستفزاز وكسر المحرمات. غير أنه لا يتناول تلك المحرمات أبداً، وإنما يذكرها فحسب، دون الخوض في أي نقاش.

الصورة ويكيبيديا
انتقادات شديدة طالت عادل إمام بسبب موقفه من الثورة

​​لا يتضامن مع أحمد سوى الشخصيات المذكورة سلفاً، ما عدا النوبي المتعلم. أما الأشخاص الآخرون في المجمع فهم مجرد رهائن. المقابلة بين الدولة والشعب تتحول إلى مقابلة بين إرهابيين ومواطنين صالحين، إلى أخيار وأشرار. في هذا الفيلم أيضاً لا يتأمل المؤلف في الموقف على نحو دقيق، كما أنه لا يلتفت إلى السخرية النابعة من أن أحمد نفسه موظف، وأنه عندما أخذ الحاضرين رهائن فإن ذلك نبع من شعوره باليأس من اللامبالاة التي تتسم بها المصالح الحكومية. كان ينبغي على أحمد أن يصوغ مطالبه في أجندة سياسية، ولكن لا مطالب لديه.

يمنح وزير الداخلية – الذي يسرع إلى المجمع مع فرقة كاملة من جنود الأمن المركزي المدججين بالسلاح – أحمد فرصتين لكي يصوغ مطالبه. غير أن الخاطف يبدأ في التهتهة عاجزاً عن قول شيء، وفي النهاية يسأل الرهائن ما إذا كانوا يشعرون بالجوع، ثم يخبر الوزير برغبتهم في أكل الكباب. يعرض الوزير عليهم وجبات من كنتاكي، غير أن الشعب يرفض ذلك ويهتف عبر نوافذ المجمع المفتوحة: "الكباب الكباب، يا نخلي عيشتكوا هباب!"

لدى محاولة الوزير انتزاع المطالب من أحمد يضحك الأخير ويقول في اضطراب أنْ لا مطالب لديه، وأنه جاء ليستخرج أورقاً خاصة بنقل أطفاله من المدرسة، وأنه لا يختلف عن كل الموجودين الآخرين الذين يبدأون شيئاً فشيئاً في التحدث عن همومهم ومشاكلهم، معلنين ببلاهة عن استيائهم من السياسة. لكنهم يعجزون عن صوغ مطالب. أثناء إخلاء المجمع على نحو سلمي يغادر أحمد المبنى في حماية الرهائن دون أن يتعرف عليه أحد من رجال الشرطة. ويشرق نور الفجر ويختفي الممثلون عن الأنظار، الواحد إثر الآخر.

فنان كوميدي لا يفهم الدعابة

حتى وإن كان الفيلم يهجر شكلياً جنس الكوميديا، دون أن يبالي بكافة التناقضات بدلاً من استغلالها كعنصر أساسي لكي يفتح نقاشاً سينمائياً، فإنه يظل في عيون أغلبية المشاهدين فيلماً مضحكاً. يخجل الضاحكون من غرور أحمد الذي يجعله يعتقد أنه يقود انتفاضة. الجمهور هنا يضحك من البطل الذي يود أن يكون متمرداً.

في بداية الفيلم يرى المشاهد لوحة يشكر فيها فريق العمل وزير الداخلية وقوى الأمن. قد يبدو الأمر مزحة، ولكنه في الحقيقة جد كل الجد. لقد صُور الفيلم في الأماكن الأصلية التي تدور فيها الأحداث، وهو شيء نادر بالنسبة لهذه النوعية من الأفلام التجارية في مصر. من أجل ذلك تم إخلاء المجمع والاستعانة بفرقة حقيقية من فرق الأمن المركزي، وهو أمر لن يحدث بالطبع إلا إذا قدمت الحكومة دعمها السخي للفيلم.

في السنوات التالية للفيلم أصبح المخرج شريف عرفه عضواً في الفريق الإعلامي الذي قاد الحملة الدعائية للرئيس السابق حسني مبارك خلال الانتخابات الرئاسية عام 2005، وفي فبراير / شباط 2011 تولى عرفه، بالاشتراك مع زميله في فريق الدعاية الانتخابية المخرج مروان حامد، التنسيق لإعداد فيلم عن الثورة المصرية بعنوان "18 يوم". أما عادل إمام فقد ظل يساند مبارك علنياً حتى بعد سقوطه. فالنجم الكوميدي لا يفهم الدعابة إذا تعلق الأمر بشرف رئيسه.

إيريت نايدهارت
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2011