أول معرض للكتاب بعد الثورة المصرية- تغيير المكان دون تغير الأفكار

أقامت وزارة الثقافة المصرية معرضاً بديلاً للكتاب إثر عدم إقامة معرض القاهرة للكتاب في خضم الثورة المصرية. لكن البعض يرى أن المعرض الذي أُقيم في منطقة شعبية لا يعدو أن يكون سوقاً لبيع الكتب يحظى بإقبال كبير. نيللي عزت زارت المعرض في القاهرة وأعدت هذا التقرير.



تقف كريمة وصديقاتها أمام رفوف كبيرة تكتظ بالكتب التي تتناول الدين الإسلامي وفقه السنة والصحابة ليخترن منها ما يرغبن في شرائه وخاصة في ظل الحسم الكبير الذي تقدمه دور النشر المختلفة، وذلك داخل معرض القاهرة للكتاب الذي أقامته وزارة الثقافة عوضاً عن إلغائها معرضها الدولي السنوي في كانون الثاني/ يناير الماضي بسبب أحداث الثورة التي أطاحت بنظام مبارك. ويعد هذا المعرض للكتاب هو الأول بعد الثورة المصرية، لكن نوعية الكتب التي تشهد إقبالاً كبيراً تظل كما كانت من قبل الثورة تنحصر في الكتب الدينية والتراثية، بالإضافة إلى كتب تفسير الأحلام والسحر، وأيضاً كتب الأطفال، مما يشير إلى أن الكتب السياسية التثقيفية مازالت خارج دائرة اهتمامات معظم المواطنين.

وأُقيم المعرض على أرض تابعة لهيئة الكتب الحكومية في منطقة فيصل جنوب غرب القاهرة والتي تعد من المناطق الشعبية المكتظة بالسكان. لكن المساحة والتنظيم والدعاية أتت مختلفة تماماً عن معرض القاهرة الدولي للكتاب ولا يمكن المقارنة بينهما أبداً. فهذا المعرض يختلف كثيراً عن المعرض الأصلي ولا يرقى لمستواه، بل يعد مجرد سوقاً شعبياً لبيع الكتب. وتعبر كريمة وصديقاتها لدويتشه فيله عن سعادتهن بوجود المعرض وسط منطقتهن السكنية لأن المعرض أتى إلى منطقة سكناهن ولم يفرض عليهن عناء الذهاب إلى أرض المعارض في مدينة نصر التي يقام عليها المعرض السنوي. وتشير كريمة إلى رغبتها في أن يصير المعرض تقليداً سنوياً.

إضافة وليس بديلاً عن المعرض الأكبر

الصورة دويتشه فيله
المعرض أُقيم في منطقة فيصل الشعبية

​​من جهته يرى توفيق، أحد زوار المعرض، أنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن المعرض الأساسي الدولي لأنه لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى مستواه، من حيث المساحة الأصغر وحتى الدعاية وعدد الناشرين المشاركين. لكنه يرى في الوقت نفسه أنه إضافة لا يمكن إغفالها لبدء إدخال الثقافة إلى المناطق الشعبية المهمشة والمتعطشة للقراءة وأن وزارة الثقافة نجحت من خلاله في إحياء حركة بيع الكتب.

ويرى توفيق في حواره مع دويتشه فيله أنه كان من الضروري أن تكون الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض أكثر وتتناول الموضوعات السياسية الحالية بطريقة مبسطة للناس حتى تساهم في نشر الوعي، خاصة وأنه لا يوجد ثمة إقبال على السياسة، إما لعدم وعى الناس بالكثير من الأمور فيها أو لأنهم ضاقوا بها ذرعاً ولا يرغبون في القراءة عنها في شهر رمضان بل يفضلون الكتب الدينية والتراثية وغيرها من الموسوعات. ويقول أنه كان يرغب في شراء كتب تتناول الثورة ولكنه لم يجد كتب كافية. ويرجع ذلك من وجهة نظره لضيق الوقت ما بين الثورة وإقامة المعرض، مشيراً إلى أنه استعاض عن ذلك بكتب عن الثورة الفرنسية ومجلدات عن دساتير العالم.

نزع صورة سوزان مبارك من أغلفة الكتب

لكن يبدو أن الثورة كانت حاضرة بشكل آخر، إذ أن الكتب التابعة لمكتبة الأسرة أصبح سعرها بجنيه واحد فقط ولذلك تشهد إقبالاً كبيراً برغم أن البعض تضايق من وجود صور لسوزان مبارك قرينة الرئيس المخلوع على هذه الكتب لأنها كانت تدعم هذا المشروع، لكن لرخص الثمن هناك من يشترى الكتب وينزع عنها صورة سوزان مبارك عن أغلفتها.

وعن عدم نزع صور سوزان مبارك من الكتب يقول أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب في حوار لدويتشه فيله أن ذلك كان سيكلف الهيئة الكثير من الأموال التي تفوق تكلفة الكتاب نفسه، مؤكداً أن تخفيض سعرها ساهم في زيادة الإقبال عليها خاصة لما تحويه من معارف في كافة المجالات.

تحريك الركود في سوق الكتاب

الصورة دويتشه فيله
المعرض شهد إقبلاً كبيراً على الكتب التراثية والدينية

​​ويرى محمد علي، المسؤول عن جناح دار الفكر العربي في المعرض، أنه منذ افتتاحه في الخامس من رمضان يشهد المعرض إقبالاً كبيراً من سكان منطقة فيصل والمناطق المجاورة وخاصة في فترته المسائية بعد الإفطار. وذلك على عكس ما توقعه هو والناشرين الآخرين الذين تخوفوا في البداية من المشاركة نظراً لأن الناس في رمضان لا تقبل على شراء الكتب وتكون منهمكة أكثر في الإنفاق على الطعام وتأدية العبادات، بالإضافة إلى حالة القلق والتوتر التي يعيشها الكثيرون الآن نظراً لعدم وضوح الرؤية لمستقبلية للبلاد. ويعتقد علي أن الهدف منه تحقق وهو تحريك الركود في سوق الكتاب حالياً، مؤكداً أن معظم الناس لا تقبل على الكتب أو الندوات السياسية بالمعرض ومازالت تفضل الكتب الدينية وكتب اللغات والندوات الفنية مثل فرقة الفنون الشعبية والأمسيات الشعرية.

من ناحيته يؤكد أشرف إمام مسؤول النشر بدار الأردن للكتب أن "الدار الأردنية الأصل قررت المشاركة في المعرض مثل بعض دور النشر العربية الصغيرة رغبة منها في المساهمة في دعم فكرة معرض بديل مصغر وسط مناطق شعبية كفكرة جديدة تحرك المياه الراكدة". ويشير إمام إلى أن المعرض يعتبر ناجحاً بالنسبة إلى حجم المشاركة المناسبة فيه وأيضاً لأن وزارة الثقافة المصرية بذلت جهوداً لتشجيع الناس على الإقبال عليه منها أن "الدخول إليه مجاناً وتزويده بمروحات وأجهزة تكييف للوقاية من حرارة الجو في الصيام، مما شجع سكان المنطقة على زيارته حتى للتعرف عليه".

غياب القارئ الجاد عن المعرض

أما رفعت سعيد، من دار نشر الصميمي السعودية، فيقول إن المعرض لم يحقق المرجو منه لغياب الناشرين الكبار ومعظم الجمهور المصري الذي يرى صعوبة الذهاب إلى منطقة فيصل المزدحمة وهو يعلم أنه لن يجد معظم الكتب التي يبحث عنها غالباً لصغر حجم المعرض. ويؤكد سعيد أن القارئ الجاد المثقف غاب عن هذا المعرض، وحل محله القارئ الذي وصفه بـ"الشعبي"، بدليل كثرة مبيعات كتب التفاسير والطبخ ولعب الأطفال.

ويقيم أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، في حوار لدويتشه فيله "معرض فيصل" ويرى أنه حقق نجاحاً فاق التوقعات بسبب نسبة الإقبال الكبيرة والمبيعات العالية، موضحاً أن الإقبال على الشراء لا يقتصر على جناح الهيئة فقط، بل وفي جميع أجنحة دور النشر أيضاً، والتي يصل عددها لما يقرب من 84 دار نشر، إضافة إلى 11 دار نشر عربية من الأردن ولبنان والسعودية والجزائر، مما يحقق الهدف الأساسي لإقامة المعرض وهو تعويض الناشرين عن إلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب في كانون الثاني/ يناير الماضي، وإحداث حراك ثقافي بشكل عام.

ويقول مجاهد إن الإحصائيات حول الأيام الأولى لزوار المعرض تصل إلى 9 آلاف زائر ووصلت مبيعات هيئة الكتاب إلى أكثر من 25 ألف جنيه في الأسبوع الأول فقط. ويرى أن إقامة معرض للكتاب في منطقة فيصل يصب في مصلحة حركة النشر وتغيير العادات والابتكار بعد الثورة، مؤكداً أنه لم يضع أي شروط رقابية على الكتب لأن سقف الحريات الآن اتسع، وأن المعرض جزء من فكر وزارة الثقافة بعد الثورة بتوصيل الكتاب للقارئ في كل مكان. ويؤكد أن هناك عدد من الإصدارات حول الثورة، لكن الوقت كان قصيراً لإصدار أعمال كثيرة، مشيراً إلى أن معرض القاهرة الدولي للكتاب سيقام في موعده كانون الثاني/ يناير المقبل وسيشهد عدداً كبيراً من الكتب عن الثورة المصرية التي تكتب وتطبع حالياً.


نيللي عزت- القاهرة
مراجعة: عماد غانم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011