معرض الاستشراق في أوروبا....جمالية ساذجة

نال الاستشراق في الفن الأوروبي دفعة كبيرة مع الحركة الاستعمارية في القرنين الثامن والتاسع عشر. لكن الكثير من الأعمال تسجل ميلاً إلى غطرسة ثقافية، لم يتم تجاوزها حتى يومنا هذا، كما يظهر معرض فني يقام في مدينة ميونخ الألمانية. منى سركيس زارت المعرض وتستعرض أبرز الأعمال المعروضة فيه.

لوحة العبيد البييض، الصورة جيراده بلوت
"معرض "الاستشراق في أوروبا" قي ميدينة ميونخ يقدم عوالم مصورة من غرائبية مسرفة في الحداثة"

​​ منذ وقت طويل يحاول روجر ديديرن، أمين صالة ميونخ للفنون التابعة لمؤسسة هيو الثقافية، عن تحقيق عرض كبير لفنانين مستشرقين، ولا يعود ذلك فقط إلى أن "الشرق يحظى بأهمية كبيراً بسبب الجدل الدائر في عموم أوروبا عن الهجرة". من يزور المعرض، آخذا هذا القول في نظر الاعتبار، يشعر بالحيرة، وهذا أقل ما يقال عن ذلك. وإذا ما كان الجدل بشأن الهجرة يدور بشكل طبيعي حول قضايا الاندماج، فإن صالة الفنون في ميونخ لا تظهر ذلك في فلكها الفاخر. والواقع الاجتماعي الصعب في حيي كرويتسبيرغ ونيوكولن البرلينيين يمثلان تناقضاً صارخاً للأجواء الراسخة في صالات الفنون الرسمية. مصدر لا ينضب من الإسقاطات إن معرض "الاستشراق في أوروبا"، المقام من الفترة 28 كانون الثاني/ يناير وحتى 1 أيار/ مايو 2011، يقدم عوالم مصورة من غرائبية مسرفة في الحداثة، وتدور هذه العوالم حول صور ذات إيحاءات جنسية في المقام الأول. وحتى بداية الحداثة كان أغلب فناني غرب أوروبا مفتونين تماماً بالجوار المتمددات برغبة في الحريم التركي. وحتى "البلاد المقدسة" كانت بالنسبة إليهم ثروة لا تنضب لإسقاطاتهم أيضاً. وفلسطين بشكل خاص كانت بمثابة صورة حسية لماضٍ مسيحي، لطالما حلم فنانون عدة وفي مقدمتهم فيلهيلم غينتس Wilhelm Gentz (1822-1890) باستعادته. في عمله الضخم "دخول الأمير فريدريش فيلهلم فون بروسيا إلى القدس"، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1876، خلد هذا الرسام الألماني دخول أمير بروسا القدس من باب دمشق في استعراض للجيش المنتصر. من المؤكد أنه يجب تأمل هذه اللوحة على خلفية الطموحات الاستعمارية البروسية، لكن ما ألهم الرسام أيضاً أسطورة الحملات الصليبية، التي تقول أن "الأمير المسيحي" التالي، الذي دخل القدس من باب دمشق، انتزع المدينة من المسلمين بشكل نهائي، وهذا بعد أن فشلت المحاولة الأولى التي قام بها غوتفريد فون بويلون (جودفري) Gottfried von Bouillon عام 1099. تأصل رجعي استعماري

زيارة احد قياصرة الألمان   إلى القدس/ الصورة متحف بريلن
في عمله الضخم "دخول الأمير فريدريش فيلهلم فون بروسيا إلى القدس"، الذي يرجع تاريخه إلى عام 1876، خلد الرسام الألماني فيلهيلم غينتس دخول أمير بروسا القدس من باب دمشق في استعراض للجيش المنتصر.

​​ على الرغم من إن هذه الشوفينية الاستعمارية معروفة بشكل كاف، لكنها ما زالت تثير شعوراً بالقلق. ولا يحبذ الكثيرون العودة إلى هذا الإرث الثقافي، الذي اعتقد المرء أنه قد تم تجاوزه بصورة تامة في مرحلة ما بعد الاستعمار. بيد أن هذا المعرض في مدينة ميونخ الألمانية يعود بهذه الشوفينية، وبكل معنى الكلمة: فبدقة كبيرة يتم توثيق "الدراسات الإنسانية" المستشرقة في القرن التاسع عشر في تماثيل تشالز كوردير Charles Cordier النصفية ورسومات جان ليون جيروم Jean-Léon Gérôme وتشالز غليير Charles Gleyre. ولم يكن مقال كُتب عام 1829وحده مصدر إيحاء لهم. ويدعو الطبيب الفرنسي ويليام فريدريك أدواردز William Frédéric Edwards في هذا المقال المعنون "الصفات الفيسيولوجية للأجناس البشرية" إلى دراسة الخصائص الجسدية للشعوب، لأن هذه الخصائص تقدم توضيحات عن أي هذه الأجناس يكون ويبقى "جنس متسيد" وأيها "جنس خادم": بالنسبة إلى أدواردز كانت الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء) محددة، بغض النظر عن ظروف الحياة، وهذا مفهوم تاريخي يجعل من المجريات السياسية والاجتماعية أشياء هامشية. "لوحات جميلة" فقط

تشاركيز كوردير، من متحف باريس
المؤرخ أدهم إليدم يرى أن من الأمور الإشكالية هو عدم تلقي حركة الاستشراق حتى اليوم بنظرة نقدية

​​ ويخطى من يعتقد أن المعرض المقام في ميونخ سيظهر الخلفيات الجارحة للعقلية الاستعمارية على أنها جارحة بالفعل، وعوضاً عن ذلك تم تقديم مثل هذه الدراسات في قائمة المعروضات محايدة من ناحية القيمة تقريباً باعتبارها "استشراق علمي؟"، لكن علامة الاستفهام الموجودة خلف المصطلح تختفي في لوحة البيانات الخاصة بالمعرض. ألم تصل أطروحات إدوارد سعيد المشهورة إلى أوساط أمناء المعرض في ميونخ؟ في عام 1978 قام سعيد في كتابه الرائد "الاستشراق" بتحليل النظرة المركزية الأوروبية إلى المشرق باعتبارها أداة للقوى الاستعمارية. وفي المقام الأول جعل البريطانيون والفرنسيون "أهل الشرق" مقابلاً ناقص القيمة مقارنة بهم، من أجل أن يبرروا سيطرتهم عليهم. عن ذلك تقول أستاذة تاريخ الثقافة العربية سيلفيا نيف Silvia Naef موضحة بالقول: "ولا يمكن معارضة هذا القول في جوهره تقريباً". لكن لا يفاجئ الأستاذة التي تدرس في جامعة جنيف السويسرية أن يحاول المعرض المقام في مدينة ميونخ هذا الأمر بالذات. وتضيف نيف قائلة: "لطالما تتم المحاولة مراراً وتكراراً التقليل من شأن تحليل إدوارد سعيد. وعوضاً عن ذلك توجد مساع لاعتبار الصور الاستشراقية من جوانب أسلوبية وكظاهرة جذابة من الناحية الجمالية في تاريخ الفن". إن أمناء المعرض المقام في ميونخ يتصرفون بهذا المعنى أيضاً، فلا يتم أخذ أطروحات إدوارد سعيد في نظر الاعتبار مطلقاً. وبدلاً عن ذلك يُفتتح قائمة المعروضات بمقولة للكاتب الألماني غوته تعود لعام 1815: "إن هدفي يتمثل في مد الجسور بين الغرب والشرق بطريقة مشوقة". وحتى المؤرخ أدهم إليدم يرى أن من الأمور الإشكالية هو عدم تلقي حركة الاستشراق حتى اليوم بنظرة نقدية. لكن في الوقت نفسه يحذر المؤرخ، الذي يعمل في جامعة أسطنبول، من الرغبة في وضع فناني القرن التاسع عشر تحت طائلة أجندة عنصرية وإمبريالية. وبحسب رأيه فإنه من غير المسموح به تشويه صورة الفنانين، مضيفاً بالقول: "كانت هذه الأعمال نتاجات بسيطة في زمنها وعقليته السائدة". النظرة إلى الشرق من دون أهل الشرق

الصورة متحف فيلادلقيا
"بعد أربعين عاماً من صدور كتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق وفي وقت يزداد فيه الجدل حول الهجرة، وليس هناك ثمة شيء أكثر سذاجة من هذا المعرض"

​​ من جانب عدم الإساءة إلى الفنانين، ومن جانب آخر الرغبة في تقديم الاستشراق باعتباره أمراً مشوقاً وغير ضار، وجميلاً ليس إلا. وهذا يمكن أن يعد بحق مونولوجاً في ثقافة نقية، وهذا بالتحديد ما يتم عرضه في ميونخ، ولذلك لم يتم القيام بأي محاولة من أجل إشراك رؤى مستشرقين شرقيين. إن مناظر مثل رأي السوري توفيق طارق، الذي صور أبو عبد الله محمد الثاني عشر، آخر ملوك غرناطة، بالطريقة ذاتها محاطاً بالراقصات، لكن من أجل الانتقاد فقط –كما ترى سيلفيا نيف- عدم اهتمام الملك بشؤون رعيته. وكان يمكن للوحة سيهزاده عبد المجيد المسماة "بيتهوفن في الحريم" (وتعود إلى عام 1900) أن تفتح باباً للحوار، من خلال تصوير ساكنات الحريم بكامل ملابسهن وهن يعزفن الموسيقى. وعن السؤال حول سبب غياب بعض رؤى الفنانين المستشرقين العثمانيين يجيب أمين المعرض ديديرن بالإشارة إلى أن مستواها الأسلوبي "من الدرجة الثالثة"، وأنه أراد تسليط الضوء على استشراق الأوروبيين. ويترك هذا الأمر أثراً من التعالي من جانب، ومن جانب آخر فإن ليس جميع المعروضات من الدرجة الأولى. إضافة إلى ذلك فإن عرض عمل للرسام التركي المعروف عثمان حمدي بيه، وهو فنان مستشرق وأصله من الشرق، شكل استثناء في المعرض. ومن المعروف أن الرسام التركي، الذي تتلمذ على يد الفرنسيين جان ليون جيروم ولويس بولانغ كان يمد السوق الأوروبية بما تحب أن تراه: الشرق الرائع المصور في البطاقات البريدية، فيه شيء من الوقار فحسب وقليل الإثارة مقارنة بأعمال معاصريه الأخرى. وإذن كان هذا العمل ورقة التوت بالنسبة إلى المعرض، الذي لم يعمل إلا على تثبيت الصور النمطية، بعد أربعين عاماً من صدور كتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق وفي وقت يزداد فيه الجدل حول الهجرة، وليس هناك ثمة شيء أكثر سذاجة من هذا المعرض. منى سركيس ترجمة: عماد مبارك غانم مراجعة: هشام العدم حقوق النشر: قنطرة 2011

قنطرة ترجمة جديدة بالألمانية لكتاب إدوارد سعيد "الاستشراق" الشرق بعيدًا عن الصور النمطية شكل كتابات الفلسطيني الأمريكي الراحل، إدوارد سعيد، عن الاستشراق وأصوله مادة غنية للمفكرين والباحثين، إذ تمت ترجمة أعماله، لاسيما كتاب "الاستشراق" إلى لغات متعددة ومنها الألمانية التي شهدت ترجمة جديدة لهذا الكتاب. شتيفان فايدنر في قراءة نقدية لهذه الترجمة. نظرة على مطبعة بريل الهولندية: بريل.....رحلة مع عالم الاستشراق ونشر الكتب العربية قبل وصول المطبعة إلى الدول العربية بعشرات السنين، كان الأوروبيون قد بدأوا بتحقيق المخطوطات العربية وطباعتها بالحرف العربي، وأشهر هذه المطابع كانت تلك التي أسستها عائلة بريل الهولندية في عام 1683 ومازالت تعمل حتى اليوم. عبد الرحمن عثمان يعرفنا بهذه المطبعة ورحلتها مع التراث العربي. منظومة العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي: ثنائية الاستغراب والاستشراق....جدلية الأولويات يرى الفقيه الهندي، مولانا واريس مزهري، في مقالته الآتية أنه إذا كانت هناك رغبة في تحسين العلاقات بين الغرب والمسلمين فلا بد من أن يتعامل المسلمون بطريقة منهجية مع التجربة الغربية والاستفادة منها وكذلك العمل على تأسيس معاهد ومراكز بحثية مشرقية تتخصص في دراسة الغرب بكل نزاهة وعلمية بعيدا عن الأفكار النمطية.