من الضروري صياغة نظام اقتصادي عالمي جديد!

ألمانيا منشغلة هذه الأيام بقمة الدول الثماني التي ستعقد في مدينة "هايليغيندام". ومناهضو العولمة الألمان وأقرانهم الأوروبيون ينظمون تظاهرات وندوات للضغط على هذه القمة كي تلتفت أكثر إلى مشاكل الدول الفقيرة. كيف ينظر مناهضو العولمة العرب لهذه القمة؟

مظاهرة لمناهضي العولمة ولمنتقدي قمة الثماني في روستوك، الصورة: أ ب
مظاهرة لمناهضي العولمة ولمنتقدي قمة الثماني في روستوك

​​ألمانيا منشغلة هذه الأيام بقمة الدول الثماني التي ستعقد في مدينة "هايليغيندام" بين السادس والثامن من الشهر الجاري. ومناهضو العولمة الألمان وأقرانهم الأوروبيون ينظمون تظاهرات وندوات للضغط على هذه القمة كي تلتفت أكثر إلى مشاكل الدول الفقيرة. كيف ينظر مناهضو العولمة العرب لهذه القمة؟

أستاذة بدوية أنتم في "مجموعة مناهضة العولمة في سوريا" دأبتم على انتقاد قمم الدول الثماني الكبرى في العالم ومنها قمة هايليغيندام بألمانيا. ما هي ملاحظاتكم على هذه المجموعة؟

بدوية: اعتراضنا عليها هو أن هده الدول الغنية الثماني تحاول، وخاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، إعادة صياغة العالم بما يتناسب مع مصالحها بالدات. والاعتراض الآخر هو أن هده المجموعة غير ممأسسة؛ وهي لا تخضع لأي قانون ومن هنا نعتبرها نوعا من الخروج عن قانون الامم المتحدة. هذه المجموعة تجتمع دون استشارة أحد حتى شعوبها، كما أنها لا تستشير الدول الأخرى وتتخذ قرارات مصيرية تكون كلها على حساب دول العالم الثالث.

لكنها تشرك بعض الدول كنيجيريا والهند والبرازيل والصين في مداولاتها. وهناك من يقول بأن هذه المجموعة مرنة جدا وتتخذ قرارات سريعة دون الاضطرار للخضوع لآليات بيروقراطية كما هو الحال مع الأمم المتحدة، أليس هذا عاملا إيجابيا؟

بدوية: هي دائما تدعي أنها لا تريد أن تمأسس نفسها كي لا تغرق في البيروقراطية ولكن نحن نرى في ذلك هروبا من القانون والالتزامات التي يمكن أن تفرضها عليها شعوبها أو شعوب الدول الأخرى لأنها تريد أن تتحكم في الأسواق بدون أي مرجعية. صحيح أنها تتخذ قراراتها بسرعة أكبر لأنها لا تخضع لآليات بيروقراطية ولكن الهدف الأساسي هو الهروب من أي التزامات لأنها أصلا مؤسسة غير ديمقراطية.

أستاذ أوباها أنتم انخرطتم في مجموعة "أتاك" العالمية المناهضة للعولمة، ومشاكل القارة السمراء تكاد تكون التحدي الأكبر لقمة الدول الثماني الكبرى في العالم. كيف تنظرون كمغاربة وأفارقة إلى هذه القمة.

أوباها: هذا السؤال يعكس انشغالاتنا الأساسية سواء كمغاربة أو كأفارقة لأن قمة الثماني دأبت منذ سنوات على نشر المزيد من الإعلانات وكأنها تريد حل مشاكل القارة الإفريقية. لكن الواقع هو عكس ذلك فدول هذه المجموعة هي المسببة في مشاكل القارة السمراء.

بأي معنى تتسبب هذه الدول في مشاكل القارة الإفريقية؟

أوباها: مثلا مشكلة المديونية التي تعيق تنمية القارة الإفريقية. فإفريقيا تقوم سنويا بتحويل مليارات الدولارات إلى الدول الثماني الكبرى ومع ذلك عندما تعقد هذه الدول قممها تخرج ببيانات تقول فيها إنها تريد أن تخفض أو تلغي جزءا من الديون. والحقيقة أنها تزيد من آماد استرداد أجزاء من الديون وبالتالي تعقد مشاكل القارة الإفريقية .

وهناك مشاكل أخرى كالمشاكل المناخية والتبادل الحر. إذا أخذنا مثلا الاتفاقيات التجارية التي تعقدها فرنسا مع المغرب أو الاتحاد الاوربي مع المغرب أو مع بعض الدول الإفريقية أو الاتفاقات التي تعقدها الولايات المتحدة الأمريكية مع المغرب، فإن كل هذه الاتفاقيات موجهة ضد مصالح البلدان النامية وهي تدمر النسيج الاقتصادي الذي بنته هذه البلدان، ثم تاتي قمة الثماني وتقول إنها تريد إخراج الدول الإفريقية من الفقر.

ما تغير في هذه السنوات هو أن الدول الثماني استرجعت خطاب محاربة الفقر لكن هذا الخطاب يخدم، في الواقع، المصالح القديمة نفسها لهذه الدول في القارة الإفريقية ويُبقي مشاكل القارة السمراء دون حل. والمشكلة الاساسية التي يتمحور انتقادنا حولها هي أن الدول الثماني أصبحت تقرر كل شيء عوضا عن الدول الإفريقية.

ربما لديها شعور بالمسؤولية بأنها المسببة لمشاكل هذه القارة كما قلت أنت قبل قليل.

أوباها: لا، الشعور بأنها هي التي تدير العالم وفقا لمصالحها. فعندما نأخذ مشكلة الهجرة، مثلا، نرى بأن هذه الدول تعاني أصلا من مشكلة تدفق المهاجرين إلى حدودها، لكن ما هي الحلول التي تقترحها؟ إنها حلول جزئية لبعض المشاكل الطفيفة. فهي تصر على أن يبقى هؤلاء المهاجرون في بلدانهم وتقوم بتقديم مساعدات مالية لهم وهي في نهاية المطاف ليست ذات قيمة. وإذا أردنا الحديث عن مساعدات التنمية فسنجد أن هذه الدول لا تلتزم حتى بالنسبة التي طرحتها الأمم المتحدة، أي 0.7 من الناتج الخام العالمي.

دكتور روغلر كيف تقيم أنت هذه الانتقادات خصوصا أن هناك من يقول بأن ليس كل ما يصدر عن قمة الثماني سيء والعولمة ليست كلها سوداء كما يدعي نقادها؟

روغلر: بصراحة أنا أشترك مع الزميلين في العديد من النقاط النقدية التي ذكراها؛ لكني أعتقد بأنه توجد في ألمانيا نظرة أخرى لهذه القمة. فلم تعد قمم الدول الثماني اقتصادية بحتة بل هي تناقش مشاكل أخرى مهمة جدا، مشاكل تخص العالم كله .

أذكر، على سبيل المثال، مشكلة التغييرات المناخية وتلوث البيئة وهي مشاكل عالمية حقا وأرى أن مناقشتها من قبل الدول الثماني الكبرى شيء مهم جدا. وفي الوقت نفسه نرى أن هذه المجموعة ليست متجانسة تماما إذ توجد تناقضات واضحة بين مواقف أعضائها، مثلا بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وخصوصا ألمانيا. وانعقاد القمة يمثل أيضا فرصة لتقديم الانتقادات والاحتجاجات الأمر الذي يساهم في زيادة الوعي بمشاكل العالم.

ثمة من يقول بأن هذه الدول تتسبب في تلوث البيئة لذلك من الأفضل أن تناقش هي هذه القضية وتبحث عن حلول لها لا أن تحيلها إلى مؤسسات أخرى كالأمم المتحدة، ما رأيك؟

روغلر: أنا شخصيا أعتقد بأنه من الأهمية بمكان أن تلعب المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة، دورا أساسيا في هذه القضايا. فالمنظمة الدولية تعمل بديمقراطية أكثر من مجموعة الثماني التي لم يخولها أحد للنظر في القضايا العالمية بل هي تقدمت الصفوف من تلقاء نفسها دون توكيل دولي. لكن وبما أن هذه الدول من أكبر المسببين في تلوث البيئة فلا ضير، لا بل من الضروري، أن تناقش هذا الموضوع وتبحث عن حل له.

أستاذة بدوية ماهي مطالبكم كمجموعة سورية من قمة الدول الثماني؟ أم أن مطالبكم عربية وليست سورية فقط؟

بدوية: مطالبنا سورية وعربية أيضا وهي في نهاية المطاف مطالب عالمية.

إذن ماذا تطلبون كعرب من قمة الدول الثماني؟

بدوية: مشاكلنا العربية تشترك مع مشاكل العالم الثالث وسوريا معنية بها أيضا. ومشكلتنا الأساسية مع الدول الثماني هي أنها الدول المستقبِلة لرؤوس الأموال التي تهرب من بلادنا وفي الوقت نفسه هي تتعامل مع مافيات الفساد التي تنشط عندنا.

لكن هذه المجموعة تدعو صراحة إلى محاربة الفساد؟

بدوية : هي تدعو إلى محاربة الفساد لكنها تتعامل، في الوقت نفسه، مع مافيات الفساد والحكومات الفاسدة وهذا الأمر واضح جدا في إفريقيا، كما أنها تستقبل، في الوقت نفسه، على أراضيها كل الثروات التي تنهب من بلادنا وتستقر في بنوكها وتنمي اقتصادها.

أستاذ أوباها كيف توفقون بين مطالبكم العربية وبين مطالب مجموعة "أتاك" ومعظمها مطالب أوروبية ؟

أوباها: أولا: "أتاك" ليست مجموعة أوربية وهي تطرح مطالب دول العالم الثالث ثم إن "أتاك المغرب" وحتى مناهضو العولمة في سوريا مندمجون في حركة أخرى، وهي الحركة العالمية التي تطالب بالغاء ديون العالم الثالث.

ثانيا: مطالب الدول النامية معروفة وهي الخروج من المشاكل المزمنة التي تعيشها منذ قرون. والمطلب الأساسي، برأيي، هو مطلب الديمقراطية. فلا يمكن لدولنا التغلب على مشاكلها دون أن يكون لشعوبنا الحق في تقرير مصيرها. وعندما نتحدث عن حق تقرير المصير، فإننا نعني الحق الذي يشمل كل الجوانب، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.

من هنا نعارض الدول الثماني لأننا لا نريد لأي كان، سواء الديكتاتورية القائمة في بلداننا أو حتى ما يسمى بالديمقراطية الغربية أن تقرر بالنيابة عن شعوبنا. السؤال المطروح اليوم في المنطقة العربية وحتى في القارة الإفريقية هو سؤال التنمية وعلى ماذا ستعتمد هذه التنمية.

هل ستعتمد على السوق الداخلية وكيف ستكون العلاقات مع الدول الأخرى؟ نحن لا نطالب الدول الثماني بتخفيض الديون إنما نبحث عن حل جذري لمشاكلنا ولن يكون هذا الحل إلا بإلغاء كل الاتفاقيات التي وقعتها هذه الدول مع بلداننا وهي عبارة عن اتفاقات استعمارية.

حتى اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية؟

أوباها: نعم، حتى الشراكة الأوروبية المتوسطية فهي شراكة لفائدة أوروبا فقط. وهذا الكلام ليس لي بل للمعاهد الأوروبية المتخصصة التي تقول إن الشراكة بهذا المنطق وبهذه الإتفاقيات تؤدي إلى تدمير النسيج الاقتصادي لدول جنوب المتوسط، ففي المغرب يتم تسريح آلاف العمال سنويا جراء هذه الشراكة مع أوروبا.

دكتور روغلر هناك أصوات أخذت ترتفع في إفريقيا وتقول إن المسؤولية عن مشاكل العالم الفقير لا تقع على عاتق الدول الكبرى فحسب، بل على نخبها الثقافية أيضا. كمثقف ألماني هل توافق على هذا التشخيص؟

روغلر: نعم. أوافق على هذا الكلام لأنه على المثقفين مسؤولية نشر الوعي بمشاكل العالم، الوعي بالترابط الشديد لمشاكل البشرية كلها ومن بينها مشاكل العالم الثالث. لكني أعتقد من جهة أخرى بأن المثقفين في العالم الغني باتوا واعين لهذه المعضلة وهم يقومون بدور فعال الآن.

وهذا ما نلاحظه في ألمانيا إذ تنشر الصحف الألمانية بشكل يومي ملاحق عن قمة الثماني وعن العولمة ومخاطرها. وقرأت اليوم بأن المستشارة الالمانية أعلنت أن حكومتها سترفع المساعدة المالية للدول الفقيرة في العام القادم بمقدار 750 مليون يورو، وهو ما أعتبره نوعا من نجاح ضغط الرأي العام على السياسيين والحكومات الأوروبية بشكل عام.

وهل تعتقد بأن زيادة المساعدات تعد حلا لمشاكل الدول الفقيرة؟

روغلر: بالطبع لا. إنها تشكل حلا لبعض المشاكل العاجلة. أنا أعتقد بأن زيادة المساعدات المالية لا تكفي لحل المشاكل الهيكلية في الاقتصاد العالمي وأرى من الضروري صياغة نظام اقتصادي عالمي جديد.

أستاذة بدوية طرح بعض الناشطين في أتاك مبادرة تقوم على طرح مشروع مارشال عالمي كحل جذري للخروج من المشاكل المستعصية التي تواجه الدول النامية، هل هذا الطرح واقعي برأيك؟

بدوية: مشروع مارشال طرح قبل ستين عاما لتقوية أوروبا في مواجهة الإتحاد السوفياتي الناشيء وبالتالي كان مشروع دول ضد دول. أعتقد بأن العالم بحاجة، من الناحية الاقتصادية، إلى مشروع يكسر الاحتكار الموجود الآن.

هذه الدول الثماني تُسَير العالم لصالح شركاتها الخاصة والشركات المتعددة الجنسيات. وكرد على هذه السياسة أخذت بعض الدول في قارتي آسيا وأمريكا تتجه إلى إنشاء تجمعات إقليمية لكسر هذا الاحتكار كما هي الحال مع رابطة دول شرق آسيا ودول أمريكيا الجنوبية وهو أمر أراه إيجابيا، لكنه ليس كافيا تماما.

أستاذ أوباها يبدو أن السيدة بدوية غير متحمسة لمشروع مارشال عالمي كيف تنظر أنت إلى هذا الأمر؟

أوباها: أنا أيضا لست متحمسا لهذه الفكرة لأننا نسمع كل مرة بمشروع مارشال جديد ولكن في الاتجاه المعاكس، مثلا تحويلات الدول النامية برسم سداد لفوائد الديون. لجنة إلغاء الديون تأتي بأرقام تبين أن هناك سنويا ثلاثة مشاريع مارشال ولكن بدون فائدة لأن الفكرة منطلقة بالأساس من مبدأ خاطئ. ما نحتاجه هو تغيير جدري لكل هذه المفاهيم.

دكتور روغلر ما رأيك بهذه الفكرة (مشروع مارشال عالمي) خصوصا أنها انطلقت من شخصيات أوروبية مناهضة للعولمة؟

روغلر: أنا لا أعتقد بأن المساعدات المالية تكفي لإعادة صياغة وتشكيل النظام الاقتصادي العالمي لأن المشكلة أكبر وأعمق من تقديم أو طرح خطة شاملة للتمويل .فالمشكلة ليست مالية فقط ولكن يمكن أن تكون هذه الخطة مساهمة في حل بعض مشاكل هذا العالم إلا أنها لن تحل كل هذه المشاكل.

أجرى الحوار أحمد حسو
حقوق الطبع دويتشه فيله 2007

ناهد بدوية من "مجموعة مناهضة العولمة في سوريا"
إبراهيم أوباها الكاتب العام لمجموعة "أتاك المغرب: في مواجهة العولمة الليبرالية"
لوتز روغلر الباحث في "مركز الدرسات الشرقية الحديثة ببرلين" والمتخصص في القضايا العربية

قنطرة

ملف العولمة
الهم الذي تتقاسمه أوروبا والعالم الإسلامي يتعلق بالعولمة المتزايدة لعالم المال والاقتصاد والثقافة. ويخشى العرب من التغريب الثقافي في المقام الأول. نقدم من خلال هذا الملف فرصة للأصوات العربية والأوروبية للتعبير عن آرائها.

www

أطاك المغرب

ناشطو مناهضة العولمة في سوريا

Attac International