مراكش حاضرة دوما

صدر توا في دار نشر هايمون الترجمة الألمانية الأولى لرواية الكاتب المغربي ماحي بين بين. بورتريه بقلم كاترين شنايدر

صدر توا في دار نشر هايمون الترجمة الألمانية الأولى لرواية الكاتب المغربي ماهي بينابينا.

ماحي بين بين
ماحي بين بين

​​يروي الكاتب والرسام المغربي ماحي بين بين في روايته "أكلة لحوم البشر" قصة مهاجرين غير شرعيين، ينتظرون على ساحل طنجة أن يعطي المهرب الذي لا اسم له والذي ائتمنوه على كامل مدخراتهم، إشارة الانطلاق. مصائر مختلفة تماما تدفع إمرأة وطفلها الرضيع وستة رجال من مالي والجزائر والمغرب إلى مغادرة وطنهم وعائلاتهم، ولكن يجمعهم هدف واحد: العيش في أوروبا هربا من وضعهم الذي لا مخرج منه. وحيث لا فرصة لهم في الحصول على تأشيرة دخول إلى القسم المرفه من العالم فهم يحاولون بطريق غير شرعي السفر إلى الحرية الموهومة. تصبح الرحلة لغالبية أبطال بينابينا رحلة إلى الموت.
ليس من المعروف بالتحديد عدد الذين يحاولون كل عام الوصول عبر مضيق جبل طارق الخطر إلى أوروبا بصورة غير شرعية، لكنه يقدر بمئات الألوف: وتشير تقديرات حذرة إلى أن مئات منهم يلقون حتفهم. لقد أعطى ماحي بين بين في روايته قصة فردية لأناس لا يظهرون عادة إلا في الاحصائيات أو الأخبار القصيرة عن جثث جرفتها المياه إلى شواطئ إسبانيا.

القصة الشخصية

استطاع بين بين أن يسافر إلى اوروبا عام 1980 بصورة شرعية ليدرس الرياضيات في جامعة جوسيو في باريس. وعمل بعد تخرجه عام 1985 ثماني سنوات كمعلم للرياضيات وبدأ في هذه الفترة بالاهتمام بالرسم والأدب. فقد كان لديه وقت كما يقول، فضلا عن أنه كان يختلط بالوسط الفني في باريس الذي ألهمه. عرضت لوحاته في معارض مختلفة منذ عام 1987 ويجدها المرء اليوم في مجموعات عامة وخاصة في جميع أنحاء العالم، من بينها المجموعة الدائمة لمتحف غوغنهايم في نيويورك. عاش ماحي بين بين وعمل في نيويورك بين عامي 1994 و 1999، ثم عاد لأربع سنوات أخرى إلى باريس. وهو يعيش منذ 2002 ثانية في مراكش، مدينة مولده، حيث " لم تعد فرنسا، بعد أن قوي لي بين Le Pen، بلدا يصلح لي."

تأثير مراكش

يرسم ماحي بين بين بألوان صافية ذات توهج يفرض نفسه. ألوان حمراء وزرقاء تتداخل مع بعضها وتظهر الخطوط الخارجية لأناس، أناس بأقنعة، أشباح نساء ذات ظلال. تلعب النساء في عمله الأدبي دورا مهما. يضع بين بين الخطوط الأولى لملامحهن كشخصيات قوية تصل إلى ما تريده رغم كل الأوضاع الخارجية المعيقة. إنها طفولة الكاتب في مراكش، حيث ولد عام 1959 ونشأ في بيت في المدينة القديمة التي طبعته بطابعها والتي تفرض نفسها على موضوعاته الأدبية. فهو يروي قصص المنبوذين، الفاشلين، "المريضة أقدامهم في الحياة" كما يسميهم، الذين شكلوا عالم طفولته.

في روايته الأولى، التي تحمل عنوان "نوم الأمة" والذي يتحدث فيها بصيغة المتكلم، يتذكر دادا، الأمة السوداء لعائلته. في أيام طفولته كانت تروي له قصتها عندما لم يكن يستطيع النوم، قصة امرأة سوداء سرقها تجار العبيد وهي فتاة يافعة مع أخيها وباعوها في المغرب، والتي لم تكن حرة التصرف في حياتها وجسدها أبدا.

رواية ماحي بين بين الثانية "رحلة مامايا الأخيرة" هي تكريم لأمه التي كانت الشخصية المؤثرة في طفولته. كان عليها أن تربي أطفالها السبع وحيدة، بعد أن ترك الأب العائلة، وهذا في المحيط ذي الطابع الأبوي لمدينة مراكش. يرسم في الرواية بورتريه إمرأة تعد نفسها للموت، وتفكر في ابنها الذي لا تعرف ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة أم أنه ميت. إشارة إلى جانب محزن من قصة العائلة، فقد بقي أخ لماحي بين بين، عزيز، وهو واحد من الضباط الشبان الذين قاموا بمحاولة الانقلاب الفاشلة ضد الملك الحسن الثاني عام 1971، سجينا في معسكر تازمامرت الصحراوي طيلة 18 سنة ، في ظروف لا تستطيع قدرة الإنسان تصور وحشيتها، ولا يكاد يمكن وصفها بالكلمات. لم يبق بعد هذه الفترة على قيد الحياة سوى نصف السجناء، وقد كان عزيز بين بين من الناجين الثمانية والعشرين. وضع ماحي قصته تحت تصرف زميله الكاتب طاهر بن جلون كمشروع لروايته المثيرة للجدل "صمت الضوء". بالنسبة لماحي بين بين كان التناول الأدبي لقصة الآلام التي عاشها أخوه أكثر ايلاما مما يطيق. لذلك ائتمن صديقه طاهر بن جلون عليها. لكنه أدرك في وقت لاحق أن ذلك كان خطأ. فرغم أنه يعتبر رواية طاهر بن جلون ناجحة، لكن الصداقة بين الكاتبين تصدعت بسبب الجدل حول الكتاب.

كتب ماحي بين بين حتى الآن خمس روايات باللغة الفرنسية، ترجمت إلى لغات مختلفة، وينتظر أن تصدر الرواية السادسة في كانون الثاني/يناير من العام القادم في فرنسا. تحمل اسم لون يحبه، لون التراب، وتروي قصة رسام يعيش في باريس.

بقلم كاترين شنايدر

© 2003, Qantara.de

ترجمة: سالمة صالح