رٍشى مالية لإسكات أصوات الديمقراطية

يرى المحلل السياسي الألماني ماتياس زايلر أن دول الخليج العربية لا يمكن أن تعتمد على المال وحده لوأد حركة الديمقراطية القادمة إليها، وإنما يجب أن تكون هناك إصلاحات سياسية ملموسة. وفي مقاله يؤكد زايلر أن زخم أي حركة احتجاجات منادية بالديمقراطية في دول الخليج يتوقف على التطورات الإيجابية في الدول العربية التي تعيش ثورات شعبية.

الكاتبة ، الكاتب: Matthias Sailer



حتى وإن كانت وسائل الإعلام تسلط اهتمامها في الوقت الراهن على ليبيا وسوريا بشكل خاص، فإن "اليقظة" السياسية في منطقتي الشرق الأوسط والأدنى زادت من الضغوط حكام دول الخليج وممالكها أيضاً البعيدون عادةً عن أضواء الإعلام. إن شعوب هذه البلدان أظهرت حتى الآن سلوكيات مختلفة للغاية إزاء حكامها، فبينما نزل مئات آلاف من سكان مملكة البحرين الصغيرة إلى الشوارع في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، غابت المظاهرات في قطر والإمارات العربية المتحدة بشكل تام. أما في المملكة العربية السعودية فقد انطلقت احتجاجات أصغر حجماً، سرعان ما تم احتواؤها من قبل قوات الأمن. وفي سلطنة عمان فقط، التي لا يُغرف عنها الكثير، كان رد فعل سلطانها على مطالب آلاف المتظاهرين بإعلانه عن إصلاحات سياسية حذرة.

فأين يكمن سبب عدم تكلل هذه الحركات المنادية بالديمقراطية في ممالك منطقة الخليج بأي نجاحات تذكر حتى الآن؟ يجب أن يحركنا هذا التساؤل من اهتمام شخصي بحت، فهذه الدول، التي تكون سوية مع الكويت مجلس التعاون الخليجي، تمتلك 40 في المائة من احتياطي النفط العالمي و23 في المائة من احتياطيات الغاز العالمية. وصناديقها السيادية أنقذت خلال الأزمة المالية العالمية العديد من الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى من الإفلاس، ومن الناحية السياسية بدأت قطر وشركاؤها في منطقتي الشرق الأوسط والأدنى تضطلع بدور قيادي متزايد. وهذا الدول القيادي أكدته هذه الدول في نهاية المطاف من خلال مساعيها الخاصة في عالم عربي مشتت عادةً لفرض منطقة حظر الطيران فوق ليبيا.

مشاكل اجتماعية وغياب دور الدولة

جلسة لمجلس التعاون الخليجي الصورة ا ب
"في ممالك منطقة الخليج هي الأخرى يوجد انعدام فرص العمل والمستقبل، وبشكل خاص أمام عدد كبير من الشباب ذوي التعليم الجيد نسبياً، ولكن بحجم أقل من واقع الحال في مصر وتونس"

​​إن لأسباب المتغيرات وسقوط النظامين الحاكمين في مصر وتونس والصراع الحالي في ليبيا وجهان اثنان، ويمكن قراءتهما بشكل جيد في مسبب الثورات في هذه المنطقة. ففي السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2010 أضرم المختص في المعلوماتية التونسي العاطل عن العمل محمد البوعزيزي النار في نفسه، بعد أن قامت الشرطة بمصادرة بضاعته من الخضروات، التي حاول جاهداً أن يحصل على معيشته لقاء بيعها. وكان تبرير قوات الأمن التونسية: إنه لم تكن لديه رخصة لمزاولة النشاط التجاري. إذاً فلانتحاره، الذي ترك آثاراً كبيرة على الرأي العام، سببان: من جانب، مشاكل اجتماعية-اقتصادية (وتتمثل هنا في: البطالة وضعف النظام الاجتماعي للدولة)، ومن جانب آخر، انعدام الحريات الاجتماعية (ويتمثل هذا هنا في: إمكانية حصوله على أسباب المعيشة من دون مضايقات الدولة). إن الفساد المتفشي في كل جوانب الحياة اليومية وإفراط النخبة التونسية الحاكمة في التبذير زادت من حدة الغضب الشعبي باستمرار.

وفي ممالك منطقة الخليج هي الأخرى يوجد انعدام فرص العمل والمستقبل، وبشكل خاص أمام عدد كبير من الشباب ذوي التعليم الجيد نسبياً، ولكن بحجم أقل من واقع الحال في مصر وتونس. من خلال واردات النفط والغاز بلغ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي للفرد في قطر على سبيل المثال ما يُقدر بـ 68 ألف دولار (حسب إحصائيات عام 2010)، والوضع في الإمارات العربية المتحدة لا يختلف. عن طريق سياسة اقتصادية ذكية وبعيدة النظر ما زال تنوع النظامين الاقتصاديين يسير منذ سنوات وبشكل مستمر بعيداً عن النفط. وهذا الاتجاه يتضح تماماً في دبي أكثر من غيرها، إذ لم يشكل قطاع النفط عام 2006 أكثر من نسبة 5.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وكلتا الحكومتان منحتا جزءا من هذه الثروة الجديدة لشعبيها بشكل الكثير من الامتيازات، لدرجة أنه لا يجب القطريين والإماراتيين أن تعتريهم مخاوف حقيقية من وضعهم المالي.

لكن على الرغم من ذلك فإن الكثير من جيل الشباب يشعرون بالإحباط، لأنهم رغم تعليمهم الجيد يخسرون دائماً في المنافسة مع الكثير من العمال الأجانب الوافدين، ولا يجدون بذلك مكان العمل المرغوب فيه. وهذا الإحباط يتم تعويضه جزئياً من خلال الكثير من الحريات الاجتماعية، التي يتمتع بها القطريون والإماراتيون، ما يختلف تماماً عن الوضع في مصر تحت حكم مبارك وتونس خلال حكم بن علي.

ضخ الأموال لوأد الاحتجاجات

الصورة ا ب
"حين نزل مئات الأشخاص إلى الشوارع منتصف شباط/ فبراير الماضي ضد الفساد وللمطالبة بإصلاحات سياسية والالتزام بحقوق الإنسان، كان رد فعل النظام بقسوة غير معهودة"

​​

وبناء على ذلك فإن القطريين والإماراتيين يشعرون بالفخر من منجزات حكامهم، الأمر الذي يقوض إمكانيات المعارضة. إن النظرة إلى تجربتي الديمقراطية الفاشلتين في العراق أو غزة لا تجعل نظام الدولة هذا بالنسبة إلى سكان الإمارات العربية المتحدة وقطر علاوة على ذلك هدفاً منشوداً يُطمح إليه مطلقاً. وحتى البرلمان المنتخب والنافذ تأثيره في الكويت، التي تعتبر أكثر دول منطقة الخليج ديمقراطية، لا يُنظر إليه وفق ذلك على أنه إنجاز إيجابي، وإنما كسبب لعدم الاستقرار السياسي وللضعف الاقتصادي. أما النظامان الإوتقراطيان في الإمارات العربية المتحدة وقطر فعلى العكس من ذلك، إذ يتم النظر إليهما في المقام الأول من خلال إطار القوة الاقتصادية والحريات الاجتماعية. عن هذا يعلق عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات العربية المتحدة قائلاً: "لماذا الحك إذا لم توجد حكة؟".

ومع ذلك فقد زاد حكام هذه الدول لغرض وقائي من المخصصات المالية أيضاً ويزيدون من الاستثمارات منذ بدء حركة الاحتجاجات بشكل أكبر من المألوف من أجل إشباع حاجات رعاياهم المالية. وعلى الرغم من ذلك ارتفعت مطالب حذرة بمزيد من الديمقراطية، وأدى التماسان يطالبان بمزيد من الديمقراطية في الإمارات العربية المتحدة إلى اعتقال خمسة ناشطين في شهر نيسان/ إبريل الماضي، ومن بينهم أستاذ في فرع جامعة السوربون الفرنسية بأبو ظبي.

أما الوضع في البحرين المجاورة فأسوأ بكثير، فحين نزل مئات الأشخاص إلى الشوارع منتصف شباط/ فبراير الماضي ضد الفساد وللمطالبة بإصلاحات سياسية والالتزام بحقوق الإنسان، كان رد فعل النظام بقسوة غير معهودة، قادت إلى مقتل سبعة محتجين في الفترة من 14 حتى 17 شباط/ فبراير. وفي 14 آذار/ مارس تدخلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في إطار الاتفاقية العسكرية لمجلس التعاون الخليجي لمواجهة المخاطر الخارجية، من خلال إرسال 1500 جندي إلى البحرين. واُستخدم العنف لقمع الاحتجاجات، وبدأت موجة شاملة من التخويف والاعتقالات بحق الناشطين والمدونين والأطباء والصحفيين.

أمير البحرين سرعان ما تحدث عن مؤامرة إيرانية ضد بلاده، مدتها -على نحو سخيف- "من 20 إلى 30 عاماً"، حسب قوله، تلهم في إطاراها إيران الشيعية هذه الاحتجاجات. إن هذا الإدعاء غير المعقول يأتي مكملاً لإستراتيجية النظام (السني)، لإثارة توترات دينية بشكل مقصود للغاية بين الأغلبية الشيعية المهمشة اقتصادياً وسياسياً وبين الأقلية السنية، من أجل الحيلولة دون قيام معارضة موحدة. وخلفية هذا الأمر تتمثل في أن البحرين الشحيحة الموارد والمعتمدة على السعودية مالياً لا يمكنها تقديم المساعدات المالية لسكانها، من أجل إخماد الاضطرابات بضخ الأموال. يقول شادي حميد، مدير البحث في مركز بروكنجز الدوحة في قطر، إنه من خلال حديث التلفزيون الرسمي بشكل مستمر عما ُزعم أنه نوايا تخريبية للشيعة صدق السنة بأعداد متزايدة هذه المزاعم وبدؤوا يرون في الشيعة أعداء بشكل متزايد.

غطاء ديني ومعادلة إقليمية

امرأة بحرينية، الصورة دب ا
"أمير البحرين سرعان ما تحدث عن مؤامرة إيرانية ضد بلاده، مدتها -على نحو سخيف- "من 20 إلى 30 عاماً"

​​إن المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط واجهت فقط بعض الاحتجاجات الأصغر حجماً في المناطق الشرقية الشيعية على الحدود مع البحرين، لكن رد فعلها كان مشابهاً لما حصل في الإمارات وقطر من خلال ضخ المساعدات المالية وقمع الاحتجاجات من خلال أجهزة الأمن. وعلاوة على ذلك فإن التذمر في السعودية يُكبح جماحه من قبل دعم رجال الدين المحافظين للغاية، الذين يرون أن "الاحتجاج لا يمت إلى الإسلام بصلة"، ومن خلال جهاز أمني ضخم. وباعتبارها لاعباً إقليمياً منافساً لإيران في المنطقة فإن للسعودية أيضاً مصلحة في نهج سياسة معادية لإيران، وبعد أن تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن أقرب حلفائها، الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، بدأت السعودية بشكل متزايد تتبع نهجاً أكثر استقلالية عن حاميتها، رغم أن من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة كبيرة للنفط السعودي ودعمها في أي تحرك ضد البرنامج النووي الإيراني.

إن الأنظمة المذكورة في مجلس التعاون الخليجي تحاول إذاَ الحفاظ على حكمها الأوتوقراطي، وحيث لا يستطيع المال والاستراتيجيات الأخرى تحقيقه، تضطر إلى اللجوء لاستخدام العنف لمواجهة الاحتجاجات. وليس لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصلحة ما في المواجهة معه، ومع وجود قناة الجزيرة تحت سيطرة قطر فإن أي حركة منادية بالديمقراطية في منطقة الخليج ستفتقد إلى عامل جوهري، فالتغطية الإعلامية لسحق الاحتجاجات في البحرين بقيت ضعيفة إلى حد كبير. إضافة إلى ذلك فإن من خلال تسليط الاهتمام على إيران بشكل أحادي الجانب كتهديد خارجي جوهري يمكن لحكام الخليج أن يجدوا تبريرات مقبولة لإجراءاتها، التي عادة ما يُنظر إليها على أنها استبدادية عادة، أمام شعوبها وعلى الصعيد الدولي أيضاً. أما كون هذه السياسة ستزيد من تصعيد حدة الصراع بين إيران ودول الخليج العربية، فإن هذه الأمر يعد بمثابة مفعول جانبي مثير للقلق.

وماذا عن المستقبل؟

إن جميع الدول أصبح لديها بعد الأشهر الماضية رغبة في السيطرة على مشاكلها الاجتماعية-الاقتصادية. ومن المحتمل أن يصبح تصرف حكام قطر والإمارات أكثر استبداداً تجاه الناشطين مستقبلاً. ففي جميع الأحوال ينبغي أن تُجرى الإصلاحات السياسية الحذرة خطوة إثر خطوة نحو الأفضل. وفي المملكة العربية السعودية من الضروري أيضاً أن يكون التطور مشابهاً. أما الوضع في البحرين فأصعب بكثير: فإذا لم تُجرَ إصلاحات سياسية ملموسة أو على الأقل إنهاء تهميش الشيعة اجتماعياً واقتصادياً، فإن الاحتجاجات التي تم إخمادها في الوقت الراهن باستخدام العنف ستندلع من جديد عاجلاً أو آجلاً. وجوانب كثير تتعلق أيضاً بالتطورات القادمة في تونس ومصر والبحرين، فإن أي تطور إيجابي في هذه الدول سيزيد من حدة الحركة المنادية بالديمقراطية في منطقة الخليج بشكل كبير.

ماتياس زايلر
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011