التوازن والتطور

بدأت قصة سيكيم SEKEM قبل 26 عاما في منطقة صحراوية بين أسوان والإسكندرية وحصلت الشركة تقديرا لتطبيق أساليب زراعية بيوديناميكية على جائزة منظمة نوبل البديلة.

رأت هيئة التحكيم بأن هذه الشبكة التي أسسها إبراهيم أبو العيش قد أوضحت بأن بوسع الشركات العصرية أن تكيّف العمل الاقتصادي بنجاح مع المتطلبات الإنسانية والروحية وأن تحترم البيئة أيضا.

الدكتور إبراهيم أبو العيش رجل قصير نحيف يبلغ 66 عاما من العمر ولوجهه ملامح كلاسيكية وله وعينان بنيتان لامعتان وجاذبية من نوع خاص بحيث تسحر كل من يتعرف عليه. ولد في مصر وأصبح مواطنا عالمي الأفق وتهيمن على ذهنه رؤى بعيدة الأجل كالتالي: "التنمية تنبع من الإنسان، التنمية تنبع من المجموعة ،التنمية تنبع من البيئة والأرض كذلك."

ذهب أبو العيش إلى النمسا وعمره 19 عاما لدراسة الكيمياء. وبعد انقضاء 20 عاما على حياة علمية حافلة بالنجاح في أوروبا الغربية قام أبو العيش برفقة عائلته بزيارة موطنه مصر عام 1975. وكان الانطباع الذي غنمه هناك سيئا للغاية، حيث التضخم السكاني وتلوث البيئة ونظام صحي قديم متآكل ونقص في إمكانيات ومجالات التعليم.

"عندئذ بدأت في تأسيس مجموعة سكنية صغيرة في الصحراء عام 1977، أي مجموعة تسكن وتتعلم في آن واحد. وكنت أعلم بأن الأمر يتطلب مني كثيرا من الصبر وعدة أجيال، لكن الأمور –وهذا ما أدهشني- أخذت مجرى إيجابيا جدا. فقد طبقنا على الصحراء الطرق البيوديناميكية، وكانت النتائج رائعة."

النشاط الاقتصادي يصب في التنمية الثقافية

هذه المجموعة الصحراوية الصغيرة التي أخذت تسميتها من مفهوم الطاقة الحيوية للشمس أصبحت في غضون 26 عاما شبكة متطورة ومثيرة للتقدير. فقد استغل 800 مزارع أرضا تبلغ مساحتها 8000 هكتارا في منطقة واقعة بين أسوان والإسكندرية بالطرق البيوديناميكية لزراعة الخضراوات والفواكه والأعشاب الصحية. ويجد المرء في كل المحلات الجيدة للبيع على النمط البيولوجي الصحي في ألمانيا منتجات ايزيس وأتوس وسيكم. ويعمل 2000 شخص في ست شركات تقوم بصنع الملابس وتعليب الخضراوات وتوزيع مأكولات موزلي والأدوية النباتية. كما توجد هناك روضة أطفال وعدة مدارس ومستشفي صغير ومعهد للأبحاث وجمعية معنية بصورة خاصة بالشؤون الثقافية. كل هذا يتبع مجموعة شركات سيكم:

"العمل الاقتصادي يسعى لتحقيق هدف رفيع وهو إنتاج مواد ممتازة لمصلحة الناس، حتى لو لم نعرفهم وكانوا يعيشون في مناطق مختلفة من العالم. لكن الريع المالي لهذا النشاط الاقتصادي يصب في المقام الأول في عملية التنمية الثقافية للشعب. وهكذا تتسم الدورة المالية بطابع سليم صحي."

مؤسسة سيكم حديثة وقادرة على التنافس وهي تضع الإنسان في محور نشاطها كما أنها تحترم متطلبات البيئة. وبفضل هذه المؤسسة انخفض استخدام مبيدات الحشرات في حقول القطن المصرية بمقدار 90%. فقد نجح الدكتور إبراهيم أبو العيش وموظفوه في إقناع الحكومة بإمكانية زراعة القطن دون استخدام المواد السامة. وإبراهيم أبو العيش مسلم وإن تأثر بأوروبا الغربية بحكم الفترة الطويلة التي قضاها هناك.

وهو يرى بضرورة اعتماد خط الإصلاح في الإسلام، لكنه يرى قواعد رؤيته الإصلاحية في القرآن نفسه. وهو يوضح ذلك لنقاده على النحو البرغماتي التالي: "فأنا أقول للمسلمين المتشددين بأن هذه الطرق البيوديناميكية مدونة في القرآن والإسلام، حيث يطالبنا الله في القرآن بالعمل على رعاية البيئة ويقول إنه خلق الكون متوازنا وأن علينا كبشر تفادى تصدع هذا التوازن بل علينا أن نحافظ ونطور هذا التوازن."

أصبحت مؤسسة سيكم نموذجا تحتذي به مناطق أخرى متخلفة في العالم كما أنها تتبادل الخبرات مع مبادرات شبيهة قائمة على سبيل المثال في الهند وفلسطين والسنغال وتركيا. وتوجد منظمات توأمية لها في هولندا وألمانيا. وقد أثبتت سيكم بأن هناك بدائل صالحة للتطبيق.
تنتقل رئاسة سيكم بالتدريج من جيل إلى آخر. أما مدير المؤسسة فهو حلمي أبو العيش ابن المؤسس.

دويتشه فيلله 2003
ترجمة عارف حجاج