دستور مصر الجديد...توسيع لامتيازات الجيش

انتهت لجنة الخمسين المكلفة بإعداد مسودة الدستور المصري من وضع المشروع النهائي للوثيقة الدستورية الجديدة في مصر، والمكونة من 247 مادة ستطرح للاستفتاء الشعبي في غضون شهر. وبينما يتساءل محللون حول ما إذا كانت مسودة الدستور الجديد ستمهد فعلا لحياة ديمقراطية في مصر ينتقد حقوقيون ونشطاء مسودة الدستور المصري معتبرين أنها لا تحد من صلاحيات الجيش، كما يرينا ماركوس زومانك من القاهرة.

الكاتبة ، الكاتب: Markus Symank

"مصر هبة النيل للمصريين، ومصر هدية المصريين للبشرية": هكذا يبدأ مشروع الدستور المصري الجديد الذي انتهت لجنة مكونة من خمسين عضوا من إنجازه (الأحد الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2013). وستعرض مسودة الدستور على استفتاء شعبي في غضون شهر، وهي الخطوة الأولى في خارطة الطريق التي وضعها الجيش المصري بعد عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي.

وأعلن عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين الانتهاء من إقرار كل بنود المسودة بعد إقرار أربعة بنود كانت قد رفضت خلال الاقتراع الأول بعد ظهر الأحد. وتم الاتفاق بموجب الصياغة الجديدة لهذه المواد على أن يترك تحديد النظام الانتخابي الذي ستجرى بموجبه الانتخابات البرلمانية لقانون يصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي ترك له كذلك تحديد ما إذا كانت الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية ستجري أولا.

"لا نزال في الوراء"

وقال عمرو موسى إن الدستور الجديد يستجيب لتطلعات الثورة المصرية للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. إلا أن الناشطين الحقوقيين في مصر يختلفون في تقييم مشروع الوثيقة الدستورية الجديدة. ويرى عمرو عبد الرحمان مدير الحريات المدنية في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" أنه "مقارنة مع الدستور القديم، يعتبر الدستور الجديد بكل تأكيد تقدما نحو الأمام، لكن قياسا بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإننا لا نزال في الوراء".

تراجع الدور المرجعي للشريعة

مشروع الدستور الجديد ليس الأول الذي سيصوت عليه المصريون منذ سقوط نظام مبارك في يناير/ كانون الثاني 2011. فقبل عام بالضبط، صادق المصريون بنسبة 64% على دستور قدمه الإسلاميون. ولما أطاح الجيش بمحمد مرسي قام بتعليق العمل بالدستور.

وقد قلصت مسودة الدستور الجديد من تأثير الشريعة، فرغم أن البند الثاني منها ينص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فإنه يؤكد أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية.

جامع الأزهر في القاهرة. Foto: picture-alliance/ZB
مؤسسة الأزهر أهم هيئة دينية في البلاد، لن يكون لها في المستقبل تأثير على القوانين ويعتبرها الدستور الجديد "هيئة علمية مستقلة تختص دون غيرها بالقيام على كافة شؤونها وهي المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية".

كما أن مؤسسة الأزهر أهم هيئة دينية في البلاد، لن يكون لها في المستقبل تأثير على القوانين ويعتبرها الدستور الجديد "هيئة علمية مستقلة تختص دون غيرها بالقيام على كافة شؤونها وهي المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية". ويرى عمرو عبد الرحمان أن التطور الايجابي هو أن الاختصاص في القضايا المتعلقة بالدين هي الآن في يد المحكمة الدستورية العليا.

كما أوضح أن الممثلين الدينيين المحافظين فرضوا وجهة نظرهم في بعض الموضوعات كحقوق المرأة. فرغم أن المسودة الجديدة تمنع التمييز على أساس الجنس أو الانتماء العرقي أو الديني، إلا أنها تعطي للدولة في الوقت ذاته إمكانية التأكد إذا كانت حرية المرأة لا تتعارض مع مقتضيات الشريعة الإسلامية.

منع الأحزاب الدينية

تضمنت مسودة الدستور أيضا بندا ينص على حظر الأحزاب الدينية: "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني". وقال عمرو موسى إن حزبا معينا "يمكن أن تكون له هوية دينية ولكن عليه احترام القوانين والدستور والدولة المدنية المصرية". الدستور الجديد يضمن الحرية الدينية ولكن فقط للمسلمين السنة كما للمسيحيين واليهود. فيما يظل وضع الأقليات الشيعية أو البهائية غامضا دون ضمانات دستورية.

ويؤكد حافظ أبو سعدة مدير "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" على الإنجازات الإيجابية لمسودة الدستور الجديد ويعتبر أن التمثيل المناسب لكل مكونات المجتمع المصري في البرلمان خطوة مهمة: "هذا يجبر البرلمان على ترجمة إرادة الشعب المصري دون اعتبارات قائمة على الدين أو الجنس".

عناصر الأمن المصري في مواجهة أنصار الرئيس المعزول مرسي.  Foto: Reuters
ينتقد حقوقيون ونشطاء مسودة الدستور المصري معتبرين أنها لا تحد من صلاحيات الجيش ويعترض هؤلاء بشكل خاص على المادة رقم 204، التي تسمح بمحاكمة المدنيين المتهمين بشن "اعتداءات مباشرة" على القوات المسلحة أمام محاكم عسكرية. وتعطي مسودة الدستور لميزانية الجيش المالية حصانة من الرقابة المدنية، إذ حُصِرَت مناقشتها على مجلس الدفاع المكون من 14 شخصية، بينهم ثمانية عسكريين. وثمة اعتراض أيضا على المادة رقم 234 التي تنص على تعيين وزير الدفاع بالاتفاق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

توسيع امتيازات الجيش

عملت مسودة الدستور الجديد على تحقيق توازن بين مؤسسة الرئاسة والبرلمان، إلا أنها وسعت الامتيازات الكبيرة بالفعل التي يحظى بها الجيش، باشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على اختيار وزير الدفاع خلال فترتين رئاسيتين كاملتين من وقت التصديق على الدستور. ولا تشير المسودة إلى كيفية عزل وزير الدفاع أو من الذي يملك سلطة عزله.

وتسمح المسودة أيضا للجيش بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وهو بند كان موجودا في الدساتير السابقة ويعارضه بشدة الناشطون المدافعون عن الديمقراطية لكن مسودة الدستور الجديد تحدد الجرائم التي يمكن أن يحاكم بمقتضاها المدني أمام المحاكم العسكرية.

 

ماركوس زومانك

 حقوق النشر: دويتشه فيله 2013