"غوانتانامو الإيطالية"

لم يسمح حتى الآن لأي صحفي بزيارة معسكر اللاجئين في هذه الجزيرة التي تقصدها الكثير من السفن القادمة من ليبيا وتونس محملة باللاجئين. وأخيرا نجح مراسل صحفي للمرة الأولى بدخول المعسكر سرا. تقرير يورغ زايسلبيرغ من روما

لم يسمح حتى الآن لأي صحفي بزيارة معسكر اللاجئين في هذه الجزيرة التي تقصدها الكثير من السفن القادمة من ليبيا وتونس محملة باللاجئين. وأخيرا نجح مراسل صحفي للمرة الأولى بدخول المعسكر سرا، وكان للتقرير الذي كتبه حول تجاربه هناك وقع الصدمة في إيطاليا. تقرير يورغ زايسلبيرغ من روما

عمدت الحكومة الإيطالية طيلة سنوات طويلة إلى عزل معسكر اللاجئين في لامبيدوزا عزلا تاما عن أعين الرأي العام. ولكن صحفيا يعمل في المجلة الإخبارية "إسبرسو" نجح مؤخرا في النظر وراء الكواليس. فقد تقمص فابريتسيو غاتي سمة لاجئ كردي أطلق عليه اسم بلال إبراهيم الحبيب وجعل نفسه في أحد مواضع شاطئ جزيرة لامبيدوزا رهن الاعتقال ثم نقل بعد ذلك إلى معسكر اللاجئين.

وقد صدم التحقيق الصحفي الذي نشره هذا الصحفي حول تجاربه في مركز اللاجئين إيطاليا على نحو بالغ، علما بأن وزير الداخلية بيزانو كان قد وصف هذا المركز بأنه في حالة مثلى. وقال غاتي للإذاعة الألمانية في أستوديو روما إن ما رآه في لامبيدوزا يفوق كثيرا المخاوف التي كانت تساوره حول الأوضاع هناك.

ظروف مروعة

"المراحيض ممتلئة في كل مكان بالبراز والبول والحالة العامة للنظافة سيئة إلى حد يثير الذهول. كما أن أغطية الأسرة معبأة بالبراغيث. بالإضافة إلى ذلك فإن حراس المعسكر يلجؤون إلى استخدام العنف. فقد شهدت ثلاث مرات بعيني لاجئين وصلوا لتوهم وبحالة كبيرة من البرد والجوع تعرضوا للضرب لكونهم لم يفهموا لغويا التعليمات الصادرة عن رجال الشرطة."

استخدمت جريدة "لا ريبوبليكا" اليومية في هذا السياق عبارة "أوضاع تدعو إلى الصدمة"، ومعلقون إيطاليون آخرون تحدثوا عن "غوانتانامو الإيطالية" تيمنا بالمعسكر الأمريكي الخاص باحتجاز معتقلين متهمين بالقيام بأعمال إرهابية لصالح تنظيم القاعدة.

ومما أثار ذهول الرأي العام على نحو خاص وقائع الأحداث في لامبيدوزا التي سردها الصحفي المتقمص لشخص أحد اللاجئين فيما يختص باعتداء رجال الشرطة الإيطاليين على اللاجئين وامتهان كرامتهم:

"رأيت في حالتين على وجه التحديد لاجئين فرض عليهم المرور في منتصف صفين من رجال الشرطة وتعرضوا جميعهم للضرب منهم. في حالة أخرى أطلع أحد رجال الشرطة أشخاصا قاصرين في العمر وبعضهم ينتمون إلى الإسلام على صور الخلاعة الجنسية من فوق هاتفه الجوّال. وقد عمد أحد هؤلاء اللاجئين إلى تغطية عينيه بيديه من قبيل الخجل، مما جعل الشرطي يزيح يدي اللاجئ بعنف ويرغمه على التطلع إلى تلك الصور."

ردود فعل سياسية

هذه التجاوزات تذكّر بالاعتداءات التي قام بها جنود أمريكيون في سجن أبو غريب المخيف المرعب، وبالتالي ترتب الآن على الحكومة الإيطالية أن تعطي مبررات لهذه الوقائع. وقد طالبت المعارضة باستقالة وزير الداخلية بيزانو، كما أنه من المتوقع أن يوجه الاتحاد الأوروبي أيضا أسئلة حرجة حول تلك الأحداث.

هذا ليس فقط لكون روما قد أعطت بروكسيل على ما يبدو صورة خاطئة حول الأوضاع الحقيقية في لامبيدوزا، بل أيضا لكون هذا الصحفي العامل في مجلة إخبارية إيطالية والذي كشف النقاب عن تلك الوقائع قد اكتشف أيضا بأن إيطاليا لا تحكم الرقابة أبدا على تدفق اللاجئين على عكس المزاعم التي درجت حكومة بيرليسكوني على ترديدها في العادة تجاه شركاء أجانب لها مثل برلين أو باريس.

الوضع هو على عكس ذلك، فقد لاحظ غاتي بأنه من السهل على اللاجئين الانتقال من لامبيدوزا إلى روما وإلى مناطق أخرى شمالا منها.

"أخذت الشرطة بصمات أصابعي وتبين لها بأنه تتطابق مع بصمات لاجئ روماني يدعى رومان لادو. وفي حقيقة الأمر فقد استخدمت هذا الاسم بغرض إعداد تحقيق آخر حول اللاجئين. ومع أنه كان قد صدر حكم بحق هذا الشخص المزعوم من قبل، فقد تم نقلي بعد أيام قليلة إلى صقلية واقتصر الأمر على مجرد تسليمي أمرا كتابيا بمغادرة البلاد. لكن هناك قلة قليلة فقط تتجاوب مع هذه الأوامر."

تم في صقلية وضع الصحفي غاتي المتقمص لشخص اللاجئ المفرج عنه في قطار متجه نحو الشمال. وقد وصل إلى محطة القطارات الرئيسية لمدينة روما بعد فترة قصيرة ودون أن يسأله أحد ما عن وثائقه الرسمية. في هذه الأثناء لم يعد هناك لدى السلطات الإيطالية أحد يكترث بعد بمصير اللاجئ المدعو بلال إبراهيم الحبيب.

يورغ زايسلبيرغ
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005

قنطرة

في انتظار باخرة
في المغرب الذي سيغدو قريبا جزء من منطقة التبادل الحر الأوروبية، أصبح تهريب المهاجرين مورد كسب أكثر مردودية من الحشيش. لينارت ليهمان في تحقيق من طنجة.