موسم الهجرة جنوبا

رواية تدور حول قصة حب بين أرملة سودانية وأستاذ جامعي اسكوتلندي للكاتبة ليلى أبوالعلا، التي حازت على جائزة أمريكان بوكرز، صدرت الآن باللغة العربية. أحمد فاروق يقدمها لنا

موسم الهجرة جنوبا

إذا كانت رواية الطيب صالح "موسم الهجرة للشمال" تعكس أزمة بطل قادم من الجنوب يحمل معه مثاليته السياسية وذكورته ويفشل في التعايش بهارمونية في الشمال، بل يصبح قاتلا، وفي الجنوب لا يجد جذوره فينتحر، فإن هذه الصورة الإشكالية التصادمية لمصطفى السعيد بطل رواية الطيب صالح، لا تجد لها مقابلا أنثويا في رواية "المترجمة" للكاتبة السودانية ليلى أبو العلا والتي صدرت بالإنكليزية عام 1999 وحازت على جائزة "أميركان بوكرز".

ليلى أبو العلا، الصورة: دار نشر لاموف

​​من الطبيعي أن ترد إلى الذهن رواية الطيب صالح، ليس لمجرد أن البطلة سودانية ولكن لأن رواية "المترجمة" تطرح صراعا مماثلا وإن يكن أقل حدة وتعقيدا. تدور الرواية حول "سمر" الأرملة السودانية التي تعيش في أبردين وحيدة بعد أن توفى زوجها في حادث سيارة، تاركا لها ابنا في الثانية من العمر. بطلة الرواية ليست من النوع المثقف المتمرد، بل إنها رغم تعليمها العالي، شديدة الانغماس في تقاليد عفا عليها الزمن حتى في مجتمعها الشرقي، فعند وفاة زوجها تعود مع ابنها إلى السودان وتفكر في أن تكون الزوجة الثالثة لرجل في عمر جدها، حتى تضمن لنفسها الستر. لكن عمتها وأم زوجها تنهرها وتأمرها بالعودة إلى الشمال للعمل والبحث عن مستقبل أفضل، وتترك ابنها في الجنوب. ثانية في أبردين تعمل سمر في أحد مراكز البحوث السياسية وتتعرف على أستاذ جامعي اسكتلندي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، وتنجذب سمر إلى شخصه ولآرائه المتعاطفة مع الإسلام. وسرعان ما يتحول هذا الانجذاب بينهما إلى حب. لكن الرواية لا ترضي طموح القارئ في علاقة متمردة أو آثمة، فلا بد للأستاذ الجامعي راي ويلز أن يدخل الإسلام حتى يُكتب لهذه العلاقة الاستمرار. لكن الباحث لا يريد الدخول في الإسلام حتى لا يفقد موضوعيته، وتصر سمر على ذلك وتهدده بالهجر فيطردها من المكتب، وتعود بعد ذلك إلى السودان هاجرة عملها وتحاول نسيانه ونسيان أبردين.

العودة ومحاولة النسيان

تعود للعيش في الخرطوم التي كثيرا ما تدفقت صورها في ذاكرتها حين كانت بالشمال، وتحاول التعايش مع الفقر والفاقة ومضايقات العمة وانقطاع الكهرباء، وتجد في القرب من الأهل بعض السلوى، لكن القلب يظل مكلوما، حتى تأتيها رسالة بعد عدة أشهر يخبرها فيه صديق عن دخول راي ويلز الإسلام. ثم تكتب هي إليه رسالة تدعوه فيها إلى أن يأتي لزيارتها في الخرطوم، وبالفعل يأتي وتنتهي الرواية نهاية سعيدة، حيث أنهما سيتزوجان وسيأخذان الطفل معهما إلى الشمال وهناك يلتئم شمل الشمال مع الجنوب.

تركيب الرواية بسيط وقائم على التصعيد الكلاسيكي إلى الذروة ثم الهبوط تدريجيا إلى الحل والنهاية السعيدة حيث يروي لنا الجزء الأول كيفية نشوء العلاقة وخلفيات البطل والبطلة ويصل بنا في نهايته إلى الذروة حيث يرفض البطل الدخول في الإسلام ويطردها، ثم يعكس الجزء الثاني الحل التدريجي للعقدة حيث تبدأ العمة في الضجر منها ومن بقائها في هذا البلد الفقير رغم أنها تستطيع أن تعيش في الشمال الغني وأن تأخذ معها ابنها، ثم يأتي الحبيب المخلص مسلما وتكون النهاية السعيدة.

الشيء المميز لهذه الرواية هي اللغة المنسابة العذبة والصور غير المعتادة والمفاجئة أحيانا، إضافة إلى هذا التنقل السلس والحيوي بين الذكريات في الشمال والجنوب، هناك حضور قوي للتفاصيل، يعكس الوعي الداخلي للبطلة التي يرى القارئ العالم عبر عينيها. وهذا ما يعطي للرواية ثقلها إزاء هذه الحبكة البسيطة.

لم تتطرق الرواية إلى أسئلة إشكالية كثيرة مثل جواز زواج الرجل المسلم من كتابية وعدم جواز العكس، لم تتطرق إلى حقوق وواجبات المرأة في الإسلام، قناعة البطلة الدينية ثابتة، ولذلك كان على البطل غير المسلم أن يغير قناعاته. ولهذا يجدر بنا ربما أن نسمي الرواية "موسم الهجرة إلى الجنوب".

بقلم أحمد فاروق، قنطرة 2003

ليلى أبو العلا: المترجمة، دار الساقي 2003، الترجمة عن الإنكليزية الخاتم عدلان