صناعة الأفكار ...ولادة المراجعات

تعتبر "مؤسسة كويليم" التي تم تأسيسها في شهر أيار/مايو الماضي في لندن من قبل أعضاء سابقين في حزب التحرير مركزًا للأبحاث يهدف إلى مواجهة الإسلام السياسي. ويعد مثل هؤلاء الأعضاء الذين تركوا مثل هذه الأحزاب بالنسبة للأجهزة الأمنية في أوروبا أملاً جديدًا في الحرب على التطرّف الإسلاموي. ألبريشت ميتسغر يطلعنا على سبب ذلك وطبيعة هذه المؤسسة.

شعار مؤسسة كويليم
محاربة الأفكار بالأفكار

​​كيف يستطيع المرء العمل على إضعاف المتطرِّفين الإسلامويين والقضاء عليهم؟ يثير حاليًا هذا السؤال اهتمام جميع الأجهزة الأمنية في أوروبا. إذ إنَّ الخوف من وقوع اعتداءات مثل تلك الاعتداءات التي شهدتها مدريد ولندن قبل بضعة أعوام كبير جدًا.

وفي إنكلترا وحدها يراقب جهاز المخابرات الداخلية البريطاني MI-5 نحو ألفي شخص، يفترض أنَّهم على استعداد لتنفيذ اعتداءات إرهابية فوق الأراضي البريطانية. ويفترض كذلك أنَّ مجموعتين من المتطرِّفين الإسلامويين قد سافرتا من ألمانيا إلى باكستان، حيث يعتد أنَّه تم إعدادهما للجهاد من قبل تنظيمات مقرّبة من القاعدة.

توجّه جديد في التعامل مع الإسلامويين

كيف ينبغي إذن مواجهة المتطرِّفين الإسلامويين عقائديًا في أوروبا؟ إنَّ الطريقة الأفضل لذلك هي مواجهتهم بإسلامويين ممن اعتزلوا النشاطات الإسلاموية أو الذين يعارضون الجهاد بوضوح. وهذا ما توّصلت إليه على كلِّ حال الكثير من الأجهزة الأمنية. وفي هذا الصدد تلعب إنكلترا كذلك دورًا قياديًا.

ماجد نواز، الصورة: أ.ب
ماجد نزاز مدير المؤسسة

​​وهكذا تم في شهر أيار/مايو الماضي تأسيس مركز أبحاث هدفه مواجهة الإسلام السياسي، يطلق عليه اسم "مؤسسة كويليم" Quilliam-Foundation، قام بتأسيسه أعضاء سابقون في حزب التحرير. وحزب التحرير محظور في ألمانيا بسبب قيامه قبل بضعة أعوام بحملة تحريضية معادية للسامية.

ومن بين مؤسسي "مؤسسة كويليم" عضو حزب التحرير السابق، ماجد نواز الذي ترك هذا التنظيم الإسلاموي لأنَّه لم يعد يرى مستقبلاً في تنظيم لم يكن يبيح الاعتراض عليه، حسب تعبير ماجد نواز. وماجد نواز يعتبر في يومنا هذا من مؤيدي دولة القانون العلمانية.

عمل رائد في "حرب الأفكار"

من الممكن القول الآن إنَّ "مؤسسة كويليم" سوف تؤدِّي، نظرًا إلى الشهرة التي يتمتَّع بها القائمون على هذه المؤسسة على المستوى الثقافي، عملاً رائدًا فيما يعرف باسم "حرب الأفكار"؛ يبدو هذا المفهوم مبتذلاً.

ولكنه على الرغم من ذلك مناسب من أجل توضيح هدف "مؤسسة كويليم" ولماذا ستحقِّق هذه المؤسسة نجاحًا أكثر من المؤسسات التي تم تأسيسها بتمويل أمريكي من أجل إقناع المسلمين بمزاعم حبّ الولايات المتحدة الأمريكية للآخرين (على سبيل المثال قناة "الحرة" التلفزيونية الناطقة باللغة العربية).

إذ إنَّ مفهوم "حرب الأفكار" الأمريكي يعاني من تشويه خلقي؛ فواضعو الإستراتيجية الإعلامية في الإدارة الأمريكية يريدون بالفعل إقناعنا بأنَّ هذه الحرب تتعلَّق فقط بـ"إدراك" المسلمين وليس بـ"الواقع".

مؤتمر أعمال حزب التحرير في لندن، الصورة: أ.ب
تم منع حزب التحرير في ألمانيا بتهمة معاداة السامية

​​وهم يريدون كذلك إقناعنا بأنَّ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط عادلة ورزينة، وأنَّه يجب فقط عرض ذلك بصورة أفضل وعندها سيتلاشى غضب المسلمين وخاصة العرب منهم.

إنَّ كلَّ مراقب غير منحاز شيئًا ما سوف يقر حتمًا بأنَّ الإدارة الأمريكية تنتهج في الشرق الأوسط منذ أربعين عامًا سياسة منحازة لإسرائيل - لأسباب يفهمها الألمان؛ سياسة بلغت ذروتها في عهد الرئيس جورج دبليو بوش.

وكذلك لم يكن إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين بسبب محبة الغير، والنتيجة - فوضى وإرهاب يومي يؤثران في قلوب الكثير من المسلمين الذين تدفع بعضهم هذه الحال إلى التطرّف.

إهانة وعزلة

وماجد نواز يعرف هذا الإحساس بالعجز. فعندما كان في فترة المراهقة عايش معنى التمييز العنصري عن كثب. إذ كان لديه أصدقاء بيض البشرة تم طعنهم من قبل مجموعات متطرِّفين يمينيين، وذلك فقط لأنَّ هؤلاء الأصدقاء كانوا يخالطون شخصًا يصفه المتطرِّفون اليمينيون بـ"باكي" Paki. وكلمة "باكي" تعادل شتيمة "كاناكه" Kanake التي تستخدم في ألمانيا لإهانة الأجانب.

غير أنَّ الحرب في البوسنة والمجازر التي راح ضحيتها آلاف من النساء المسلمات والأطفال المسلمين هي التي دفعت ماجد نواز في آخر المطاف إلى الإسلام السياسي.

وفي حزب التحرير تعلَّم أن لا يشعر بأنَّه مواطن بريطاني من الدرجة الثانية، بل مسلم من الدرجة الأولى وأنَّه ينتمي لملة عالمية يعاني كلّ أفرادها من قسوة ووحشية الغرب الشرّير، ولكن الله معها وهي تدافع عن نفسها وأنَّها ستنتصر في النهاية.

ارتداد عيد حسن عن التطرّف الإسلاموي

أما عيد حسين الذي يعدّ المحرِّك الثقافي الثاني الكامن خلف "مؤسسة كويليم"، فقد أجاب بعد سؤاله عما كان يعجبه في الشكل المتطرِّف من الإسلام مستخدمًا هذه النعوت الستة: نخبوي واستثنائي ومحرِّض ومعارض ويفرض الوصاية ومجابه.

أيان هرسي، الصورة: أ.ب
"كيف يشعر من يقال له في كلِّ يوم إنَّ دينه رجعي وعنيف وبشع؟"

​​والآن صار عيد حسين يهاجم حزب التحرير بسبب نظريات المؤامرة العالمية التي يدّعيها هذا الحزب والتي لم تكن تسمح برأي وسط، بل كانت لا تعرف إلاَّ الخير والشرّ. ويقول عيد حسين صحيح أنَّ سياسة الغرب في الشرق الأوسط ساهمت في زيادة التطرّف، تمامًا مثل التمييز العنصري المستمر تجاه المواطنين ذوي البشرة الغامقة. ولكن لو أنَّ كلا المشكلتين لم تكونا موجودتين، لكان المضلِّلون الإسلامويون سيبحثون - حسب قوله - عن موضوعات أخرى لكي يحرِّضوا الشباب المسلمين: "طالما بقينا نحن المسلمين لا نقرّ بأنَّ لدينا مشكلة تطرّف حقيقية، فإنَّنا لن نستطيع فعل شيء لمواجهة ذلك".

ويوجد على الموقع الإلكتروني الخاص بمؤسسة كويليم ملف صوتي لحوار دار بين عيد حسين وأيان هرسي علي. وفي هذا الحوار تتَّفق آراؤهما في أمور كثيرة، مثلاً في دعوتهما المسلمين إلى ممارسة النقد الذاتي. غير أنَّهما يختلفان في موضوع واحد اختلافًا جذريًا؛ وتحديدًا في موقفهما من الإسلام.

الاستقطاب بدل النقد الذاتي

وأيان هرسي علي ارتدَّت عن دينها، كما أنَّها صارت تهاجمه بشدة ولا تخشى كذلك من الإهانات والشتائم. وهذا حقها المشروع، ولكنها لا تجد لذلك من يصغي إليها إلاَّ لدى جمهور أبيض البشرة يرى في آرائها تأكيدًا على كراهيته للإسلام.

وبذلك فإنَّ أيان هرسي علي تمسّ الجرح الذي يحمله الكثير من المسلمين المتديِّنين؛ فكيف يشعر من يقال له في كلِّ يوم إنَّ دينه رجعي وعنيف وبشع؟ إذ يبدو أنَّ الكثيرين في أوروبا صاروا ينظرون إلى الإسلام باعتباره مجرَّد مرض وإلى المسلمين باعتبارهم مرضى يجب أن يتم علاجهم.

وهذا بحد ذاته أمر مهين. لهذا السبب فإنَّ أيان هرسي علي تعدّ جزءا من المشكلة ولن تستطيع إثارة نقاش يمتاز بالنقد الذاتي لدى المسلمين، بل ستثير فقط ردود فعل رافضة.

ولكن عيد حسين يختلف عنها. فبعد سؤاله عن سبب بقاء الإسلام دينًا متينًا في عصور الإلحاد، أجاب قائلاً: "كوني مسلمًا فأنا أجد العزاء الروحي عندما أستمع لتجويد القرآن".

"إنَّ الإسلام في بلد علماني لا يعرف أمثلة يقتدى بها ولا يوجد لديه إحساس بالحقيقة، يوفِّر لمعظم المتديِّنين الطمأنينة والراحة النفسية كما يقدِّم لهم التوجيه الأخلاقي. فالإسلام تجربة وذوق ونكهة".

ولا يمثِّل رأي عيد حسين هذا فقط دعوة موجّهة إلى الإسلامويين من أجل إعادة التفكير في عقيدتهم المركَّزة على التشريع، بل يمثِّل كذلك دعوة إلى كلِّ الأشخاص غير المسلمين من أجل التعرّف على قوة الإسلام الروحية التي لن يتمكَّنوا بأنفسهم من الشعور بها.

ألبريشت ميتسغر
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

قنطرة

كتاب يكشف أسرار "حزب التحرير" من داخله:
"الإسلاموي"
صدر عن دار بنغوين في بريطانيا كتاب بعنوان "الإسلاموي" لـ"إد حسين" وهو عضو سابق في حزب التحرير. أثار هذا الكتاب الكثير من ردود الفعل داخل الجالية الإسلامية وخارجها. سوزانا طربوش تعرض هذا الكتاب.

راديكالي إسلاموي بريطاني سابق يتصدى لأيديولوجيا "الجهاد":
ضعوا نهاية للإرهاب!
حسن بت البالغ من العمر 27 عاما ولد في مدينة مانشستر البريطانية عن أب وأم باكستانيين وكان ناشطا في مجموعة "المهاجرون" الإسلاموية المتطرفة. لكنه تخلى في العام الماضي عن أفكار التطرف الديني. جريدة الـ"أوبزرفر" البريطانية نشرت له هذا المقال التالي ردا على الهجمات الإرهابية التي وقعت مؤخرا في بريطانيا

الإصلاح والإسلام
ملف خاص
ما هو الدور الذي يمكن يلعبه الإسلام في إصلاح ودمقرطة المجتمعات الإسلامية؟ نقدم بعض النماذج التي يطرحها مفكرون مسلمون بارزون.